Sharh Mukhtasar Al-Sarim Al-Maslul - Muhammad Hasan Abd Al-Ghaffar
شرح مختصر الصارم المسلول - محمد حسن عبد الغفار
Géneros
الأدب مع رسول الله
ومن أروع الأمثلة في الأدب تلك التي ضربها الصحابة أدبًا مع رسول الله، حتى تتأدب أنت مع رسول الله، وإذا قيل لك: قال رسول الله! فما عليك إلا أن تطأطئ رأسك متأدبًا مع سنة النبي ﷺ، ولا تعارض بعقلك بحال من الأحوال، بل تقول: سمعت وأطعت، وتتبنى قول الشافعي: آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله ﷺ.
وقد ضرب لنا الصحابة أروع الأمثلة في الأدب مع رسول الله، فقبل غزوة الحديبية عندما ذهب النبي ﷺ، قبل أن يأتي عروة بن مسعود الثقفي، لما بعث النبي ﷺ عثمان ليحاور القوم أشيع بينهم أنه قد قتل، فقام النبي ﷺ تحت الشجرة فبايع على الموت، فأخذ يبايع على الموت والتف الصحابة حول رسول الله ﷺ، فقام معقل بن يسار -انظروا إلى الأدب- وأخذ غصن الشجرة فجعلها فوق النبي ﷺ ليستظل به رسول الله ﷺ، ولا يكل ولا يمل أدبًا مع رسول الله.
وهذا الذي فعله أبو بكر حتى يعلم الناس أن هذا هو رسول الله، وأن هذا هو صاحب رسول الله ﷺ، فكانوا يتأدبون مع رسول الله أعظم الأدب، فعندما كان في صلح الحديبية قام عروة ينظر في الناس، وينظر في رسول الله، فيجلس رسول الله ﷺ ويأخذ عروة بلحية النبي ﷺ فيلعب بها، وهو يريد أن يترفق ويتلطف مع رسول الله، لعله يستجيب لقوله، ويقول: يا محمد! أرأيت أحدًا قبلك عصف بقومه، أرأيت أحدًا قتل أباه، أو قتل أخاه، أو قتل ابنه مثلما تفعل أنت، أرأيت إن كانت الأخرى، والله إني ما أرى حولك إلا أوباشًا من الناس يفرون عنك عند اللقاء، فقام المغيرة -وكان ابن أخته- فأخذ غمد السيف، وضرب بها على يديه أدبًا مع رسول الله، وهو يقول له: انزع يدك عن لحية رسول الله ﷺ، وأبو بكر لما سمع عروة وهو يقول: (أوباشًا من الناس) يعني: أخلاطًا سيفرون عنك، قال الكلمة الفظيعة التي لم ترد على لسان أبي بكر بحال من الأحوال إلا في هذا المحل أدبًا وتعظيمًا لمكانة رسول الله ﷺ من الصحابة، قال: نحن نفر عن رسول الله! امصص بظر اللات! وأقر النبي ﷺ ذلك، قال تعالى: ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء:١٤٨]، وهذه مظلمة عظيمة جدًا لأصحاب رسول الله، قال: نحن نفر عن رسول الله! امصص بظر اللات! فـ عروة يقول من القائل بهذا القول؟! قالوا: أبو بكر، فقال: لولا يد لك عندي -يعني: نعمة وكرامة لك عندي- لأجبتك.
فالشاهد: قال عروة بعدما رجع إلى قريش، قال: أذعنوا لهذا الرجل، والله إني قد وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي وما رأيت أحدًا يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمدًا، والله -هنا الشاهد- ما تنخم نخامة فوقعت في يد أحدهم إلا دلك بها جسده ووجهه، ووالله ما توضأ إلا ورأيتهم يتقاتلون على وضوئه؛ تعظيما وأدبًا وتوقيرًا لرسول الله ﷺ وجنابه، ووالله ما رأيته يأمر بالأمر إلا وهم يبتدرون لا يتقاعسون.
يبتدرون لامتثال أمر رسول الله ﷺ توقيرًا وتعظيمًا وأدبًا لمكانة النبي ﷺ، وهذا عظم حق رسول الله ﷺ على هذه الأمة.
فكل واحد منا يسأل نفسه، من عظم رسول الله حق تعظيمه؟ هل تأدب مع رسول الله حق الأدب؟ هل وقر رسول الله حق توقيره؟ والتوقير كما قلت في زماننا يكون مع سنة النبي ﷺ.
فما نرى الآن إلا أوباشًا من الناس يقدمون قول الفقيه وقول الشيخ على قول رسول الله ﷺ، يربطون الناس بالأشياخ الأحياء ولا يربطونهم بالشريعة الغراء التي تحيا إلى أبد الدهر، حتى يأذن الله جل وعلا بخراب الدنيا.
هل وقرنا سنة النبي ﷺ؟ هل قدمنا قول النبي ﷺ على قول أي أحد؟ هل عملنا بما قاله ابن القيم وما أروع ما قاله: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه فإذا قلت لأي إنسان منهم: قال رسول الله! يقول لك قال الشيخ الفلاني كذا! وكأنه يعظم الشيخ ولا يعظم سنة النبي ﷺ، ويوقر الشيخ ولا يوقر شريعة النبي ﷺ، فما هذا التيه والتخبط الذي عشناه؟ ما هذا إلا سوء أدب مع سنة النبي ﷺ.
2 / 8