Sharh Lum'at al-I'tiqad by Khalid Al-Mosleh
شرح لمعة الاعتقاد لخالد المصلح
Géneros
صفة اليدين
ثم ذكر ﵀ قوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة:٦٤]، وهذا فيه إثبات اليدين لله ﷿.
واليدان صفة للرب جل وعلا دل عليها الكتاب والسنة وأجمع عليها سلف الأمة، وهما يدان اثنتان كما دل عليه قوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة:٦٤]، وقد جاء ذكر هذه الصفة في القرآن بعدة صيغ، وعلى عدة أوجه، فجاءت مفردة، وجاءت مثناة، وجاءت مجموعة، جاءت مفردة في قوله تعالى: ﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة:٦٤] وجاءت مثناة في قوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة:٦٤]، وجاءت مجموعة في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ [يس:٧١] .
أما الآية التي في سورة الذاريات وهي: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ﴾ [الذاريات:٤٧] فالأيد هنا ليست جمع يد، وإنما الأيد هنا القوة من (أيد) إذا قوي.
ثم قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ [يس:٧١] فيه جمع اليد، فهل يوجد تعارض بين الإفراد والجمع والتثنية؟
الجواب
لا تعارض، والدليل على أنه لا تعارض قول الله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:٨٢]، فلا يمكن أن يكون في كلام الله ﷿ تعارض أو تضارب، والتعارض والتضارب الذي يرد في النصوص إنما هو من قبل الناظر لا من قبل النص، فالنص ليس فيه تعارض، بل هو محكم كما قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود:١]، وكما قال تعالى: ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت:٤٢] (حكيم) أي: محكِم، فقد أحكم الله جل وعلا هذا الكتاب، وهو محمود عليه ﷾ لأنه أحكمه وأتقنه، ولذلك قال: ﴿تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت:٤٢] إذًا: لا تعارض بين الإفراد والتثنية، وبين الإفراد والجمع، فهل نقول: لله يد أم يدان أم أيد؟ الجواب: إن لله يدين لا أكثر؛ لأن الله جل وعلا ذكر صفة اليد مثناة، والتثنية هي من أسماء الأعداد، وأسماء الأعداد لا يراد بها إلا العدد المذكور، فإذا قال قائل: جاء خمسة، لم يمكن أن نقول: جاء ستة في اللسان العربي، وإذا قال قائل: أعطيته عشرة، لم يمكن أن يقال: لا هو يريد تسعة، أو يريد أحد عشر؛ لأن أسماء الأعداد نصوص لا تقبل الزيادة ولا النقص.
وهل يتعارض التثنية والجمع؟ الجواب: لا تعارض؛ لأن الإفراد جاء ويراد به الجنس، هذا احتمال، الاحتمال الثاني: أن يراد به مطلق اليد ثم جاءت النصوص مبينة لليد، كما قال الله تعالى: ﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة:٦٤] (يد الله) مفردة أضافها إلى نفسه، ومعلوم من قواعد اللغة أن المفرد المضاف يفيد العموم، فيصدق عليه اليد واليدان والثلاث والعشر، إذًا: الإفراد لا يعارض التثنية ولا يعارض الجمع، ولماذا لا يعارض التثنية ولا الجمع؟ الجواب: لأن الإفراد يراد به الجنس، أي: إثبات جنس اليد لله ﷾ دون تعرض للعدد، ويراد به أيضًا العموم حيث إنه مفرد مضاف، والمفرد المضاف يصدق عليه الواحد وما هو أكثر من الواحد، فتبين أن: الإفراد لا يعارض التثنية، ولا يعارض الجمع.
وهل الجمع يعارض الإفراد والتثنية؟ الجواب: لا يعارضهما؛ لأن الجمع يأتي للتعظيم، كقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩] مع أن المنزل هو الله جل وعلا، فالقرآن نزل من عنده جل وعلا، قال سبحانه: ﴿تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت:٤٢]، وقال: ﴿كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود:١] فهو الذي فصل وهو الذي أحكم جل وعلا، ومع ذلك أخبر عن المنزل بصيغة الجمع، فقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩] فالإتيان بصيغة الجمع فائدته التعظيم.
إذًا: تلخص لنا من هذا أن ما جاء في القرآن في صفة اليد مثنىً لا يعارض الإفراد ولا الجمع، ولا الإفراد يعارض الجمع والتثنية، وكذلك الجمع لا يعارض الإفراد ولا التثنية.
3 / 11