٨٣ - وعن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم». متفق عليه.
ــ
سعيد» كان من حق الظاهر أن يقال: تكتب سعادته، وشقاوته، فعدل إما [حكاية] لصورة ما يكتبه، لأنه يكتب شقي أو سعيد، أو التقدير: أنه شقي أو سعيد، فعدل؛ لأن الكلام مسوق إليهما، والتفصيل وارد عليهما. و«الفاء» في «فسبق» للتعقيب على حصول السبق بلا مهلة، ضمن «يسبق» معنى يغلب أي يغلب عليه الكتاب وما قدر عليه سبقا بلا مهلة، فعند ذلك يعمل عمل أهل الجنة، أو أهل النار.
«خط»: فيه بيان ظاهر أن الأعمال من الحسنات والسيئات أمارات، وليست بموجبات؛ فإن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء، وجرى به القدر في البداية.
الحديث الخامس عن سهل: قوله: «إنما الأعمال بالخواتيم» هذا [تذييل] للكلام السابق، مشتمل على معناه لمزيد التقرير، كقولهم: حدثت الحوادث والحوادث جمة، وفلان ينطق بالحق والحق [أبلج]، وفيه أن العمل السابق ليس بمعتبر، وإنما المعتبر العمل الذي ختم به، كما لوح به حديث ابن مسعود حيث قال: «فيسبق عليه الكتاب» إلى آخره. [شف]: وفي هذا حث على مواظبة الطاعات، ومراقبة الأوقات، وعلى حفظها عن معاصي الله تعالى خوفا عن أن يكون ذلك آخر عمره، وفيه زجر عن العجب والفرح بالأعمال، فرب متكل هو مغرور؛ [فإن العبد لا يدري ماذا يصيبه في العاقبة. وفيه أنه لا يجوز لأحد أن يشهد لأحد بالجنة أو النار] فإن أمور العبد بمشيئة الله وقدره السابق؛ ولهذا قال ﵊ لعائشة ﵂: «أو غير ذلك؟» لما قالت على سبيل القطع: «طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة» تم كلامه.
وفيه أيضا أن الله تعالى يتصرف في ملكه ما يشاء وكيف يشاء، وكل ذلك عدل وصواب، وليس لأحد اعتراض عليه؛ لأنه مالك والخلق مملوك، واعتراض المملوك على المالك قبيح موجب للتعذيب، قال الله تعالى: ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ ومن ثم لما نزل ﴿وإن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ﴾ اشتد ذلك على المؤمنين، وقالوا: يا رسول الله! كيف نطيق دفع ما يجري في قلوبنا؟ فقال رسول الله ﷺ: «فلعلكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل: ﴿سَمِعْنَا وعَصَيْنَا﴾، قولوا: سمعنا وأطعنا» واشتد ذلك عليهم ومكثوا زمانا، فأنزل الله تعالى فرجا بقوله: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وسْعَهَا﴾ فلما أسلموا سهل الله عليهم الأمر، فإذا لا خلاص ولا نجاة إلا بالتسليم لقضاء الله وقدره.