العلم كامتناع الجزء الذي لا يتجزأ فإنه من مسائل الطبيعي ومن مبادي الإلهى لإثبات الهيولي والصورة فيجب أن تبين بمقدمات لا تتوقف صحتها عليها لئلا يلزم الدور وقد يبين في ذلك العلم نفسه بشرط أن لا يكون مبدأ لجميع مسائله وأن لا يبين بمسئلة تتوقف عليه لئلا يدور فهذا يكون مبدأ باعتبار ومسئلة باعتبار كأكثر مسائل الهندسة وككون الأمر للوجوب فإنه مسئلة من الأصول ومبدأ المسئلة وجوب القياس تمسكا بقوله تعالى فاعتبروا ولا يخفى أنه يجب في هذا القسم أن يكون بحثا عن أحوال موضوع الصناعة ليصح كونه من مسائلها فما نحن فيه أعني البحث عن أحوال الممكنات لا على وجه الاستناد لا يكون من هذا القبيل فتعين البيان في علم أدنى أو أعلى فيثبت هذا المبدأ بدليل قطعي من غير مخالفة للقواعد الشرعية وإن لم يعد ذلك العلم من العلوم الإسلامية كالإلهي الباحث عن أحوال الموجود على الإطلاق وههنا شيء آخر وهو أن المفهوم من شرح الصحايف أن ليس معنى البحث عن أحوال الممكنات على وجه الاستناد أن يكون ذلك ملاحظا في جميع المسائل بل أن يكون البحث عن أحوال تعرض للممكنات من جهة استنادها إلى الله تعالى فإن أحوال الممكنات التي يبحث عنها في الكلام أحوال مخصوصة معلومة بحكم فيضانها عن تأثر قدرة الله تعالى وذلك إنما يكون لحاجتها إلى الله تعالى فيكون عروضها للممكنات ناشئا عن جهة حاجتها إليه (قال واعترض) أقول لما كان من المباحث الحكمية مالا يقدح في العقايد الدينية ولم يناسب غير الكلام من العلوم الإسلامية خلطها المتأخرون بمسائل الكلام إفاضة للحقايق وإفادة لما عسى أن يستعان به في التقصي عن المضايق وإلا فلا نزاع في أن أصل الكلام لا يتجاوز مباحث الذات والصفات والنبوة والإمامة والمعاد وما يتعلق بذلك من أحوال الممكنات فلذا اقتصر القوم في إبطال كون موضوع الكلام ذات الله وحده أو مع ذات الممكنات من جهة الاستناد على أنه لو كان كذلك لما كان إثباته من مطالب الكلام لأن موضوع العلم لا يبين فيه بل في علم أعلى إلى أن ينتهي إلى ما موضوعه بين الثبوت كالموجود وذلك لأن حقيقة العلم إثبات الأعراض الذاتية للشيء على ما هو معنى الهلية المركبة ولا خفاء في أنها بعد الهلية البسيطة لأن مالا يعلم ثبوته لا يطلب ثبوت شيء له لكن لا نزاع في أن إثبات الواجب بمعنى إقامة البرهان على وجوده من أعلى مطالب الكلام ثم كونه مبدأ الممكنات بالاختيار أو الإيجاب بلا وسط في الكل أو بوسط في البعض بحث آخر والقول بأن إثباته إنما هو من مسائل الإلهي دون الكلام ظاهر الفساد وإلا لكان هو أحد العلوم الإسلامية بل رئيسها ورأسها ومبنى القواعد الشرعية وأساسها وأجاب بعضهم بأنه جاز ههنا إثبات الموضوع في العلم لوجهين الأول أن الوجود من أعراضه الذاتية لكونه واجب الوجود بخلاف سائر العلوم فإن الوجود إنما يلحق موضوعاتها لأمر مباين وكان هذا مراد من قال
Página 14