قال، والذي لم يكن كذلك أقول: يا إله العالمين، إني أرى الخلقَ مُطبِقين على أنك أكرمُ الأكرمين، وأرحمُ الراحمين، فكل ما مَدَّه قلمي، أو خطَر ببَالِي، فأسْتَشْهِد وأقول: إن عَلِمتَ مني أني أردت به تَحقيقَ باطل، أو إبْطال حَق، فافعَل بي ما أنا أهلُه، وإن عَلِمتَ مني أني ما سَعَيتُ إلَّا في تَقدِيسِ اعتَقدت أنه الحق، وتصورتُ أنه الصدق، فلتَكُن رحمتُك مع قَصْدِي لا مع حاصِلِي، فذاك جُهْدُ المُقِل، وأنت أكرمُ مِن أن تُضايِقَ الضعيفَ الواقعَ في زَلَّةِ، فأغِثْنِي، وارحَمنِي، واستر زَلتِي، وامْحُ حَوبتِي، يا مَن لا يَزيد مُلكَه عِرفانُ العارِفين، ولا يَنْقُص مُلكُه بخَطأ المُجْرِمين، وأقول: دِيني مُتابعةُ الرسول محمَّد ﷺ، وكتابي القرآن العظيم، وتَعْويلي في طَلب الدين عليهما، اللهم يا سامعَ الأصواتِ، ويا مُجيبَ الدَّعَواتِ، ويا مُقِيلَ العَثَرات، أنا كنتُ حسنَ الظن بك، عظيم الرَّجاء في رحمتك، وأنت قلت: "أنا عند ظَنِّ عَبْدِي بِي"، وأنتَ قلتَ: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ [النمل: ٦٢] فهب أني ما جئت بشيء فأنت الغني الكريم، فلا تُخيب رجائي، ولا ترد دعائي، واجعلني آمنًا من عذابك، قبل الموت، وبعد الموت، وعندَ الموت، وسَهل على سَكَرات الموت؛ فإنك أرحمُ الراحمين.
وأما الكتبُ التي صَنفتُها، واستكثَرتُ فيها من إيرادِ السؤالات، فليَذكُرنِي منَ نظَر فيها بصالح دعائه، على سبيلِ التفضل والإنْعام، وإلا فلْيَحذِف القولَ السيئَ؛ فإني ما أردت إلَّا تكثيرَ البحثِ، وشَحذَ الخاطر، والاعتمادُ في الكل على الله.
الثاني: وهو إصلاح أمرِ الأطفال، فالاعتمادُ فيه على الله.
ثم إنه سرَد وَصِيتَه في ذلك، إلى أن قال: وأمرتُ تلامذتي، ومَن لي عليه حق، إذا أنا مِتُّ: يُبالغونَ في إخفاء موتي، ويدفنوني على شَرْطِ الشرع، فإذا دفَنوني قرءوا على ما قَدَرُوا عليه من القرآن، ثم يقولون: يا كريمُ، جاءك الفقيرُ المحتاج، فأحسن إليه.
هذا آخرُ الوصيَّة.
وقال الإِمام في "تفسيره": والذي جربتُه من طُول عمري أن الإِنسانَ كما عَول في أمر من الأُمور على غيرِ الله، صار ذلك سببًا للبَلاء والمِحنة، والشدة والرزِية، لماذا عَولَ على الله، ولم يَرجِع إلى أحَدِ من الخَلق، حصَل ذلك المطلوبُ على أحسنِ الوُجوه، فهذه التجرِبةُ قد استمرت لي من أوَّلِ عمري إلى هذا الوقت، الذي بلغتُ فيه إلى السابع والخمسين، فعند هذا أسفَر قلبي على أنه لا مصلحة للإنسان في التعويل على شيء سوى فضلِ الله وإحسانِه. انتهى.
1 / 124