السنة التي مات فيها الإمام أبو حنيفة ﵀. ومنهم من قال إنه ولد يوم مات أبو حنيفة، قال البيهقي: والتقييد باليوم لم أجده إلا في بعض الروايات، أما التقييد بالسنة فهو مشهور من بين أهل التواريخ، ثم حمل إلى مكة وهو ابن سنتين، ونشأ بها وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، ثم سلمه أبوه للتفقه إلى مسلم بن خالد مفتي مكة، فأذن له في الإفتاء وهو ابن خمسة عشر سنة، فرحل إلى الإمام مالك بن أَنس بالمدينة، فلازمه حتى توفي مالك ﵀، ثم قدم "بغداد" سنة خمسة وتسعين ومائة وأقام بها سنتين، فاجتمع عليه علماؤها، وأخذوا عنه العلم، ورجع كثير عن مذاهبهم إلى قوله، وصنف بها الكتب القديمة وستعرف أسماءها إن شاء الله تعالى، ثم خرج إلى "مكة" حاجًّا، ثم عاد إلى "بغداد" سنة ثمان وتسعين ومائة، فأقام بها شهرين أو أقل، فلما قتل الإمام موسى الكاظم -رضي الله تعالى عنه- خرج إلى مصر فلم يزل بها ناشرًا للعلم، وصنف بها الكتب الجديدة، فأصابته ضربة شديدة فمرض بسببها أيامًا، فدخل عليه أحمد ابن حنبل والمزني يعودانه قالا: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ ! فقال: يا إخواني أصبحت من الدنيا راحلًا، ولإخواني مفارقًا، ولكأس المنية شاربًا، ولسوء أعمالي ملاقيًا، وعلى الله واردًا، فلا أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها، ثم بكى وأنشأ يقول: [من الطويل]:
وَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي ... جَعَلْتُ الرَّجَا مِنِّي لِعَفْوكَ سُلَّمَا
تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ ... بعَفْوكَ رَبِّي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا
فبكى وبكى من حوله، فنظر إليهم وقال: الوداع الوداع يا أصحابي! الفراق الفراق يا أحبابي! ثم توجه إلى القبلة، وتكلم بالشهادتين، وانتقل إلى رحمة الله تعالى، إنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم ارفعه إلى مرام همته وشفعه في زمرته! كان ذلك يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين، ودفن بالقرافة بعد العصر في يومه.
وهذا عود إلى شيوخ الفخر الرازي:
أحمد بن زِرّ بن كُمّ بن عقيل أبو نصر، الكَمال، السِّمْنَانِيّ
قال السبكي: أبوه "زِرّ" بكسر الزاي بعدها راء مُشدَّدة. وجده "كُمّ" بضم الكاف، بعدها ميم مشددة. كذا أحفظه.
وسمعت من يقول: بل والده زَرْين كُمّ، بفتح الزاي، ثم الراء الساكنة الخفيفة، ثم آخر الحروف، ثم نون، ثم كاف مضمومة، ثم ميم مشددة.
قال: وهو اسم عجمي، على هيئة مضاف ومضاف إليه، وجده عقيل.
1 / 112