شرح كتاب السنة للبربهاري - الراجحي
شرح كتاب السنة للبربهاري - الراجحي
Géneros
تعريف السنة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فسوف نشرح -إن شاء الله- كتاب السنة للعالم الفاضل الحنبلي أبي محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري وقد سمي بـ البربهاري نسبة إلى الأدوية التي تجلب من الهند، والمتوفى سنة (٣٢٩) هجرية، فهو من علماء القرن الرابع والقرن الثالث الهجريين.
وقد سمى هذه الرسالة: شرح السنة، والسنة هي ما جاء به الرسول ﵊ من الوحي عن الله ﷿، وهي الوحي الثاني، وتشمل: مسائل الاعتقاد، ومسائل الفقه، قال ﵊ في الحديث الصحيح: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)، فالسنة وحي ثانٍ، وقال الله ﷿: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٣ - ٤].
والسنة عند العلماء القدامى تشمل قول النبي ﷺ وفعله وتقريره، وتشمل الواجب والمستحب، واصطلح المتأخرون من الفقهاء والأصوليين على إطلاق السنة على المندوب والمستحب.
ومراد المؤلف ﵀ بقوله: شرح السنة، ما جاء به الرسول ﵊ من مسائل الاعتقاد والإيمان والجنة والنار، ومسائل الفقه أيضًا، ويشمل ما ثبت عن النبي ﷺ من قوله أو فعله أو تقريره، كما يبين المؤلف ﵀ حيث يقول: السنة هي الإسلام والإسلام هو السنة، وقد قال الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:٧].
وقد ثبت في صحيح البخاري أن عبد الله بن مسعود ﵁ جاءته امرأة وكان قد قال ﵁: لعن الله النامصة والمتنمصة، وما لي لا ألعن من لعن الله.
فجاءت امرأة فقالت: إنك تقول إن لعن النامصة في القرآن، وإني قرأت ما بين اللوحين فلم أجد فيه ما ذكرت من لعن النامصة.
فقال ﵁: إن كنت قرأته فقد وجدته، أما تقرئين قول الله ﷿: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:٧]، وقال سبحانه: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النور:٥٤].
ومن أنكر السنة وزعم أنه لا يعمل بها أو أنه لا حاجة إليها فهو كافر بإجماع المسلمين، وقد بين بعض السلف أن السنة هي التي توضح المشكل من القرآن وهي التي تقيد المطلق، وهي التي تخصص العام، ففي القرآن العظيم وجوب الصلاة، لكن ليس فيه بيان عدد الصلوات وأنها خمس صلوات في اليوم والليلة، وإن كان قد يؤخذ هذا من قوله تعالى إجمالًا: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [طه:١٣٠].
وليس في القرآن بيان عدد ركعات صلاة الظهر، ولا عدد ركعات صلاة العصر، ولا عدد ركعات صلاة المغرب، ولا عدد ركعات صلاة العشاء أو صلاة الفجر.
وقد أوجب الله في القرآن الزكاة، ولكن ليس في القرآن بيان اشتراط وجوب النصاب وبيان اشتراط الحول.
وفي القرآن بيان وجوب الحج، وليس فيه تفصيل المناسك، وأنه يجب على الإنسان أن يقف بعرفة في اليوم التاسع وأنه ركن الحج الأعظم، ويجب عليه أن يقف بمنى ومزدلفة وأن يرمي الجمار.
فمن يزعم أنه لا يحتاج إلى السنة فلا دين له، وكما سيأتي أن السنة تقضي على القرآن والقرآن لا يقضي على السنة، ولهذا ألف العلماء الكتب في العقائد وفي مسائل الإيمان ودخول الأعمال في مسمى السنة، كما ألف الإمام أحمد ﵀ كتاب السنة، والسنة لابنه عبد الله، والسنة لـ ابن أبي عاصم، ومنها ما ألفه المؤلف.
فالمقصود أن السنة اسم عام يشمل مسائل الإيمان ومسائل التوحيد ويشمل الفروع والأصول، ولهذا فإن المؤلف ﵀ ذكر في هذا الكتاب جملًا كثيرة من مسائل التوحيد والإيمان، وجملًا كثيرة من مسائل الفقه، وهذه المسائل والموضوعات كثيرة جدًا، ولو أردنا أن نتوقف طويلًا عند كل مسألة لما تجاوزنا الصفحة الأولى من الكتاب أو لما تجاوزنا مسألة أو مسألتين، ولكننا إن شاء الله نتكلم على كل مسألة بما يغلب على الظن أن فيه الفائدة، ونحاول أن نأتي على جميع المسائل بحول الله وقوته مع بيان وإيضاح المراد باختصار غير مخل حتى تعم الفائدة إن شاء الله تعالى، ونسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في العمل والصدق في القول، ونعوذ بالله من فتنة القول كما نعوذ به من فتنة العمل، ونسأله ﷾ أن يثبتنا وإياكم على دينه القويم إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 3