ألفاظه، ويحرِّرُ أحكامه، وهَدَتْه آخرَ الأمر إلى تأليف مختصر في الفقه، رتَّبه تَرْتيبًا جديدًا، وحرَّره تحريرًا فائقًا، وسماه «المُقْنع» بلغ فيه الغاية، وانصرف إليه العلماء بعده بالشرح والتعليق، بل واعتمدوه «المتن» الذي يُحفظ في فقه الحنابلة.
وكان من أسْبَق الفقهاء إلى العناية بـ «المقنع» شمس الدين ابن قدامة، ابن أخي الموفق، المعروف بابن أبي عمر، فقد عرَض عليه كتاب «المقنع» وشرحه عليه، وأذن له في إقرائه، وإصلاح ما يرى أنه يحْتاج إلى إصلاح فيه، ثم شرَحه بعد ذلك في مجلَّدات، واسْتمدَّ فيه من «المغني» لعمِّه.
٢
وهو شمس الدين، أبو محمد وأبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قُدامة المَقْدِسي الجَمَّاعِيلِيّ الصالحيّ الحنبليّ الخطيب الحاكم قاضي القضاة، ابن أبي عمر (*).
ولد في المحرم سنة سبع وتسعين وخمسمائة، بالدَّير المبارك، الذي أقامه والده بسَفْح قاسِيُون، الجبل المشرف على دمشق.
بدأ مسيرته العلمية بالقراءة على والده أبي عمر، وبالتفقه على عمه موفق الدين ابن قدامة، وعنى بالحديث، وكتب بخطه الأجزاء والطباق، وأخذ الأصول عن السيف الآمدي، ودرَّس، وأفتى، وأقرأ العلم زمنا طويلا، وانتفع به الناس، وانتهت إليه رياسة المذهب في عصره، بل رياسة العلم في زمانه.
وله مشيخة حافلة تتمثل في:
١ - شمس الدين أبو العباس أحمد بن عبد الواحد بن أحمد المَقْدِسِيّ البُخارِيّ الحنْبليّ الأصوليّ، المتوفى سنة ثلاث وعشرين وستمائة (١). أجاز له.
_________
(*) ترجمة شمس الدين ابن قدامة، في: ذيل مرآة الزمان، لليونيني ٤/ ١٨٦ - ١٩١، العبر، للذهبي
٥/ ٣٣٨، ٣٣٩، تذكرة الحفاظ، للذهبي ٤/ ١٤٩٢، البداية والنهاية، لابن كثير ١٣/ ٣٠٢، مرآة
الجنان، لليافعي ٤/ ١٩٧، ١٩٨، فوات الوفيات، لابن شاكر الكتبي ٢/ ٢٩١، ٢٩٢، ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب ٢/ ٣٠٤ - ٣١٠، النجوم الزاهرة، لابن تغرى بردى ٧/ ٣٥٨، شذرات الذهب، لابن العماد الحنبل ٥/ ٣٧٦ - ٣٧٩، التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول، للقنوجي ٢٥٢، ٢٥٣، كشف الظنون ٢/ ١٨٠٩، ٦٩١: Brock GI: ٣٩٩، SI: ٦٩١
(١) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ١٦٨ - ١٧٠، سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٢٥٥، ٢٥٦.
مقدمة / 6