بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على سوابغ النعم وله الشكر على جلائل القسم ربنا الذي علم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم فأنطقه بالحروف المجمة التي هي صيغ الكلم منثورةً ومنظومةً وخصه من بين الحيوان باللغى التي ينطق بها مسرودةً مفهومةً وميزه بالبيان الذي فصل به العالم كما قال عز ذكره ولقد كرمنا بني آدم ورث البيان أجداده والآباء إذ علم ربه آدم الاسماء حتى أعرب عن ضمائره بما علم من الأسامي والكلمات وأورث أولاده فنون اللغات فنطقوا بما علم أبوهم وتلقن منهم ما تفوهوا به بنوهم من اللغات التي تكلمت بها الأمم وتحاورت بها العرب والعجم فارتفعوا بها عن درجة البهيمية ولم يكونوا كالانعام التي لها رغاء وثغاء وكالبهائم التي لها نباح وعواء وفضل من بينها اللغة العربية إذ خصها بخصائص ليست لغيرها من اللغة وجعل فضلها في أقصى الغايات حين أنزل القرآن العظيم وبعث الرسول اللذين جعلهما عربيين فشرفت بهما اللغة العربية وثبتت لها الفضيلة والزية هو الآله القادر الجبار يخلق ما يشآء ويختار له الحمد عليا كبيرا وصلواته على المبعوث بشيرا ونذيرا محمد وآله واصحابه وسلم تسليما كثيرًا.
أما بعد فان الشعر أبقى كلام وأحلى نظام وأبعده مرقىً في درجة البلاغة وأحسنه ذكرا عند الرواية والخطابة وأعلقه بالحفظ مسموعا وأدله على الفضيلة العريزية منصوعا وحقا لو كان الشعر من الجواهر لكان عقيانا أو من النبات لكان ريحانًا ولو أمسى نجوما لما خمد ضيآءُها أو عيونا لما غار مآءها فهو ألطف من در الطل في أعيه الزهر إذا تفتحت عيون الرياض غب المطر وأرق من أدمع المستهام ومن الراح ترقرق بماء الغمام وهذا وصف أشعار المحدثين الذين تأخروا عن عصر الجاهلية وعن نأنأة الإسلام إلى ايام ظهور الدولة العباسية فأنهم الذين أصبح بهم بحر الشعر عذبا فراتا بعد ما كان ملحا أجاجًا وأبدعوا في المعاني غرائب أوضحوا بها لمن بعدهم طرقا فجاجا حتى أضحت روضة الشعر متفتحة الأنوار يانعة الثمار متفتقة الأزهار متسلسلة الانهار فثمرات العقول منها تجتني وذخائر الكتابة عن غرائبها تقتني وكواكب الآداب منها تطلع ومسك العلم من جوانبها يسطع وإليها تميل الطباع وعليها تقف الخواطر والاسماع ولها ينشط الكسلان وعند سماعها يطرب الثكلان لما لها من المزائن والتدبيج وسطوع روائح المسك الأريج أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد حدثنا اسحاق بن خالويه حدثنا عن بن يحيى القطان حدثنا هشام عن معمر عن الزهدي عن أبي بكر عن عبد الرحمن عن مروان بن الحكم عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث عن أُبيّ بن كعب أن النبي ﷺ قال أن من الشعر لحمةً أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ حدثنا محمد بن يحيى أخبرنا أحمد بن شبيب بن سعيد حدثنا أُبيّ عن يونس قال قال ابن شهاب عن عروة عن عائشة ﵂ أنها كانت تقول الشعر كلام فمنه حسن ومنه قبيح فخذ الحسن ودع القبيح ولقد روت أشعار منها القصيدة أربعون ودون ذلك وأن الناس منذ عصر قديم قد ولوا جميع الاشعار صفحة الإعراض مقتصرين منها على شعر أبي الطيب المتنبي نائين عما يروى لسواه وان فاته وجاز في الاحسان مداه وليس ذلك إلا لبختٍ اتفق له فعلا فبلغ المدى وقد قال هو.
هو الجدُّ حتى تفضل العين أُختها ... وحتى يكون اليوم لليوم سيدا
على أنه كان صاحب معان مخترعة بديعة ولطائف إبكارٍ منها لم يسبق إليها دقيقة ولقد صدق من قال:
ما رأى الناس ثاني المتنبي ... أي ثان يرى لبكر الزمان
هو في شعره نبي ولكن ... ظهرت معجزاته في المعاني
1 / 1
ولهذا خفيت معانيه على أكثر من روى شعره من أكابر الفضلاء والأئمة العلماء حتى الفحول منهم والنجباء كالقاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني صاحب كتاب الوساطة وأبي الفتح عثمان بن جنى النحوي وأبي العلاء المعري وأبي علي بن فورجة البروجردي رحمهم الله تعالى وهؤلاء كانوا من فحول العلماء وتكلموا في معاني شعره مما اخترعه وانفرد بالإغراب فيه وأبدعه وأصابوا في كثير من ذلك وخفى عليهم بعضه فلم يكن لهم غرضه المقصود لبعد مرماه وامتداد مداه أما القاضي أبو الحسن فإنه ادعى التوسط بين صاغية المتنبي ومحبيه وبين المناصبين له ممن يعاديه فذكر أن قومًا مالوا إليه حتى فضلوه في الشعر على جميع أهل زمانه وقضوا له بالتبريز على أقرانه وقوما لم يعدوه من الشعراء وأزروا بشعره غاية الازراء حتى قالوا أنه لا ينطق إلا البهراء ولا يتكلم إلا بالكلمة العوراء ومعانيه كلها مسروقة أو عور والفاظه ظلمات وديجور فتوسط بين الخصمين وذكر الحق بين القولين وأما ابن جنى فإنه من الكبار في صنعة الإعراب والتصريف والمحسنين في كل واحد منهما والتصنيف غير أنه إذا تكلم في المعاني تبلد حماره ولج به عثاره ولقد استهدف في كتاب السفر غرضا للمطاعن ونهزة للعامز والطاعن إذ حشاه بالشواهد والكثيرة التي لا حاجة له إليها في ذلك الكتاب والمسائل الدقيقة المستغنى عنها في صنعة الإعراب ومن حق المنصف أن يكون كلامه مقصورا على المقصود بكتابه وما يتعلق به من أسبابه غير عادل إلى ما لا يحتاج إليه ولا يعرج عليه ثم إذا انتهى به الكلام إلى بيان المعاني عاد طويل لاكمه قصيرا وأتى بالمحال هراءً وتقصيرًا وأما ابن فورجة فإنه كتب مجلدين لطيفين على شرح معاني هذا الديوان سمى أحدهما التجني على ابن جنى والآخر الفتح على أبي الفتح أفاد بالكثير منهما عائصا على الدرر وفائزًا بالغرر ثم لم يخل من ضعف البنية البشرية والسهو الذي قل ما يخلو عنه أحد من البرية ولقد تصفحت كتابيه وأعلمت على مواضع الزلل ومع شغف الناس واجماع اكثر أهل البلدان على تعمل هذا الديوان لم يقع له شرح شافٍ يفتح الغلق ويسيغ الشرق ولا بيان عن معانيه كاشف الأستار حتى يوضعها للأسماع والأبصار فتصديت بما رزقني الله تعالى من العلم ويسره لي من الفهم لإفادة من قصد تعلم هذا الديوان وأراد الوقوف على مودعه من المعاني بتصنيف كتاب يسلم من التوصيل وذكر ما يستغنى عنه من الكثير بالقليل مشتمل على البيان والايضاح مبتسم عن الغرر والاوضاح يخرج من تأمله عن ظلم التخمين إلى نور اليقين ويقف به على المغزى المقصود والمرمى المطلوب حتى يغنيه عن هموسات المؤدبين ووساوس المبطلين وانتحال المتشبعين وكذب المدعين الذين تفضحهم شواهد الاختبار عند التحقيق والاعتبار وقدما سعيت في علم هذا الشعر سعى المجد سالكا للجدد وسبقت فيه غيري سبق الجواد إذا استولى على الأمد حتى سهلت لي حزونه وسمحت فنونه وذلت لي أبكاره وعونه وزال العمى فانهتك لي غطاء حقائقه وانشرح ما استبهم على غيري من دقائقه فنطقت فيه مبينا على إصابة ولم أجمجم القول موريا في إرابة والله تعالى المسؤول حسن التوفيق في إتمامه وإسباغ ما بدانا به من فضله وانعامه.
ولد أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي بالكوفة في كندة في سنة ثلاث وثلثمائة ونشأ بالشم والبادية وقال الشعر صبيًا فمن أول قوله في الصبا
أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني ... وفرق الهجر بين الجفن والوسنِ
يقال بَلِيَ الثوب يبلى بِلًى وبلاءً وأبلاه غيره يبليه ابلاءً والاسف شدة الحزن يقال أسف يأسف أسفًا فهو آسف وأسف ومعنى ابلاءً يشتد عند الفراق والهوى عذب مع الوصال سمّ مع الفراق كما قال السريّ الرفاء، وارى الصبابةَ أريةً ما لم يشب، يومًا حلاوتها الفراقُ بصبابه، وانتصب أسفا على المصدر ودل على فعل ما تقدمه لأن ابلاءً الهوى بدنه يدل على أسفه كأنه قال أسفت أسفا ومثله كثير في التنزيل كقوله تعالى صنع الله الذي أتقن كل شيءٍ ويوم النوى ظرف للابلاء ويجوز أن يكون معمول المصدر الذي هو أسفا والمعنى يقول أدى الهوى بدني إلى الأسف والهزال يوم الفراق وعبد هجر الحبيب بين جفني والنوم أي لم أجد بعده نومًا.
روح تردد في مثل الخلال إذا ... أطارت الريح عنه الثوب لم يبنِ
1 / 2
يقول لي روح تذهب وتجيء في بدن مثل الخلال في النحول والرقة إذا طيرت الريح عنه الثوب الذي عليه لم يظهر ذلك البدن لرقته أي إنما يرى لما عليه من الثوب فإذا ذهب عنه الثوب لم يظهر ويجوز أ، يكون معنى لم يبن لم يفارق أي أن الريح تذهب بالبدن مع الثوب لخفته ومثل الخلال صفة لموصوف محذوف تقديره في بدنٍ مثل الخلال وأقرأني أبو الفضل العروضي في مثل الخيال قال أقرأني أبو بكر الشعراني خادم المتنبي الخيال قال لم أسمع الخلال إلا بالري فما دونه يدل على صحة هذا إن الوأواء الدمشقيّ سمع هذا البيت فأخذه فقال، وما أبقى الهوى والشوق منّي، سوى روح تردد في الخيال، خفيت على النوائب أن تراني، كأن الروح مني في محال،
كفى بجسمي نحولًا أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
يقول كفى بجسمي نحولا أنني رجلا لو لم أتكلم لم يقع على البصر أي إنما يستدل عليّ بصوتي كما قال أبو بكر الصنوبري، ذبت حتى ما يستدل على أني حيٌّ إلا ببعض كلامي، واصل هذا المعنى قولا الأول، ضفادع في ظلماء ليلٍ تجاوبت، فدل عليها صوتها حية البحر، والباء في بجسمي زائدة وهي تزاد في الكفاية في الفاعل كثيرا كقوله سبحانه وكفى بالله شهيدًا كفى بالله وكيلًا وقد تراد في المفعول أيضا كقول بعض الأنصار، وكفى بناء فضلًا على من غيرنا، حب النبي محمدٍ إيانا، معناه كفانا فضلا فزاد الباء وقد قال أبو الطيب، كفى بك داءً أن ترى الموت شافيًا، فزاد في المفعول وقوله بجسمي معناه جسمي كما ذكرنا وانتصب نحولا على التمييز لأن المعنى كفى جسمي من النحول.
وقال أيضا في صباه ارتجالًا
بأبي من وددته فافترقنا ... وقضى الله بعد ذاك اجتماعًا
هذه الباء تسمى باء التفدية يقول فداء بأبي من وددته أي جعل فداءص ل وتقول بنفسي أنت وبروحي أنت وهو كثير في كلامهم.
فافترقنا حولًا فلما التقينا ... كان تسليمه عليّ وداعًا
يقول كان تسليمه عليّ عند الالتقاء توديعا لفراق ثان والوداع اسم بمعنى التوديع يقال ودعته توديعا ووداعا وهذا المعنى من قول الآخر، بأبي وأمي زائرٌ متقنع، لم يخف ضوء البدرِ تحت قناعه، لم أستتم عناقه للقائه، حتى ابتدأت عناقه لوداعه.
وقال أيضا في صباه يمدح محمد بن عبيد الله العلوي
أهلًا بدارٍ سباك أغيدها ... أبعد ما بان عنك خردها
الاغيد الناعم البدن وجمعه غيدٌ وأراد ههنا جارية وذكر اللفظ لأنه عنى الشخص والخرد جمع الخريدة وهي البكر التي لم تمسس ويقال أيضا خرد بالتخفيف وفي قوله أبعد أوجهٌ وروايات والذي عليه أكثر الناس الاستفهام وفيه ضربان من الفساد أحدهما في اللفظ وهو أن تمام الكلام يكون في البيت الذي بعده وذلك عيب عند الرواة ويسمونه المبتور والمضمن والمقاطل ومثله لا يصلح بيني فاعلموه ولا، بينكم ما حملت عاتقي، سيفي وما أن مريض وما، قرقر قمر الواد بالشاهق، والثاني في المعنى وهو أنه إذا قال أبعد فراقهم تهيم وتحزن كان محالا من الكلام والرواية الصحيحة أبعد ما يقول أبعد شيءْ فارقك جواري هذه الدار وروى قوم أبعد على أنه حالٌ من الاغيد والعامل في الحال سباك يقول سباك أبعد ما كان منك وهذا من العجب أن السابي يسبي وهو بعيد والمعنى أنه أسرك بحبه وهو على البعد منك وانتصب أهلًا بمضمر تقديره جعل الله أهلا بتلك الدار فتكون مأهولة وإنما تكون مأهولة إذا سقيت الغيث فانبتت الكلأ فيعود إليها أهلها وهو في الحقيقة دعاء لها.
ظلت بها تنطوي على كبدٍ ... نضيجةٍ فوق خلبها يدها
1 / 3
يريد ظللت فحذف احدى اللامين تخفيفا كقوله تعالى فظلتم تفكهون يقول ظللت بتلك الدار تنثني على كبدك واضعا يدك فوق خلبها والمحزون يفعل ذلك كثيرا لما يجد في كبده من حرارة الوجد يخاف على كبده أن ينشقّ كما قال الآخر، عشية أثنى البرد ثم ألوثه، على كبدي من خشيةٍ أن تقطعا، وقال الصمة القشري، وأذكر أيام الحمى ثم أنثني على كبدي من خشيةٍ أن تصدعا، وقال الآخر، لما رأوهم لم يحسوا مدركا وضعوا أناملهم على الأكباد، وكرر أبو الطيب فقال، فيه أيديكما على الظفر الحلو وأيدي قومٍ على الاكباد، والانطواء كالانثناء والنضج لليد ولكن جرى نعتا للكدب لإضافة اليد إليها كقوله تعالى من هذه القرية الظالم أهلها والظلم للاهل وجرى صفة للقرية والمعنى التي ظلم أهلها وهذا كما تقول مررت بامرأةٍ كريمةٍ جاريتها تصفها بكرم الجارية وجعل اليد نضيجةً لأنه أدام وضعها على الكبد فانضجتها بما فيها من الحرارة ولهذا جاز إضافتها إلى الكبد والعرب تسمى الشيء بأسم غيره إذا طالت صحبته إياه كقولهم لفناء الدار العذرة ولذي البطن الغائط وإذا جاز تسمية شيءٍ بأسم ما يصحبه كانت الإضافة أهون ولطول وضع يده على الكبد أضافها إليها كأنها للكبد لما لم تزل عليها والخلب غشاءٌ للكبد رقيق لازب بها وارتفع يدها بنضيجة وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل كما تقول مررت بامرأةٍ كريمةٍ جاريتها ويجوز أن تكون النضيجة من صفة الكبد فيتم الكلام ثم ذكر وضع اليد على الكبد والأول أجود.
يا حاديى عيسها وأحسبني ... أوجد ميتا قبيل أفقدها
دعا الحاديين ثم ترك ما دعاهما له حتى ذكره في البيت الذي بعده وأخذ في كلام آخر وتسمى الرواة هذا الإلتفات كأنه التفت إلى كلام آخر من شأنه وقصته فإن كان كلاما أجنبيا فسد ولم يصلح ومثله، وقد أدركتني والحوادث جمةٌ، أسنة قومٍ لاضعاف ولا عزلِ، فصل بين الفعل والفاعل بما يسمى التفاتا وهو من قصته لان أدراك الاسنة من جملة الحوادث كذلك قوله واحسبني أوجد ميتا ليس باجنبي عما هو فيه من القصة واراد قبيل أن أفقدها فلما حذف أن عاد الفعل إلى الرفع كبيت الكتاب ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى فيمن رفع
قفا قليلًا بها عليَّ فلا ... أقل من نظرةٍ أزودها
يقول للحاديين اللذين يحدوان عيسها احبساها على زمانا قليلا لأنظر إليها واتزود منها نظرةً فلا أقل منها ومن رفع أقل جعل لا بمنزلة ليس كما قال، من صد عن نيرانها، فأنا ابن قيس لا براح أي ليس عند براح والكناية في بها يجوز أن تعود إلى العيس وإلى المرأة وقريب من هذا في المعنى قول ذي الرمة، وإن لم يكن الا تعلل ساعةٍ، قليلًا فإني نافعٌ لي قليلها، ثم ذكر سبب مسألة الوقوف فقال:
ففي فؤاد المحب نار هوى ... أحر نار الجحيم أبردها
عنى بالمحب نفسه والجحيم النار الشديدة التوقد العظيمة يقول أحر النار العظيمة المتوقدة أبرد نار الهوى يعني أن نار الهوى أشد حرارةً.
شابّ من الهجر فرق لمتهِ ... فصار مثل الدمقسِ أسودها
الفرق حيث يفرق الشعر من الرأس واللمة من الشعر ما ألم بالمنكب والجمع لمم ولمام والدمقس الابريسم الأبيض خاصة يقول لعظم ما أصابه من هجر الحبيب أبيض شعره حتى صار ما كان أسود من لمته أبيض كالدمقس.
بانوا بخرعوبةٍ لها كفلٌ ... يكاد عند القيام يقعدها
يقال امرأة خرعوبة وخرعبة وهي اللينة الشابة الطرية ومنه قول امرءِ القيس، كخرعوبةِ البانةِ المنفطر، والكفل الردف والمرأة توصف بثقل العجيزة وكثرة لحمها يقول ذهبوا بامرأة ناعمة إذا قامت يكاد ردفها يقعدها لكثرة ما عليه من اللحم وكاد وضع لمقاربة الفعل واثباته نفيٌ في المعنى كأنه قال قرب من ذلك ولم يفعل وهذا المعنى كثير في الشعر كقول عمر بن أبي ربيعة، تنوء بأخراها فلكيا قيامها، وتمشي الهوينا عن قريبٍ فتبهرُ، ومثله لابي العتاية، بدت بينحورٍ قصار الخطى، تجاهد بالمشي أكفالها، وبيت المتنبي من قول أبي دلامة، وقد حاولت نحو القيام لحاجةٍ، فأثقلها عن ذلك الكفل النهدُ،
ربحلةٍ اسمٍ مقبلها ... سجلةٍ أبيضٍ مجردها
1 / 4
الربحلة والسجلة من نعوت النساء وهي الجسيمة الطويلة العظيمة قالت امرأة من العرب تصف بنتها، ربحلةٌ سجلةٌ، تنمى نماءَ النخله، والمقبل موضع التقبيل وهو الشفة وتحمد فيها السمرة ولذلك قال غيلان ولقبه ذو الرمة، ليماءُ في شفتيها حوةٌ لعسٌ، وفي اللثات وفي أنيابها شنب، والمجرد حيث تجرد من بدنها أي تعرى من الثوب وصفها بسمرة الشفة وبياض اللون وخص المجرد وهو الأطراف لأنه إذا أبيض المجرد وهو الذي يصيبه الريح والشمس ويظهر للرأيين كان سائر بدنها أشد بياضًا.
يا عاذل العاشقين دع فئةً ... أضلها الله كيف ترشدها
الفئة الجماعة من الناس ويريد العشاق يقول لمن يعذلهم في العشق دع من عذلك قوما أضلهم الله في الهوى حتى تعالكوا فيه واستولى عليهم حتى غلب عقولهم كيف ترشدهم بعد أن اضلّهم الله أي أنهم لا يصغون إلى عذلك لما بهم من ضلال العشق ثم ذكر قلة نفع لومه فقال:
ليس يحيك الملام في هممٍ ... أقربها منك عنك أبعدها
يقال أحاك فيه الشيء إذا اثر وقد يقال أيضا حاك يقول لا يؤثر لومك في هممٍ أقربها منك في تقديرك أبعدها عنك في الحقيقة أي الذي تظنه ينجع فيه لومك هو الأبعد عما تظن
بيئسَ الليالي سهرتُ من طربي ... شوقًا إلى من يبيت يرقُدُها
يذم الليالي التي لم ينم فيها لما أخذه من القلق وخفة الشوق إلى الحبيب الذي كان يرقد تلك الليالي يعني أنه كان ساليا لا يجد من أسباب امتناع الرقاد ما كنت أجده.
أحييتها والدموعُ تنجدني ... شؤونها والظلام ينجدها
أحياء الليل ترك النوم فيه يقال فلان يحيى الليل أي يسهر فيه وفلان يميت الليل أي ينام فيه وذلك أن النوم أخو الموت واليقظة أخت الحياة والانجاد الإعانتة والشؤون قبائل الرأس وهي مجاري الدموع يقول كان للدموع من الشؤون إمدادٌ ولليالي من الظلامٍ انجازٌ والمعنى أن تلك الليالي طالت وطال البكاء فيها ويجوز أن تعود الكناية في ينجدها إلى الشؤون وذلك أن من شأن الظلام أن يجمع الهموم على العاشق وفي اجتماعها عون للشؤون على تكثير وادرار البكاء يبين هذا قول الشاعر، يضم على الليل أطباق حبها، كما ضم أزرار القميصِ البنائقُ،
لا ناقتي تقبل الرديف ولا ... بالسوط يوم الرهانِ أجهدها
يقول ناقتي لا تقبل الرديف وهو الذي يرتدف خلف الراكب وإذا راهنت عليها لم أجدها بالسوط يقال جهدت الدابة وأجهدتها إذا طلبت أقصى ما عندها من السير واراد بالناقة نعله كما قال في موضع آخر، وحبيت من خوصِ الركاب بأسودٍ، من دارشٍ فغدوت أمشي راكبا، فجعل خفه كالمركوب وهذا المعنى من قول أبي نواس، إليك أبا العباس من بين من مشى، عليها أمتطينا الحضرمي الملسنا، قلائص لم تعرف حنينا على طلًا، ولم تدر ما قرعُ الفنيقِ ولا الهنا، ومثله قول الاخر، رواحلنا ستٌّ ونحن ثلاثةٌ، نجنبهن الماءَ في كل منهلِ لانه لا يخاض الماء بالنعل ومثل هذا ما قيل في بيت عنترة، فيكون مركبك القعود ورحلهُ، وابن النعامة يوم ذلك مركبي، وقيل ابن النعامة عروق في باطن القدم ومعناه أنه راكب أخمصه.
شراكها كورها ومشفرها ... زمامها والشسوع مقودها
شراكها بمنزلة الكور للناقة وأراد بالمشفر ما يقع على ظهر الرجل في مقدم الشراك فجعل ذلك بمنزلة الزمام للناقة والشسوع السيور التي تكون بين خلال الأصابع جلها بمنزلة المقود للناقة وهو الحبل الذي يقاد به سوى الزمام والزمام يكون في الانف
أشدُّ عصفِ الرياحِ يسبقهُ ... تحتيّ مِنْ خطوبها تأيدها
عصف الرياح شدة هبوبها ومن روى بضم العين فهو جمع عصوف يقال ريح عاصف وعصوف ومعنى تأيدها تأنيها وتلبثها ويقول أهون سير ناقتي يسبق أشد سير الريح وهذا في الحقيقة وصف لشدة عدو المتنبي منتعلًا والتأيد تفعل من الأيد وهو التقوى وليس المعنى على هذا وإنما أراد التفعل من الانئاد بمعنى الرفق والليل فلم يحسن بناء التفعل منه وحقه توؤدها.
في مثل ظهر المجنِ متصلٍ ... بمثلِ بطن المجن قرددها
القردد أرض فيها نجاد ووهاد وظهر المجن ناتىء وبطنه لاطيء فهو كالصعود والحدور وأراد يسبقه تأيدها في مفازةٍ مثل ظهر المجن متصلٍ قرددها بمثل بطن المجن أي أرضها الصلبة متصلةٌ بمفازةٍ أُخرى مثل بطن المجنّ.
1 / 5
مرتمياتٍ بنا إلى ابن عبيد ... الله غيطانها وفدفدها
مرتميات صفة لمحذوفٍ في البيت الذي تقدم على تقدير في مفازة مثل بطن المجنّ مرتميات بنا وجمع لفظ المرتميات حملًا على لفظ الغيطان كما قال، أيا ليلةً خرس الدجاج طويلةً، ببغداد ما كادت عن الصبح تنجلي، والوجه أن يقال خرساء الدجاج ولكنه حمل الخرس على لفظ الدجاج حين كانت جمع دجاجة ويجوز أن يقدر المحذوف على لفظ الجمع فيصبح مرتميات كأنه قال في مغاوزٍ مثل ظهر المجن مرتميات بنا أي هذه المفاوز ترمينا إلى الممدوح بقطعنا أياها بالسير فكأنها تلقينا إليها وارتفع الغيطان والفدفد بالمرتميات كما قلنا في نضيجة فوق خلبها يدها والفدفد الأرض البعيدة الغليظة المرتفعة.
إلى فتًى يصدر الرماح وقد ... أنهلها في القلوب موردها
إلى فتى بدلٌ من قوله إلى ابن عبيد الله وهو الممدوح يقول يصدر رماحه عن الحرب أي يرجعها ويردها وقد سقاها موضع ورودها في قلوب الأعداء دماءهم ويجوز أن يكون المورد بمعنى المصدر فيكون المعنى سقاها في القلوب ورودها أي أنها وردت قلوب الأعداء ومن روى بضم الميم أراد الممدوح أي هو الذي يوردها وهذا هو الأجود ليشاكل لفظ الاصدار.
له أيادٍ إليّ سابقةٌ ... أُعدُّ منها ولا أعددها
يقول له احسان عليّ ونعم سابقة متقدّمة ماضية ويروى سالفةٌ وإلى من صلة معنى الأيادي لا من صلة لفظها لأنه يقال لك عندي يدٌ ولا يقال لك إيّ يدٌ ولكن لما كان معنى الايادي الإحسان وصلها بإلى ويجوز أن يكون من صلة السبق أو السلوف قُدّم عليه وقوله أعد منها قال أبو الفتح أي أنا أحدها قال الجماز، لا تنتفني بعد أن رشتني، فإنني بعض أياديكا، ثم قال يريد أنه قد وهب له نفسه وهذا فاسدٌ لأنه ليس في البيت ما يدل على أنه خلصه من ورطة وأنقذه من بلية أو أعفاه عن قصاصٍ وجب عليه ولكنه يقول أنا غذيّ نعمته وربيب إحسانه فنفسي من جملة نعمه فإنا أعدّ منها ومن روى أعدّ منها كان المعنى أنه يعد بعض أياديه ولا يأتي على جميعها بالعد لكثرتها وهو قوله ولا أعددها وكان هذا من قوله تعالى وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها أي لا تعدوا جميعها من قوله تعالى وأحصى كل شيءٍ عددا
يُعطى فلا مطلهُ يكدرها ... به ولا منه ينكدها
تقدير معنى البيت يعطى فلا مطله بالايادي يكدرها أي أنه لا يمطل إذا وعد الاحسان ولا يمن بما يعطى وينكده أي ينغصه ويقلل خيره وكان يقال المنة تهدم الصنيعة ولهذا مدح الله سبحانه قوما فقال تعالى ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى وقال الشاعر، أفسدتَ المنِّ ما قدمت من حسنٍ، ليس الكريم إذا أعطى بمنانِ،
خير قريشٍ أبا وأمجدها ... أكثرها نائلًا وأجودها
يعني أن أباه أفضل قريش فهو خيرهم أبا لأنه ليس فيهم أحدٌ أبوه أفضل من أبي الممدوح وقريش اسم للقبيلة ولذلك كنى عنها بالتأنيث والنائل العطاء وأجودها يجوز أن يكون مبالغةً من الجود والجود الذي هو المطر والجودة أيضا.
أطعنها بالقناةِ أضربها ... بالسيف جحجاحها مسودها
ذكر القناة والسيف تأكيدا للكلام مع الطعن والضرب كما يقال مشيت برجلي وكلمته بفمي أو لأن الطعن والضرب يستعملان فيما لا يكون بالسيف والرمح كقولهم طعن في السن وضرب في الأرض والجحجاح السيد والمسود الذي قد سوده قومه
أفرسها فارسًا وأطولها ... باعًا ومغوارها وسيدها
أي هو افرسها إذا ركب فرسه وكان فارسا وأكد الكلام بذكر الحال لأن أفرس يكون من الفرس والفراسة وطول الباع مما يمدح به الكرام ويقال فلانٌ طويلُ الباع إذا امتدت يده بالكرم ويقال للئيم ضيق الباع والمغوار الكثير الغارة.
تاج لويِّ بنِ غالبٍ وبه ... سما لها فرعها ومحتدها
لوي بن غالب أبو قريش هو لهم بمنزلة التاج به يتشرفون ويتزينون وبه علا فروعهم وأصولهم أي الأولاد والأباء والمحتد الأصل.
شمسُ ضحاها هلالُ ليلتها ... درُّ تقاصيرها زبرجدها
أي هو فيما بينهم كالشمس في النهار والهلال في الليل والدر والزبرجد في القلادة أي هو أفضلهم وأشهرهم وبه زينتهم وفخرهم والتقاصير جمع تقاصر وقال ابن جنى هو القلادة القصيرة وليس هذا من القصر إنما هو من القصرة وهي أصل العنق والتقصار ما يعلق على القصرة.
1 / 6
يا ليتَ بي ضربةً أُتيح لها ... كما أُتيحت له محمدها
كان هذا العلويّ قد أصابته ضربة على الوجه في بعض الحروب فقال ليت الضربة التي قدر لها محمدها يعني الممدوح كما قدرت الضربة له كانت بي أي ليتني فديته من تلك الضربة فوقعت بي دونه ويجوز أن يكون الممدوح أتاح وجهه للضربة حيث أقبل إلى الحرب وثبت حتى جرح فتمنى المتنبي رتبته في الشجاعة كأنه قال ليتني في رتبتك من الشجاعة والاناحة التقدير يقال اتاح الله له كذا أي قدر وأضاف محمدا إلى الضربة شارةً إلى أنها كسبته الحمدَ فأكثرت حتى صار هو محمد بها.
أثر فيها وفي الحديد وما ... أثرَ في وجههِ مهندها
قصد السيف والضربة إزهاق روحه وإهلاكه وقد ردهما عن قصدهما فهو تأثيره فيهما فقوله وما أثر في وجهه مهندها أي ما شأنه فلا أثر تأثيرا قبيحا لأن الضربة على الوجه شعارُ المقدام والعرب يفتخرون بالضربة في الوجه ألا ترى إلى قول الحصين، ولسنا على الأعقاب تدمي كلومنا، ولكن على أقدامنا تقطر الدما، والطعن والضرب في الظهر عندهم مسبة وفضيحة ولذلك قال جابر بن رالان، ولكنما يخزى أمرءٌ يكلم أسته، فتا قومِهِ إذا الرماحُ هوينا، والتهنيد شحذ الحديد سيف مهند أي مشحوذ.
فاغتبطت إذ رأت تزينها ... بمثلهِ والجراح تحسدها
يقول اغتبطت الضربة لما رأت تزينها بالممدوح حين حصلت على وجهه وحسدتها الجراح لأنها لم تصادف شرف محلّها والاغتباط يكون لازما ومتعديا ومعنى بمثله به والمثل صلةٌ تقول مثلي لا يفعل هذا أي أنا لا أفعله قال الشاعر، يا عاذلي دعني من عذلكما، مثلي لا يقبل من مثلكما، معناه أنا لا أقبل منك ومن هذا قوله تعالى ليس كمثله شيء
وأيقن الناسُ أنَّ زارعها ... بالمكر في قلبه سيحصدها
يشير إلى أن هذه الضربة أتته مماكرةً لا مجاهرةً ومعنى زارعها أن الضارب أودع قلبه من الغم بذرا وحصده إياها أخذه جزاءَ ذلك يقول علم الناس يقينا أن الذي ماكره بهذه الضربة زارعٌ سيحصد ما زرع أي يجازيه الممدوح جزاءَ ما فعل ويجوز أن تعود الكناية في قلبه على الزارع والمعنى سيحصد ما فعل في قلبه وتقديره إن زارعها في قلبه بالمكر أي أنه يجازيه بما فعل ضربةً في قلبه بقتله بها والضربة في القلب لا تخطىء القتل وفي على هذا من صلة الحصد ويجوز أن يكون من صلة المكر والمعنى أن زارعها بالمكر الذي أضمره في قلب نفسه.
أصبح حسادهُ وانفسهمْ ... يحدرها خوفه ويصعدها
الواو في وأنفسهم واو الحال يقول أصبح حساده وحال أنفسهم أن خوفه يهبطهم ويصعدهم أي أقلقهم خوفه حتى أقامهم وأقعدهم وحدرهم وأصعدهم فلا يستقرون خوفا منه وهذا كما قال: أبدى العداةُ بك السرور كأنهم، فرحوا وعندهم المقيم المقعدُ، ويقال حدرت الشيء ضد أصعدته وأحدرته لغةٌ.
تبكى على الأنصل الغمودُ إذا ... أنذرها أنه يجردها
يقول إذا أنذر العمود بتجريد السيوف بكت عليها لما ذكر فيما بعده وهو قول:
لعلمها أنها تصير دمًا ... وأنه في الرقاب يغمدها
أي لعلم الغمود أنه يغمد السيوف في دماء الأعداء حتى تتلطخ بها وتصير كأنها دم لخفاء لونها بلون الدم وأنه يتخذ لها أغمادًا من رقاب الأعداء أي أنها لا تعود إلى الغمود فلذلك تبكي عليها وهذا المعنى منقول من قول عنترة، وما يدري جرية أن نبلي، يكون جفيرها البطل النجيد، ومثل هذا في قول حسان، ونحن إذا ما عصتنا السيوف، جعلنا الجماجم أغمادها، وقول الجماني، منابرهن بطون الأكف، وأغمادهن رؤوس الملوك، ويقول ابن الرومي، كفى من العزِّ أن هزوا مناصلهم، فلم يكن غير هام الصيد أجفانا،
أطلقها فالعدو من جزعٍ ... يذمها والصديق يحمدها
اطلق الأنصل من الغمود فذمها العدو خوفا وجزعا منها وحمدها الصديق لحسن بلائها على العدو.
تنقد النارُ من مضاربها ... وصب ماءِ الرقاب يخمدها
أي أنها تصير إلى الأرض لشدة الضرب فتوري النار ويخمدها ما ينصب من الدماء عليها
إذا أضلَّ الهمامُ مهجته ... يومًا فأطرافهن منشدُها
1 / 7
معنى اضلال الهمام المهجة أن يقتل ولا يدري قاتله أي إنما تطلب مهجته من أطراف سيوفه لانها قواتل الملوك والمنشد موضع الطلب ويروي تنشدها أي أنها تطلب ثأر الملوك ويروى تنشدها والانشاد تعريف الضالة أي أن أطرافهن تعرفها وتقول عندي مهجةٌ فمن صاحبها ويروي فأطرافهن بالنصب وينشدها بالياء يعني الهمام يطلب مهجته في أطرافهن ونصب أطرافهن ينشد مؤخرًا كما تقول زيدا ضربته
قد أجمعت هذه الخليقة لي ... أنك يا ابن النبي أوحدها
يقول اجمعت هذه الخليقة موافقةً لي أنك أوحدهم ويجوز أن يكون على التقديم والتأخير أي أوحدها لي أي أوحدها إحسانًا إليّ وإفضالا عليّ ولا يكون في هذا كثير مدح ويجوز أن يكون المعنى أجمعت فقالت لي والقول يضمر كثيرا في الكلام والاول أوجه
وأنك بالأمس كنتَ محتلما ... شيخ معدٍّ وأنتَ أمردها
يريد أنك بالتشديد فخفف مع المضمر ضرورةً كما قال آخر، فلو أنك في يوم الرخاء سألتني، فراقك لم أبخل وأنتِ صديق، وإنما يحسن التخفيف مع المظهر كقول الشاعر، وصدرٍ مشرقِ النحرِ، كأن ثدييه حقانِ، لان الإضمار يرد الأشياء إلى أصولها ويروى وأنت بالأمس على استئناف الكلام يقول بالأمس كنت في حال احتلامك ومرودتك شيخ معدّ فكيف بك اليوم مع علو السن وهذا في ضمن الكلام وفحوى الخطاب والواو في وأنت أمردها عطف على الحال يقول كنت شيخ معدّ محتلما.
وكم وكم نعمةٍ مجللةٍ ... ربيتها كان منك مولدها
الوجه أنه أراد بكم الخبر عن كثرة ما له من النعم عنده وإن أراد الاستفهام لم يجز في نعمة إلا النصب والمجللة المعظمة ومعنى ربيتها حافزت عليها بأن قرنتها بأمثالها وكان منك ابتداءها أي أنت ابتدأتني بالصنيعة ثم ربيتها ولم تكن واحدةً تنسَى على طول العهد.
وكم وكم حاجةٍ سمحت لها ... أقرب منيّ إليّ موعدها
سمحت بها أي بقضائها فحذف المضاف والمعنى قضيتها لي وكذلك قوله موعدها أي موعد قضائها وهذا اخبارٌ عن قصر الوعد وقربه من الإنجاز ولا شيءَ أقربُ إليك منك وإذا قرب موعد الانجاز صارت الحاجةُ مقضيةً عن قريب.
ومكرماتٍ مشت على قدمِ ال ... بر إلي منزلي ترددها
المكرمة ما يكرم به الإنسان من برّ ولطف واراد بها ههنا ثيابًا أنفذها إليها لقوله أقر جلدي بها ومعنى على قدم البرّ أن حاملها إليه كان من جملة الهدية والبر ويجوز أن يريد مكرمات على أثر بر سابق ومعنى ترددها أي تعيدها إليّ وتكرّرها عليّ ويروي تردُّدها على المصدر
أقرَّ جلدي بها عليّ فلا ... أقدرُ حتّى المماتِ أمجدُها
اقرار الجلد بظهور ما عليه من الخلع واللباس للناظرين فكأنه باكتسائه بها ناطق مقرّ كما قال الناشىء الأكبر، ولو لم يبح بالشكرِ لفظي لخبرت، يميني بما أوليتني وشماليا،
فعد بها لا عدمتها أبدًا ... خيرُ صِلاتِ الكريم أعودها
يقول أعد هذه المكرمات فإن خير ما وصل به الكريم أكثره عودا وقيل له وهو في المكتب ما أحسن هذه الوفرة فقال:
لا تحسن الوفرةُ حتى ترى ... منشورةَ الضفرين يومَ القتال
الناس يروون الشعرة والصحيح رواية من روى لا تحسن الوفرة هي الشعر التام على الرأس والضفر معناه الشدّ ويسمَى ما يشدّ على الرأس من الذوائب الضفائر ومن سماها الضفر فقد سمى بالمصدر يقول إنما يحسن الشعر يوم القتال إذا نشرت ذوائبه ويعني بهذا أنه شجاع صاحب حروب يستحسن شعره إذا انتشر على ظهره يوم القتال وكانوا يفعلون ذلك تهويلا للعدو.
على فتًى معتقلٍ صعدةً ... يعلها من كل وافي السبال
يقال اعتقل الرمح وتنكب القوس وتقلد السيف إذا حمد كلا منها حمل مثلها والصعدة الرمح القصير ومعنى يعلها يسقيها الدم مرةً بعد أخرى من كل رجل تام السبلة وهي ما استرسل من مقدم اللحية يقول إنما يحسن شعري إذا كنت على هذه الحالة.
وقال في صباه وقد مر برجلين قد قتلا جرذا وابرزاه يعجبان الناس من كبره
لقد أصبح الجرذُ المستغيرُ ... أسير المنايا صريع العطب
المستغير الذي يطلب الغارة على ما في البيوت من المطعوم يقول أسرته المنايا وصرعه العطب والهلاك والجرذ جنس من الفأر.
رماهُ الكنانيُّ والعامريُّ ... وتلاهُ للوجه فعل العربْ
1 / 8
يقول رمى الجرذ حتى صاده هذان الرجلان اللذان احدهما من بني كنانة والآخر من بني عامر وصرعاه لوجهه كما تفعل العرب بالقتيل.
كلا الرجلينِ أتلى قتلهُ ... فأيكما غل حر السلب
يقول كلاهما تولى قتله أي اشتركتما في قتله فإيكما انفرج بسلبه وهو ما يسلب من ثياب المقتول وسلاحه وحرّة جيدة وغل أي خان وكل هذا استهزاءٌ بهما وكذلك قوله:
وأيكما كان من خلفِهِ ... فإنّ به عضةً في الذنبْ
وقال أيضا في صباه يهجو القاضي الذهبي
لما نسبت فكنت ابنًا لغير أبِ ... ثمَّ اختبرت فلم ترجع إلى أدبِ
سميت بالذهبي اليوم تسميةً ... مشتقةً من ذهاب العقل لا الذهب
هذا البيت جواب لما في البيت الأول يقول لما لم يعرف لك أبٌ ولم يكن لك أدبٌ تعرف به سميت اليوم بالذهبي أي أن هذه النسبة مستحدثةٌ لك ليست بمورثةٍ واشتقاقها من ذهاب العقل لا من الذهب أي إنما قيل لك الذهبي لذهاب عقلك لا لأنك منسوبِ إلى الذهب.
ملقبٌ بك ما لقبتَ ويك به ... يا أيها اللقبُ الملقى على اللقب
يقول ما لقبت به ملقبٌ بك أي أنت شين لقبك وأنت بنفسك عارٌ له فلقبك ملقًى على لقبٍ أي على عارٍ وخزيٍ ويقال ويلك وويبك ثم يخفف فيقال ويك ومثل هذا الكلام لا يستحسن ولا يستحق التفسير ولا يساوي الشرح ولو طرح أبو الطيب المتنبي شعر صباه من ديوانه كان أولى به وأكثر الناس لم يرو هاتين القطعتين.
وقال أيضا يمدح إنسانا وأراد أن يستكشفه عن مذهبه
كُفّي أراني ويكِ لومكِ ألوما ... هم أقام على فوادٍ أنجما
يقول للعاذلة كفّي واتركي عذلي فقد أراني لومك ابلغ تأثيرا وأشد على هم مقيم على فواد راحل ذاهب مع الحبيب وذلك أن المحزون لا يطيق استماع الملام فهو يقول لومك اوجع في هذه الحالة فكفى ودعي اللوم وقال ابن جنى يقول أراني هذا الهم لومك أياي أحق بأن يلام منى وعلى ما قال الوم مبنى من الملوم وأفعل لا يبني من المفعول إلا شاذا وقال قوم الوم مع المليم وهو الذي استحق اللوم يقول لها اللهم أراني لومك ابلغ في الالامة واستحقاق اللوم وهذا في الشذوذ كما ذكره ابن جنى ويقال انجمت السماء إذا اقلعت عن المطر وانجم المطر أي أمسك ولا يقال أنجم الفواد ولا فواد مندم ولكنّه استعمله في مقابلة أقام على الصد ومعنى أراني عرفني واعلمني.
وخيال جسمٍ لم يخل له الهوى ... لحمًا فيخله السقام ولا دما
نكر لجسمه الخيال ليدل به على دقته ونحوله فإن الخيال اسم لما يتخيل لك لا عن حقيقة وهو عطف على الهم في البيت الأول يقول لم يترك الهوى بجسمي محلا للسقم من لحم ودم فيعمل فيه.
وخفوق قلبٍ لو رأيت لهيبه ... يا جنتي لظننت فيه جهنما
الخفوق والخفقان اضطراب القلب واللهيب ما التهب من النار ويريد بلهيب قلبه ما فيه من حرارة الشوق والوجد وعنى بالجنة الحبيبة يقول لها لو رأيت ما في قلبي من حر الشوق والوجد لظننت أن جهنم في قلبي وانتقل من خطاب العاذلة إلى خطاب الحبيبة والقصة واحدة وإن أراد بالعاذلة الحبيبة لم يكن انتقالا ولكن الحبيبة لا تعذل على الهوى ألا ترى إلى قول البحتري، عذلتنا في عشقها أم عمرو، هل سمعتم بالعاذل المعشوقِ،
وإذا سحابة صد حبٍ أبرقت ... تركت حلاوة كل حبٍ علقما
استعار للصدود سحابا يقول إذا ظهرت مخائل الصدود زالت حلاوة الحب فصارت علقما وهو شجر مر يقال هو شجر الحنظل وأبرقت السحابة أظهرت برقها.
يا وجه داهية الذي لولاك ما ... أكل الضنا جسدي ورض الأعظما
قال ابن جنى داهية اسم التي شبب بها وقال ابن فورجة ليست باسم علمٍ لها ولكن كنى بها عن اسمها على سبيل التضجر لعظيم ما حل به من بلائها أي انها لم تكن إلا داهيةً على والوجه قول ابن جنى لتركك صرفها في البيت ولو لم تكن علما لكان الوجه صرفها يقول لوجه الحبيبة لولاك ما تسلط الهزال على جسدي وما دق عظمي والرض الدق والكسر ورضاض كل شيءٍ دقاقه والمعنى ما ضعفت حتى كأني كسرتْ عظامي
إن كان أغناها السلو فإنني ... أمسيتُ من كبدي ومنها معدما
1 / 9
يقول أن كان السلو أغناها عني فليست تحتاج إلى وصلي فإني قد عدمتها وعدمت كبدي لأن هواها أحرقها فأنا معدم منها ومن الكبد أي أنها سالية عني وأنا فقير إليها وروي ابن جنى مصرما قال وهو كالمعسر والعرب تقول كلا ينجع منه كبد المصرم يقول إذا رآه المصرم وهو الذي لا مال له حزن أن لا يكون له مال فيرعاه فاوجعته كبده.
غصنٌ على نقوى فلاةٍ نابتٌ ... شمسُ النهارِ تقل ليلا مظلما
يصف الحبيبة يقول هي غصن يعني قامتها نابت على رملي فلاة يعني ردفيها والنقا الرمل يثني على نقوين ووجهها شمس النهار تحمل من شعرها ليلا مظلما والاقلال حمل الشيء يقال أقل الشيء إذا حمله.
لم تجمع الأضدادُ في متشابهٍ ... إلا لتجعلني لغرمي مغنما
يعني بالاضداد ما ذكر من دقة قامتها وثقل ردفيها وبياض وجهها وسواد شعرها وهي على تضادها مجموعة متشابهة الحسن يقول لم تجمع هذه الاوصاف المتضادة في شخصٍ تماثل حسنه إلا لتجعلني هذه الاضداد غنما لغرمي أي لما لزمني من عشقها وهواها والمعنى إلا لتستعبدني وترتهن قلبي ويروى لم تجمع الاضداد على اسناد الفعل إلى الحبيبة.
كصفاتِ أوحدنا أبي الفضل التي ... بهرت فانطق واصفيهِ فافحما
شبه الاضداد بصفات الممدوح من كونه مُرًّا على الاعداء حلوا للاولياء وطلقا عند الندى جهما عند اللقاء وما اشبه هذه وبهرت وغلبت بظهورها كالشمس تبهر النجوم يعني أنها غلبت الواصفين فلم يقدروا على وصفها فانطق واصفيه لأنهم راموا وصفه ووصف محاسنه ثم أفحمهم بعجزهم عن ادراكه والمفحم الذي لا يقول الشعر والإفحام ضد الإنطاق ويجوز أن يكون التشبيه في الصفات للجمع أي لجمع صفات الممدوح.
يعطيك مبتدئا فإن أعجلته ... أعطاك معتذرا كمن قد أجرما
التعظم أظهار العظمة وضده التواضع وهو أن يظهر الضعة من نفسه ووضع أبو الطيب التواضع موضع الضعة والخساسة كما وضع التعظم موضع العظمة يقول يرى شرفه وارتفاع رتبته في تواضعه واتضاعها في تكبره والمعنى يرى العظمة في أن يتواضع ويرى الضعة في أن يتعظم أي فليس يتعظم.
نصر الفعال على المطال كأنما ... خال السؤال على النوال محرما
الفعال بفتح الفاء يستعمل في الفعل الجميل والمطال المماطلة وهي المجافعة ولو روى المقال كان أحسن ليكون في مقابلة الفعال يقول نصر فعله على القول وعطاءه على المطل أي يعطى ولا يعد ولا يماطل كأنه ظن أن السؤال حرام على النوال ولا يحوج إلى السؤال بل يسبق بنواله السؤال وهذا مجازٌ وتوسع لن النوال لا يوصف بأنه يحرم عليه شيءٌ ولكنه أراد أن يذكر تباعده عن الانجاء إلى السؤال.
يا ايها الملك المصفى جوهرًا ... من ذات ذي الملكوت أسمى من سما
يريد بالجوهر الاصل والنفس وذت ذي الملكوت هو الله تعالى يقول أيها الملك الذي خلص جهورًا أي اصلا ونفسا من عند الله أي الله تعالى تولى تصفية جوهره لا غيره فهو جوهر مصفى من عند الله تعالى وهذا مدح يوجب الوهم والفاظٌ مستكرهة في مدح البشر وذلك أنه أراد أن يستكشف الممدوح عن مذهبه حتى إذا رضى بهذا فقد علم أنه ردي المذهب وإن أنكر علم أنه حسن الاعتقاد وأسمى من سما من صفات ذي الملكوت وابن جنى يجعله للممدوح لأنه قال هو منادي كأنه قال يا أعلى من علا قال ويجوز أن يكون موضعه رفعا كأنه قال أنت أعلى من علا.
نور تظاهر فيك لاهوتيه ... فتكاد تعلم علم ما لم يعلما
تظاهر وظهر بمعنى ويجوز أن يكون بمعنى تعاون أي أعلن بعضه بعضا ولاهوتيه الهيه وهذه لغة عبرانية يقولون لله تعالى لاهوت وللأنسان ناسوت يقول قد ظهر فيك نور الهي تكاد تعلم به الغيب الذي لايعلمه أحد إلا الله ﷿ وقال ابن جنى نصب لاهوتية على المصدر ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في تظاهر وهذا خطا في الرواية واللفظ لأن النور فظ مذكر ولا تؤنث صفته.
ويهم فيك إذا نطقت فصاحةً ... من كل عضوٍ منك أن يتكلما
أي ويهم ذلك النور الآلهي لظهوره أن يتكلم وينطق من كل عضو من أعضائك بخلاف سائر الناس الذين لا ينطقون إلا من أفواههم جعل ظهوره في كل عضو منه نطقا والمعنى لفصاحتك يفعل النور ذلك فيك.
أنا مبصر وأظن أني نائم ... من كان يحلم بالآله فأحلما
1 / 10
يقول أنا أبصرك وأظن أني أراك في النوم وإنما قال هذا استعظاما لرؤيته كما قال، أحلما نرى أم زمانا جديدًا، وذلك أن الإنسان إذا رأى شيئًا يعجبه وأنكر رؤيته يقول أرى هذا حلما أي أن مثل هذا لا يرى في اليقظة وهذا كما قال الآخر، أبطحاء مكة هذا الذي، أراه عيانا وهذا أنا، استفهم متعجبا مما رأى ثم حقق أنه يراه يقظان لا نائما بباقي البيت والمعنى لايحلم أحد برؤية الله تعالى ولا يراه في النوم أحدق حتى أرى أنا أي كما لا يرى الله تعالى في النوم كذلك لا ترى أنت وهذه مبالغة مذمومة وافراط وتجاوز حد ثم هو غلط في انكار رؤية الله تعالى في النوم فإن الاخبار قد تواتر بذلك ونكر المعبرون حكم تلك الرؤيا في كتبهم وروى أن ملكامن الملوك رأى في نومه أن الله تعالى قد مات وقص رؤياه على المعبرين فلم ينطقوا فيها بشيء استعظاما لما رأى حتى قال من كان أعلمهم تأويل رؤياك أن الحق قد مات في بلدك لظلمك وجورك وذلك أن الله تعالى هو الحق فعلم الملك أنه كما قال فرجع عن ظلمه وتاب.
كبر العيان على حتى إنه ... صار اليقين من العيان توهما
هذا البيت تأكيد لما ذكرنا في البيت الأول يقول عظم على ما أعاينه من الممدوح وحاله حتى شككت فيما رأيت إذ لم أر مثله ولم اسمع به حتى صار المعاين كالمتوهم المظنون الذي لايرى والصحيح رواية من روى إنه بكسر الالف لأن ما بعد حتى جملة وهي لا تعمل في الجمل كما تقول خرج القوم حتى إن زيدا خارج ومن روى أنه بفتح الالف كان خطأَ.
يا من لجود يديه في أمواله ... نقم تعود على اليتامى أنعما
يقول جودك يفرق مالك كأنه ينتقم منه كما ينتقم من العدو باهلاكه وتلك النقم في اموالك نعم على الأيتام لان التفريق فيهم ولو روى على البرايا كان أعم وأشمل لان الايتام مقصور على نوع من الناس.
حتى يقول الناس ماذا عاقلًا ... ويقول بيت المال ماذا مسلما
يقول يفرط في جوده حتى ينسبه الناس إلى الجنون ويقول بيت المال ليس هذا مسلما لأنه فرق بيوت أموال المسلمين ولم يدع فيها شيئًا ومثله قول ابي نواس، جدت بالأموال حتى، قيل ما هذا صحيح، وقال ايضا، جاد بالأموال حتى، حسبوه الناس حمقًا، وقول الطائي، ما زال يهذي بالمكارم والندى، حتى ظننا أنه محموم، وهذا معنى باردٌ وقد زاده الطائي فسادا واصل هذا المعنى من قول عبيد بن أيوب العنبري، ما كان يعطي مثلها في مثله، إلا كريم الخيم أو المجنون.
إذكار مثلك ترك إذكاري له ... إذ لا تريد لما أريد مترجما
يقال انكرته كذا بمنزلة ذكرته والمترجم المعبر عن الشيء مثل الترجمان يقول إذا تركت انكاري لك حاجتي فهو انكار مثلك لأنك تعلم ما أريد فلا تحتاج إلى من يترجم لك عما في ضميري والمعنى من قول أبي تمام، وإذا الجود كان عوني على المرء تقاضيته بترك التقاضي وقال أيضا في صباه.
محبي قيام ما لذالكم النصل ... بريا من الجرحى سليمًا من القتل
قال ابن جنى معناه يا من يحب مقامي وترك الاسفار كيف اقيم ولم أجرح بنصلي اعدائي والقيام على ما قال الوقوف وترك الحركة من قولهم قامت الدابة إذا وقفت وقام الماء وجمع الكناية في ذلكم لأنه خاطب الجماعة والصحيح أن القيام هنا قيام إلى الشيء أو بالشيء يقول أيها المحبون قيامي إلى الحرب أو بالحرب ما لنصلكم لا يقتل ولايجرح وليس فيه آثار الضرب أي لم لا تعينونني بالسيف إن أحببتم قيامي.
أرى من فرندى قطعةً في فرنده ... وجودة ضرب الهام في جودة الصقل
الفِرند يروى بفتح الراء وكسرها وهو معرب ومعناه ما يستدل به على جودة الحديد كالآثار والنقط يقول أرى من قوتي ونشاطي قطعة في فرند هذا السيف أي له حدةٌ ومضاءٌ كحدتي ومضائي ثم قال وجودة الضرب في جودة الصقل أي إذا لم يكن السيف جيد الصقل لم يجد به الضرب ومن نصب جودة فمعناه أرى جودة الضرب في جودة صقل السيف أي قد أجيد صقله ليجود به الضرب.
وخضرةُ ثوبِ العيش في الخضرةِ التي ... أرتك أحمرار الموت في مدرج النمل
1 / 11
خضرة ثوب العيش استعارة من خضرة النبات والنبات إذا كان أخضر كان رطبا ناعما وقوله في الخضرة يعني خضرة السيف ويحمد من السيف ما كان مشربا خضرةً كما قال الشاعر، مهند كأنما طباعه، أشربه بالهند ماءَ الهندبا، وقال البحتري، حملت حمائله القديمة بقلة، من عهد عادٍ غضةً لم تذبل، وأحمرار الموت شدته يقال موت أحمر أي شديد واصله من القتل وسيلان الدم وقال على رضى الله عنه كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله ﷺ أي إذا اشتد ومنه حمارة القيظ ومدرج النمل مدبه وهو حيث درج فيه بقوائمه فاثر فيه آثارا دقيقة جعل للنصر مدرج النمل لما فيه من آثار الفرند يقول طيب العيش في السيف أي في استعماله والضرب به.
أمط عنك تشبيهي بما وكأنه ... فما أحدٌ فوقي وما أحدٌ مثلي
الإماطة الدفع والتنحية وحكى ابن جنى عن أبي الطيب أنه كان يقول في تفسير بما وكأنه أن ما سبب للتشبيه لأن القائل إذا قال لآخر بم تشبه هذا قال له المجيب كأنه الأسد أو كأنه الأرقم فجاء المتنبي بحرف التشبيه وهو كأن وبلفظ ما التي كانت سؤالا فأجيب عنها بكأن فذكر السبب والمسبب جميعا وسمعت أبا افضل العروضي يقول ما وإن لم يكن للتشبيه فإنه يقال ما هو إلا الأسد فيكون أبلغ من قولهم كأنه الأسدُ يقول المتنبي لا تقل لي ما هو إلا كذا أو كأنه كذا لنه ليس فوقي أحد ولا مثلي أحد فتشبهني به وهذا قول القاضي أبي الحسن عليّ بن عبيد العزيز حكاه من ابي الطيب فيقول ما يأتي لتحقيق التشبيه تقول ما عبد الله إلا الأسد كما قال لبيد، وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يعود رمادًا بعد إذ هو ساطع، وليس ينكر أن ينسب التشبيه إلى ما إذا كان له هذا الأثر وقال ابن فورجة هذه ما التي تصحب كانما إذا قلت كأنما زيد الاسد ألا تراها صارت بكثرة الاستعمال مع كان كالمتحدة وكان الاستاذ أبو بكر يقول ما ههنا اسم بمعنى الذي ومعناه أن يقال لم يشبه بالبحر كأنه ما هو نصف الدنيا يعنون البحر لأن الدنيا برٌ وبحرٌ ويقولون كأنه ما هو سراج الدنيا يعنون الشمس والقمر كأنه ما أبصر بها وهي العين فلما كانوا يكثرون لفظ ما في المشبه به ذكره المتنبي مع كأن أيضا.
فذرني وإياه وطرفي وذابلي ... نكن واحدًا يلقى الورى وأنظرن فعلي
وإياه يعني النصل والطرف الفرس الكريم والذابل ما لان واهتز من الرماح يقول دعني وهذا السيف وفرسي ورمحي حتّى نجتمع فنكون في رأي العين شخصا واحدًا يلقى الورى أي نحاربهم فانظر بعد ذلك إلى ما أفعله من قتل الاعداء وإذا قلت يلقى بالياء كان من صفة النكرة ويكون بالرفع وإذا قلت بالنون قلت نلق بالجزم لأنه بدل من نكون قال ابن جنى وقد لاذ في هذا البيت بلفظ ذي الرمّة ومعناه في قوله، وليلٍ كجلبابِ العروسٍ أدرعته، بأربعةٍ والشخص في العين واحدُ، أحمُّ علافيٌّ وأبيضُ صارمٌ، وأعيس مهريٌّ وأروع ماجدُ وقال في صباه أيضا:
إلى أيِّ حينٍ أنتَ في زيِّ مُحرمِ ... وحتى مت في شقوةٍ وإلى كمِ
زي المحرم العري لأنه لا يلبس المخيط يقول إلى متى أنت عريان شقيّ بالفقر وكم معناه الاستفهام عن العدد إلى أي عدد من أعداد الزمان من السنين والشهور والأيام ويجوز أن يريد أن المرحم لا يصيب شيئًا ولا يقتل صيدًا فهو يقول حتى متى أنا كالمحرم من قتل الأعداء وهو الوجه.
وإلا تمت تحت السيوف مكرما ... تمت وتقاسي الذل غير مكرمِ
هذا حث منه على الحرب وطلب العز يقول إن لم تقتل في الحرب كريمًا مت غير كريم في الذل ولاهوان أي فلأن تصبر على شدة الحرب خيرٌ من أن تهرب ثم لا تنجو من الموت في الذلّ.
وثب واثقًا باللهِ وثبةَ ماجدٍ ... يرى الموت في الهيجا جنى النحلِ في الفمِ
جنى النحل ما يجتني من خلاياها من العسل يقول بادر إلى الحرب بدار شريفٍ يستحلي الموت كما يستحلي العسل.
وقال في صباه في الشامية يمدح سعيد بن عبد الله بن الحسين الكلابي
أحيي وأيسرُ ما قاسيتُ ما قتلا ... والبينُ جارَ على ضعفي وما عَدَلا
أخبر عن نفسه بالحياة مع أن أقل ما يقاسيه من شدائد الهوى قاتلٌ يقول أقل واهون ما قاسيت قاتلٌ وأنا من ذلك أحيا والفراق جار على ضعفي حين فرق بين وبين احبتي وكنت ضعيفا بمقاساة الهوى ولم يعدل حين ابتلاني ببعدهم.
1 / 12
والوجد يقوى كما تقوى النوى أبدا ... والصبر ينحلُ في جسمي كما نحلا
يقول الحزن يزداد قوة كما يزداد البعد كل يوم والصبر يضعف ويقل كما يضعف الجسم.
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت ... لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
يقول لولا الفراق لما كان للمنية طريق إلى ارواحنا أي إنما توصلت إلينا بطريق الفراق وهذا من قول أبي تمام، لو حار مرتادُ المنيةِ لم يجد، إلا الفراق على النفوس دليلا،
بما بجفنيك من سحرٍ صلى دنفًا ... يهوى الحياة وأما إن صددت فلا
الدنف والدنف المريض المدنف يقول أقسم عليك بما بجفنيك من سحر صلى مريضا يحب الحياة في وصالك فإن هجرت وأعرضت فليس يحب الحياة وعنى بسحر جفنيها أنها بنظرها تصيد القلوب وتغلب عقول الرجال حتى كأنها سحرتهم وقوله يهوى الحياة ويجوز بغير ياء على الجواب للأمر ويجوز بالياء على نعت النكرة والمعنى من قول دعبل، ما أطيبَ العيشَ فأما على، أن لا أرى وجهكِ يومًا فلا، لو أن يوما منكِ أو ساعةً، تباعُ بالدنيا إذن ما غلا،
إلا يشب فلقد شابت له كبدٌ ... شيبًا إذا خضبتهُ سلوةٌ نصلا
يقول إن لا يشب هذا الدنف يعني نفسه لأنه شابّ فلقد شابت كبده لشدة ما يقاسي من حرارة الوجد والشوق فإن خضبت السلوة ذلك الشيب ذهب ذلك الخضاب ولم يبق لان سلوته لا تبقى ولا تدوم فإذا زال السلوة زال خضاب كبده وعاد الشيب وهذا من قول أبي تمام، شاب رأسي وما رأيتُ مشيبَ الرأس إلا من فضل شيبِ الفؤادِ، وهذا مما استقبح من استعارته والمتنبي نقل شيب الفؤاد إلى الكبد.
يجن شوقًا فلولا أن رائحة ... تزوره في رياحِ الشرقِ ما عقلا
يقول هذا الدنف يصير مجنونا من شدّة شوقه فلولا أنه يجد رائحة من حبيبة إذا هبت الرياح من ناحية المشرق لما كان له عقل ولكن يخف جنونه إذا وجد رائحة حبيبه.
ها فأنظري أو فظني بي ترى حرقا ... من لم يذق طرفًا منها فقد وألا
ها تنبيه ويجوز أن يكون اشارة يقول ها أنا ذا فانظري إليّ أو فكري في أن لم تنظري فظني بي أي فاستعملي فيّ الرؤية أو الرويّة ترى بي حرقا من حبك من لم يجرب القليل منها فقد نجا من بلاء الحب يقال وأل يئل وألا إذا نجا والنصف الآخر من البيت وصفٌ لما ذكر من الحرق وقد أجمل المتنبي ما فصّله البحتري في بيتين من قوله، أعيدي في نظرة مستثيبٍ، توخي الأجر أو كره الأثاما، ترَى كبدًا محرقة وعينا، مؤرقةً وقلبا مستهاما،
علَّ الأمير يرى ذُلَي فيشفع لي ... إلى التي تركتني في الهوى مثلا
علّ بمعنى لعلّ ويشفع بالرفع عطف على يرى وبالنصب على جواب التمني يقول لعل الممدوح يرى ما أنا فيه من ذل الهوى فيكون شفيعا لي إلى الحبيبة التي جعلتني يضرب بي المثل في العشق لتواصلني بشفاعته والمعنى من قول أبي نواس، سأشكو إلى الفضل بن يحيى بن خالدٍ، هواها لعل الفضل يجمع بيننا، وهذا احسن من قول المتنبي لأن الجمع بينهما يمكن بأن يعطيه من المال ما يتوصل به إلى محبوبته والشفاعة تكون باللسان وذلك نوع من القيادة على أني سمعت العروضي يقول سمعت الشعراني يقول لم اسمع المتنبي ينشده إلا فيشفعني من قولهم كان وترًا فشفعته بآخر وإلى آخر أي صيرته شفعًا فيكون كما قال أبو نواس.
أيقنتُ أنَّ سعيدًا طالبٌ بدمي ... لما بصرتُ به بالرمحِ معتقلا
يقول علمت يقينا أنا الممدوح يطلب بدمي إن سفكته الحبيبة ويأخذ منها ثأري لما رأيته قد حمل رمحه معتقلا عند توجهه إلى قتال الاعداء يعني أنه يدرك ثأر أوليائه ولا يضيعه والاعتقال أن يحمل الرمح بين ساقه وركابه وهذا من قول المؤمل بن أميل، لما رمت مهجتي قالت لجارتها، لقد قتلتُ قتيلا ما له خطر، قتلتُ شاعر هذا الحي من مضرٍ، واللهِ واللهِ ما ترضى به مضر،
وأنني غير محصٍ فضل والدهِ ... ونائلٌ دون نيلي وصفهُ زحلا
ويروي فضل نائله وهو العطاء يقول علمت يقينا أني لا أقدر على عدّ عطائه لكثرته وإني أنال وادرك زحل قيل أن اقدر على وصف عطائه أو وصف فضل والده وإنما خص زحل من النجوم لأنه أبعد الكواكب السيارة من الأرض فيما يقال ولذلك سُمّي زحل لأنه زحل أي بعُد وتنحّى وهو معدول عن زاحل مثل عُمَرَ من عامر.
قيلٌ بمنبجَ مثواهُ ونائلهُ ... في الأفق يسأل عمن غيره سألا
1 / 13
القيل الملك بلغة حمير ومنبج بلدة بالشام والمثوى المنزل والمقام يقول هو مقيم بهذا البلد وعطاؤه يطوف في الآفاق يسأل عمن يسأل غيره من الناس والمعنى أن عطاءه يأتي من لم يسأله ويسأل غيره وهذا من قول أبي العتاهية، وإن نحن لم نبغ معروفهُ، فمعروفه أبدًا يبتغينا، وقال الطائي، فأضحت عطاياه نوازع شردًا، تسائلُ في الآفاق عن كل سائلِ، وقوله ايضا، وفدت إلى الآفاق من معروفِهِ، نعمٌ تسائلُ عن ذوي الإقتارِ، وقوله أيضا، فإن لم يفد يوما اليهن طالبٌ، وفدن إلى كل أمرءِ غير وافدٍ، وأخذ السريّ هذا المعنى فقال، بعثَ الندى في الخافقين مسائلًا عن كل سائلْ،
يلوح بدرُ الدُجى في صحن غرتِهِ ... ويحمل الموتُ في الهيجاء إن حملا
يقول وجهه يضيء كالبدر في ظلام الليل إذا صال على أعدائه ليقاتلهم فإن الموت يصول معه عليهم فيقتلهم.
ترابهُ في كلابٍ كحلُ أعينها ... وسيفهُ في جنابٍ يسبقُ العذلا
أي أن كلابا وهم قبيلة الممدوح لحبهم إياه يكتحلون بترابه الذي مشى عليه وسيفه في جناب وهم قبيلة عدوه يسبق العذل أي ملامة من يلومه في قتلهم وهذا مثلٌ يقال سبق السيفُ العذل قاله رجل قتل في الحرم فعذل على ذلك فقال سبق سيفي عذلكم أياي أي لا ينفع اللوم بعد القتل وروى ههنا بيت منحول وليس في الروايات وهو.
مهذّ! بُ الجدِّ يستسقي الغمام به ... حلوٌ كأن على أخلاقِهِ عسلا
يقول هو طيب الأصل لأن جدّه كان مبرأ من العيوب وهو مباركٌ يستنزل به القطر من الغمام فيسقي الله به وهو عذب الاخلاق يستحلي خلقه كأنه معسولٌ ممزوجق بالعسل.
لنورهِ في سماءِ الفخرِ مخترقٌ ... لو صاعدَ الفكر فيه الدهر ما نزلا
الفكر بالفتح مصدر وبالكسر اسم واستعار للفخر سماءً لعلوّ الفخر وارتفاعه يقول له نورٌ يصعد في سماء الفخر لو صعد فكر واصفه في ذلك السماء طول الدهر ما نزلا لأنه يبقى يرقى على أثر ذلك النور فلا يلحقه والمخترق موضع الاختراق ويريد به المصعد في الهواء كأنه يشقّ الهواء شقا ويريد بالنور ما اشتهر وسار في الناس من ذكره وصيتهِ أي أنه عالٍ علوا لا يدرك بالوهم والفكر.
هو الأميرُ الذي بادت تميم به ... قدما وساق إليها حينها الأجلا
بادت هلكت وفنيت ولم يصرف تميما لأنه ذهب به إلى أسم القبيلة فاجتماع فيه التعريف والتأنيث يقول هو الذي كان سبب هلاكهم وعلى يده كان ذلك وساق إليه حينها آجالهم هذا وجه الكلام لأن الأجل يسوق الحين ولكنه قلب فجعل الحين يسوق الأجل وهو جائزٌ لقرب أحدهم من الآخر لأن الأجل إذا تم وانقضى حصل الحين فكان كل واحد منهما سائق للآخر وقدما معناه قديما وهو نصبٌ لأنه نعت ظرف محذوف على تقدير بادت به زمانا قديما.
لما رأته وخيل النصر مقبلةٌ ... والحربُ غير عوانِ أسلموا الحللا
الحرب العوان التي قوتل فيها المرة بعد المرة والحلل جمع الحلة وهي المنازل التي حلوها يقول لما رأت تميم الممدوح وخيله المنصورة قد أقبلت عليهم ولم يقاتلوا بعدُ تركوا منازلهم وهربوا في أول الأمر.
وضاقت الأرضُ حتى كان هاربهم ... إذا رأى غير شيءٍ ظنه رجلا
1 / 14
يقول لشدة ما لحقهم من الخوف ضاقت عليهم الأرض فلم يجدوا مهربا كقوله تعالى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وهاربهم إذا رأى غير شيءٍ يعبأُ به أو يفكر في مثله ظنه إنسانا يطلبه وكذا عادة الهارب الخائف كقول جرير، ما زلت تحسبُ كل شيءٍ بعدهمْ، خيلًا تكثر عليهم ورجالًا، قال أبو عبيدة لما أنشد الأخطل قول جرير فيه هذا قال سرقه والله من كتاب الله تعالى يحسبون كل صيحةٍ عليهم الآية ويجوز حذف الصفة وترك الموصوف دالا عليها كما روى في الحديث لا صلوة لجارِ المسجد إلا في المسجد أجمعوا على أن المعنى لا صلاة فاضلةٌ كاملةٌ ويقولون هذا ليس بشيءٍ معناه ليس بشيءٍ جيدٍ أو ليس بشيءٍ يعبأُ به وقال بعض المتكلمين إن الله خلق الأشياء من لا شيءِ فقيل هذا خطأ لأن لا شيئا لا يخلق منه شيءٌ ومن قال أن الله تعالى يخلق من لا شيءٍ جعل لا شيءَ شيئًا يخلقُ منه والصحيح أن يقال يخلق لا من شيء لأنه إذا قال لا من شيءٍ نفى أن يكون قبل خلقه شيءٌ يخلق منه الأشياء وكان الأستاذ أبو بكر يقول رأى في هذا البيت من رأى القلب لا من رأى العين يريد به التوهم وغير الشيء يجوز أن يتوهم ولا يجوز أن يرى ومثل هذا في المعنى قول العوام بن عبد بن عمرو، ولو أنها عصفورةٌ لحسبتها، مسومةً تدعو عبيدًا وأزنما،
فبعده وإلى ذا اليوم لو ركضت ... بالخيل في لهواتِ الطفلِ ما سعلا
أي بعد الأمير أو بعد اليوم الذي بادت فيه أو بعد اسلامهم الحلل إلى اليوم الذي نحن فيه لو ركضت بنو تميم خيلهم في لهوات صبيّ صغير لما شعر بهم حتى يسعل لقلتهم وذلتهم وقد بالغ رحمه الله تعالى حتى احال.
فقد تركتَ الأولى لاقيتهم جزرًا ... وقد قتلتَ الأولى لم تلقهم وجلًا
الأولى بمعنى الذين والجزر ما ألقى للسباع ومنه قول عنترة، فتركته جزر السباعِ ينشنه، ويقال ما كانوا إلا جزرا لسيوفنا أي الذين نقتلهم نلقيهم للسباع يقول الذين قاتلتهم القيتم للسباع والذين لم تقاتلهم قتلتهم بالخوف منك.
كم مهمةٍ قذفٍ قلب الدليلِ به ... قلبُ المحب قضاني بعد ما مطلا
المهمة ما اتسع من الأرض والقذف البعيد جعل قلبَ من يدلهم على الطريق في هذا المهمة قلب العاشق لاضطرابه وخوفه من الهلاك وقوله قضاني بعد ما مطلا أي قطعته بعد ما طال فيه السير وهذا استعارةٌ لأن المهمة كالمطلوب منه انقطاعه بالمسير فيه وهو بطوله وتأخر انقطاعه كالماطل بما يقتضي منه.
عقدت بالنجم طرفي في مفاوزه ... وحر وجهي بحرِ الشمس إذا أفلا
يقول كنت أنظر إلى النجوم متصلا مخافة الضلال يعني بالليل وإلى الشمس أي بالنهار إذا أفل النجم ولدوام نظره إلى النجم جعل ذلك عقدا للطرف به حتى لا يصرف عنه بصره وحرّ الوجه الوجنة واشرف موضع في الوجه وإنما يهتدي في الفلاة إلى الطريق ليلًا بالنجم ونهارًا بالشمس.
أنكحتُ صمَّ حصاها خف يعملةٍ ... تغشمرت بي إليك السهلَ والجبلا
الصم الصلاب الشداد من كل شيء واليعملة الناقة القوية لأنها تعمل السير وتغشمرت تعسفت وركصت على غير قصدٍ يقول اوطأت خف ناقتي حجارةَ المفاوز حتى وطئتها وسارت بي إليك في السهل والجبل على غير الطريق.
لو كنتَ حشوَ قميصي فوقَ نمرقها ... سمعتَ للجن في غيطانها زجلا
حشو الشيء ما في باطنه والنمرق وسادة يعتمد عليها الراكب والغيطان جمع الغائط وهو المطمئن من الأرض والزجل الصياح والجلبة يقول لو كنت بدلي في قميصي فوق نمرق ناقتي سمعت أصوات الجن من منخفضات هذه المفاوز أي أنها مساكن الجن لبعدها من الإنس والعرب إذا وصفت المكان بالبعد جعلته مساكن الجن كما قال الأخطل، ملاعبُ جنانٍ كأن ترابها، إذا أطردت فيها الرياح مغربلُ، وبيت المتنبي من قول ذي الرمّة، للجنب بالليل في حافاتها زجلٌ، كما تجاوب يوم الريح عيشوم،
حتى وصلتُ بنفسٍ مات أكثرها ... وليتني عشت منها بالذي فضلا
مات أكثرها ذهب أكثر لحمها وقوتها لما قاست من هول الطريق وشدته ثم تمنى أنه يعيش بما بقي من نفسه ليقضي حق خدمة الممدوح.
أرجوا نداك ولا أخشى المطالَ به ... يا من إذا وهبَ الدنيا فقد بخلا
1 / 15
يقول لو وهبت الدنيا بأسرها كنت بخيلا لأن همتك في الجود توجب فوق ذلك والدنيا كلها لو كانت هبةً لك كانت حقيرةً بالإضافة إلى همتك وهذا كقول حسان، يعطى الجزيل ولا يراه عنده، إلا كبعض عطيةِ المذمومِ.
وقال أيضا في صباه
كم قتيلِ كما قتلتُ شهيدِ ... ببياض الطلا ووردِ الخدودِ
يقول كم قتيل مثلي شهيد ببياض الاعناق وحمرة الخدود أي كان سبب قتله حب الاعناق البيض والخدود الحمر وجعل قتيل الحب شهيدًا لما روى في الحديث أن من عشق فعفّ وكفّ وكتم فمات مات شهيدًا ويروي لبياض الطلا على معنى كم قتيل له.
وعيون المها ولا كعيونٍ ... فتكت بالمتيم المعمودِ
المها جمع مهاة وهي بقرة الوحش وتشبه عيون النساء بعيونها في حسنها وسعتها وفتكت قتلت بغتةً والمتيم الذي قد استبعده الحب والمعمود الذي قد هدّه الحب وكسره يقال عمده الحب يعمده يقول كم قتيلٍ قُتل بعيون أحبائه التي هي كعيون المها وليست تلك العيون التي هي قتلته كالعيون التي قتلتني وفتكت بي وعني بالمتيم المعمود نفسه.
دَرَّ دَرُّ الصبي أَأَيامَ تجري ... رِ ذُيولي بِدارِ الاثلة عودي
يقال لمن دعي له درّ درُّه أي كثر خيره ولا درّ درُّه لمن دُعي والدر اللبن الذي يجعل مثلا للخير لأن خصب العرب وسعة عيشهم فيه وهذا دعاءٌ للصبي وقال ابن جنى در درّه أي اتصل ما يعهد منه وهذا قولٌ فاسدٌ ليس بشيءٍ ثم خاطب أيام فقال أَأَيّام تجرير ذيولي أي يا أيام لهوى وجرُّ الذيول كنايةٌ عن النشاط واللهو لأن النشوان والنشيط يحمرّ ذيوله ولا يرفعها ودار الاثلة موضع بظهر الكوفة وعلى هذه الرواية تحذف الهمزة وتنقل حركتها إلى الساكن قبلها ومن روى بغير الألف واللام فهي كالأولى إلا أنها لم تعرف والأثلة شجرةٌ من جنس الطرفاء بتمنّى عود تلك الأيام.
عمرك اللهَ هل رأيت بدوار ... طلعت في براقعٍ وعقودِ
أي أسأل الله تعالى عمرك أي أن يعمرك يخاطب صاحبه هل رأيت بدورا تلبس البراقع والحلى يعني نساءً جعلهنَ بدورا في الحسن ويروي بدورا قبلها أي قبل تلك الأيام التي كنّا بدار الأثلة.
رامياتٍ بأسهمٍ ريشها الهد ... بُ تَشقُّ القلوبَ قبل الجلود
يريد بالاسهم لحظاتهن ولمّا سمّاها اسهما جعل الاهداب ريشا لأن بالريش تقوى السهام كذلك لحظاتهن إنما تنفذ إلى القلوب بحسن اشفارهن وأهدابهن أي أنّها تصل إلى القلوب قبل أن تصل إلى الجلود وهذا من قول كثير، رمتني بسهمٍ ريشهُ اللحل لم يصب، ظواهر جلدي وهو في القلب جارح، ومثله قول جميل، بأوشك قتلًا منك يوم رميتني، نوافذَ لم يعلمْ لهن خروقُ.
يرتشفن من فمي رشفاتٍ ... هن فيه أحلى من التوحيدِ
ويروى أحلى من التأييد يقال رشفت الريق وترشفته إذا مصصته يقول كن يمصصن ريقي لحبهن أياي كانت تلك الرشفات أحلى في فمي من كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله وهذا افراطٌ وتجاوز حدٍّ.
كال خمصانةٍ أرقُّ من الخم ... رِ بقلبٍ أقسى من الجلمود
الخمصانة الضامرة البطن وعنى برقتها نعومتها وصفاء لونها وقوله بقلب أي مع قلب أصلب من الحجر يقول اجسامهن ناعمة وقلوبهن قاسية.
ذات فرعٍ كأنما ضرِب العن ... برُ فيه ماءِ وردٍ وعودِ
الفرع شعر الرأس يريد أن شعرها طيب الرائحة فكأنه خلط بهذه الأنواع من الطيب ويقال أن العود إنما تفوح رائحته عند الإحتراق ولا تطيب الشعر إذا خلط بالعود قيل أراد ضرب العنبر فيه بماء الورد ودخن بعود وحذف الفعل الثاني كقوله، علفتها تبنا وماءً باردًا، وكقول الآخر، ورأيتُ بعلك في الوغى، متقلدًا سيفًا ورمحا، ومثله كثير.
حالكٍ كالغدافِ جثلٍ دجوج ... يٍّ أثيثٍ جعدٍ بلا تجعيدِ
الحالك الشديد السواد والغداف الغراب الأسود والجثل الكثير النبات ويقال جثل بين الجثولة ومثله الأثيث والدجوجي كالحالك وليس من لفظ الدجى لأنه مضاعف يقول هو جعد من غير ان جعد.
تحملُ المِسكُ من غدائرها الري ... حُ وتفتر عن شتيتٍ برودِ
الغدائر جمع غديرة وهي الذؤابة وتفتر تضحك وتكشف بابتسامها عن ثغر شتيت أي متفرق على استواء نبته كما قال الأعشى، وشتيتٍ كالأقحوان جلاه الطلُّ فيه عذوبةٌ واتساقُ، والبرود البارد الريق ومن روى غدائره أراد غدائر الفرع.
1 / 16
جمعتْ بين جِسمِ أحمدَ والسق ... مِ وبين الجفونِ والتسهيد
هذه مهجتي لديك لحيني ... فانقصى من عذابها أو فريدي
سلم لها الأمر وقال لها بيدك روحي وإنما ذلك لهلاكي فإن شئت فانقصي من عذابها بالوصل وأن سئت زيديها عذابا بالهجر والمهجة دم القلب ويوضع موضع الروح لأن النفس لا ترقى دونها.
أهلُ ما بي من الضني بطلٌ صي ... دَ بتصفيفِ طرةٍ وبجيد
أهل ابتداءٌ وبطل خبره والبطل الشجاع الذي يبطل عنده دماء الأقران والطرة شعر الجبهة وتصفيفها تسويتها من الصف وهذا البيت علة لِما ذكره في البيت الذي قبله يقول افعلي بي ما شئت فإن أهل لذلك ومستحقّ له لأن الرجل الشجاع إذا صادته المرأة بتصفيف شعرها وحسن عنقها فهو أهل لما حلَّ به من ذلك ويحتمل أنه إنما قال هذا المتشفي من نفسه بهذا الكلام والعذل لها على العشق يقول أنا أهل لِما بي من الضني لأني بطل صيد بِما ذكر وقال ابن جنى أي أنا أهل ذلك وحقيق بذلك لحسن ما رأيت وأنا بطلٌ صيد بتصفيف طرة وبجيد هذا كلامه وهو على بعده محتمل.
كلُّ شيءٍ من الدمآءِ حرامٌ ... شربهُ ما خلا دمَ العنقودِ
يريد بدم العنقود الخمر لأنها تخلّب منه كما يسيل الدم من المقتول وليس الأمر على ما قال فإن شرب الخمر لا يحل إلا أن يريد بدم العنقود العصير أو ما لا يسكر من المطبوخ.
فاسقنيها فدىً لعينيك نفسي ... من غزالٍ وطارفي وتليدي
أنت الكناية لأنه أراد بالدم الخمر والطارف والمطرفِ والطريف والمستطرف كله ما استحدث من الأموال والتليد والتالد والتلاد والمتلد ما كان دقيما عند صاحبه وقوله من غزال تخصيصٌ له بالفداء من جملة الغزلان ومثله افديك من رجل.
شيبُ رأسي وذلتي ونحولي ... ودموعي على هواك شهودي
أي يومٍ سررتني بوِصالٍ ... لم ترعني ثلاثةً بصدودِ
الصحيح رواية من روى هواك بفتح الكاف لأن الخطاب للمذكر في قوله فاسقنيها يريد في أي يوم نصبه على الظرف يقول لم تصلني يوما إلا واعرضت عني ثلاثةَ أيامٍ
ما مقامي بدارِ نخلة إلا ... كمقامِ المسيحِ بين اليهودِ
نخلة قورية لبني كلب على ثلاثة أميال عن بعلبك من أرض الشام والمقام بمعنى الاقامة يقول ليست اقامتي ببلدهم إلا كإقامة عيسى ﵇ بين اليهود أي أن أهل هذه القرية أعداءٌ لي كما كانت اليهود أعداءً لعيسى وبهذا البيت لقب بالمتنبي لتشبيه نفسه بعيسى ﵇ في هذا البيت وبصالح فيما بعده.
مفرشي صهوةُ الحسانِ ولك ... نَّ قميصي مسرودةٌ من حديدِ
المفرش موضع الفراش والصهوة مقعد الفارس من ظهر الفرس والحصان الفرس الفحل والمسرودة المنسوجة من الحديد وهي الدرع يقول أنا شجاع مكاني ظهر الفرس وملبوسي الدرع وقال ابن جنى أي أنا أبدا بهذه القرية على هذه الحالة تيقظا وتأهبا
لأمةٌ فاضةٌ أضاة دلاصٌ ... أحكمتْ نسجها يدا داؤدِ
لأمةٌ ملتئمة الصنعة فاضة سابقة يقال درع فاضة وفيوض ومفاضة وهي التي تفيض على بدن لابسها فتعمهُ والاضاة التي تشبه بالغدير لبياضها وصفائها والدلاص البراقة.
أين فضلي إذا قنعت من الده ... رِ بعيشٍ معجل التنكيدِ
يقول إذا قنعت بعيش قليل قد عجل لي نكده وأخر عني خيره فإين فضلي أي مكان فضلي قد خفى فليس يرى
ضاق صدري وطال في طلبِ الرِز ... قِ قيامي وقل عنه قعودي
يقول ضقت صدرا لكثرة ما قمت في طلب الرزق وسعيت وتعبت فيه
ابدًا أقطع البلادَ ونجمي ... في نحوسٍ وهمتي في سعودِ
يقول اسافر أبدًا في طلب الرزق وحظي منحوس وهمتي عالية كما قال الطاءي، همةٌ تنطحُ النجومَ وجدٌّ، الفٌ للحضيضِ فهو حضيضُ، وكما قال بعضهم، ولي همةٌ فوق نجمِ السما، ولكن حالي تحت الثرى، فلو ساعدت همتي حالتي، لكمتَ ترَى غير ما قد ترى،
ولعلي مؤمولٌ بعض ما أب ... لغُ باللطفِ من عزيزٍ حميدِ
1 / 17
يقول لعلي راحٍ بعض ما ابلغه بلطف الله تعالى العزيز الحميد أي الذي أرجوه لعله بعض ما ابلغه بلطف الله تعالى وفيه وجه آخر وهو أن المرجو ما هو محبوبٌ وما كان مكروها لا يكون مرجوا بل يكون محذورا فهو يقول لعلي راجس بعض ما ابلغه وادركه من فضل الله تعالى أي ليس جميع ما ابلغه مكروها بل بعضه مرجو محبوبٌ وقيل أن هذا على القلب تقديره لعلي بالغ بلطف الله تعالى بعض ما اؤمله
بسريٍ لباسُهُ خشنُ القط ... نِ ومرويُّ مروَ لِبسُ القرودِ
السريّ الماجد الشريف يقال سرو يسرو سروا فهو سريّ يقول ابلغه بسريّ يلبس ما ينسج من القطن الخشن ومرويّ مرواي أن الثوب المرويّ الذي نُسج بها لباس اللئام والعرب تتمدح بخشونة الملبس والمطعم وتعيب الترفه والنعمة ويروي لسري باللام اراد به نفسه وهذه الرواية إنما تصح إذا كان البيت الذي قبله على القلب يقول لعلي بالغ بعض ما اؤمله لسري يتقشف في لبسه واللبس مصدرُ لبست الثوب واللبس بكسر اللام ما يلبس.
عش عزيزًا أو مت وأنت كريمٌ ... بين طعنِ القنا وخفقِ البنُدِ
البنود جمع البند وهو العلم الكبير يقول إما أن تعيش عزيزًا ممتنعا من الاعداء أو تموت في الحرب موت الكرام لأن القتل في الحرب يدل على شجاعة الرجل وكرم خلقه وهو خيرٌ من العيش في الذل.
فرؤوس الرماحِ أذهبُ للغي ... ظِ وأشفى لغلِ صدرِ الحقودِ
أراد برؤوس الرماح الأسنة وقوله اذهب للغيظ كان حقه أن يقول اشد اذهابا ولا يبني افعل من الافعال إلا في ضرورة الشعر ولو قال اذهب بالغيظ لم يكن ضرورةً يقول ذهاب الغيظ برؤس الرماح أكبر من ذعابه بالسلم واشفى لغلّ الحقود على اعدائه ومن روى الحسود إراد الكثير الحسد الذي لا يذعب حسده إلا بأن يطعن المحسود فيقتله والحقود احسن في المعنى.
لا كما قد حييت غير حميدٍ ... وإذا متَّ متَّ غيرَ فَقيدِ
يقال حيى يحيى ويقال أيضا حيّ بالادغام في الماضي ولا يقال في المستقبل بالادغام وذلك أن حيى عين الفعل منه ياء مكسورة ولامه أيضا ياءٌ والياء أخت الكسرة فكأنه اجتمع ثلاث كسرات فحذفت كسرة العين وأدغمت في اللام ولم يعرض لي المستقبل شيءٌ من هذا وإنما يخاطب نفسه فيقول عش عزيزا أو مت في الحرب حميدًا ولا تكن كما قد عشت إلى هذا الوقت غير محمود فيما بين الناس وإذا متّ على فراشك في هذا الوقت متّ غير مفقود لأن الناس يجدون ملك كثيرا فيستغنون عنك ولا يبالون بموتك فلا يذكرونك بعد موتك.
فأطلب العزَّ في لظى وذر الذلَّ ... ولو كان في جنانِ الخلودِ
لظى من أسماء جهنم يقول اطلب العزّ وإن كان في جهنّم ودع الذلّ وإن كان في الجنّة وهذا مثلٌ ومبالغةٌ في طلب العزّ والتجافي من الذل وإلا فلا عزَّ في جهنم ولا ذلَّ في الجنة.
يقتلُ العاجزُ الجبانُ وقد يع ... جزُ عن قطعِ بخنقِ المولودِ
البخنق خرقة تقنع بها الامرأة رأسها يقول العاجز الجبان قد يقتل يعني أن العجز والجبن ليسا من أسباب البقاء فلا تعجز ولا تجبن حبذا للبقاء
ويوقى الفتى المخش وقد خ ... وضَ في ماءِ لبة الصنديدِ
يقال وقاه الله السوءَ ووقاه فهو موقَّى والمخشّ الدخّال في الأمور والحروب وخوض أكثر الخوض واللبة أعلى الصدر عند الحلق وماءها الدم والصنديد الشجاع الشديد يقول قد يسلم من يدخل الحروب في أشد الأحوال واكثرها خوفا وهذا حثٌّ على الأقدام
لا بقومي شرفتُ بل شرفوا بي ... وبنفسي فخرت لا بجدودي
هذا كقوله، نفس عصامٍ سودت عصاما، وعلمته الله والإقداما، وصيرته ملكًا هماما، حتى عدا وجاوز الأقواما، ونحوه قول عامر بن الطفيل، فما سودتني عامرٌ عن وراثةٍ، أبى الله أن أسمو بأمٍ ولا أبٍ، ولكنني أحمى حِماها وأتقى، أذاها وأرمى من رماها بمقنبِ، قالت الرواةُ لو اقتصر على هذا البيت كان الم الناس نسبا لكنه قال
وبهم فخرُ كلِّ من نطق الضا ... دَ وعوذُ الجاني وغوتُ الطريدِ
الضاد للعرب خاصةً يقول فخر العرب كلهم وبهم عوذ الجاني يعني أن من جنى جناية وخاف على نفسه عاذ بقويم ليأمن على نفسه وبهم غوث الطريد وهو الذي نفى وطرد أي أنه يستغيث بهم ويلجأ إليه فيعز بمنعتهم
إن أكن معجبًا فعجبُ عجيبٍ ... لم يجد فوق نفسهِ من مزيدِ
1 / 18
المعجب الذي يعجب بنفسه والعجيب الذي يعجب غيره وهو بمنعى المعجب أيضا كالبديع بمعنى المبدع يقول أن أعجبت بنفسي فإن عجبي عجبُ معجبٍ لا يرى فوق نفسه مزيدًا في الشرف أي ليس عجبي بمكر
أنا تربُ الندى وربُّ القوافي ... وسمامُ العِدَى وغيظُ الحسودِ
يقول أنا أخو الجود ولدنا معا وأنا صاحب القوافي ومنشئها لأني لم أسبق إلى مثلها وإنا قتل اعدائي كما يقتل السم وأنا سبب غيظ الحساد لأنهم يتمنون مكاني فلا يدركونه فيغتاظون
أنا في أمةٍ تداركها الل ... هُ غريبٌ تصالحٍ في ثمودِ
تداركها الله دعاءٌ لها أي ادركها الله ونجاهم من لومهم ويجوز أن يكون دعاءً عليهم أي أدركهم الله بالاهلاك لأنجو منهم قال ابن جنى انه بهذا البيت سمي المتنبي.
وقال في صباه ارتجالا وقد أهدى إليه عبيد الله بين خُراسان هدية فيها سمك من سكر ولوز في عسل.
قد شغل الناس كثرةُ الأملِ ... وأنت بالمكرماتِ في شغلِ
يقول الناس مشغولون بكثرة آمالهم بك واطماعهم فيما يأخذون من اموالك وأنت مشغول بتحقيق آمالهم وبتصديق اطماعهم فذلك شغل بالمكرمات
تمثلوا حاتما ولو عقلوا ... لكنت في الجود غاية المثلِ
أراد تمثلوا بحاتم أي في الجود فحذف الباء ضرورةً وذلك أن المثل في الجود يضرب بحاتم فيقال أجود من حاتم وأسخى من حاتم ولو نظروا بعين العقل لضربوا المثل بك لأنك الغاية في الجود
أهلًا وسهلًا بما بعثت به ... إيها أبا قاسمٍ وبالرسلِ
يقال للشيء يسر لقاؤه أهلا بك وسهلًا ومرحبًا وذلك كالتحية والرسل عطف على قوله بما بعثت به أي هلًا بالهدية وبالذين ارسلتهم وقوله أيها أي كفَّ ودع فقد اكثرت من الهدية
هديةٌ ما رأيتُ مهديها ... ألا رأيت العباد في رجلِ
هدية خبر ابتداءٍ محذوفٍ كأنه قال هديتك هديةٌ ما رأيت صاحبها الذي أهداها يعني الممدوح إلا رأيت الناس واللوم وهذا المعنى من قول أبي نواس، وليس لله بمستنكرٍ، أن يجمع العالم في واحدِ، وله أيضًا، متى تحطي إليه الرحال سالمةً، تستجمعي الخلق في تمثالِ إنسانِ، وقد كرر أبو الطيب هذا المعنى فقال، أم الخلقُ في حيّ شخصٍ أعيدا، وقال، ومنزلك الدنيا وأنت الخلائقُ،
أقل ما في أقلها سمكٌ ... يسبحُ في بركةٍ من العسلِ
يقول أقل شيء في هذه الهدية سمك بهذه الصفة ويريد بالبركة الإناء الذي كان فيه العسل يعني أن هذه الهدية كانت عظيمة أقلها ما ذكره
كيف أكافي على أجلِ يدٍ ... من لا يرى أنها يدٌ قبلي
يقول الذي لا يعتقد في أجل نعمةٍ له عندي أنها نعمة استحقارا لها وتصغيرا كيف اكافيه والمكافاة ان يقابل الشيء بمثله وأصلها الهمزة وكتب إليه أيضا على جوانب الجام بالزعفران
أقصر فلست بزائدي ودا ... بلغَ المدى وتجاوز الحدا
يقال أقصر عن الشيء إذا كف عنه وهو قادر عليه وقصر عنه إذا عجز عنه وقصر فيه إذا لم يبالغ يقول كف عن البر وأمسك عنه فانك لا تزيدني بذلك ودا لن ودي إياك قد بلغ الغاية وتجاوز الحدَّ وصار بحيث لا مزيد علهي وهذا من قول ذي الرمة، وما زال يعلوا حبُّ ميةَ عندنا، ويزداد حتى لم نجد ما يزيدها
أرسلتها مملوءةً كرمًا ... فرددتُها مملوءَةً حمدا
يقول أرسلت الآنية مملوءة بكرمك الذي انعمت على فصرفتها اليك مملوءة بالحمد والشكر
جاءتك تطفح وهي فارغةٌ ... مثنى بن وتظنها فردا
يقال طفح الاناء إذا متلأ واراد جاءتك طافحةً فصرف الحال إلى لفظ الاستقبال يقول هي فارغة لا شيء فيها وهي مملوءةٌ بالثناءِ وذلك أنه كتب الأبيات على جوانبها وهي مثنى بالحمد أي إثنان وأنت تظنها فردا ليس معها شيءٌ
تأبى خلائقك التي شرفت ... ألا تحن وتذكر العهدا
الخليقة ما خلق عليها الإنسان كالطبيعة وهي ما طُبع علهيا يقول اخلاقك الشريفة تأبى عليك إن لا تحن إلى اوليائك وتذكر عهدهم
لو كنتَ عصرًا منبتًا زهرًا ... كُنتَ الربيع وكانتِ الوردا
العصر الدهر والزهر واحد الازهار وهو ما ينبته الربيع من الانوار يقول لو كنت زمانا ينبت الزهر كنت زمان الربيع وكانت اخلاقك الورد أي كنت أفضل وقت وكانت أخلاقك أفضل نور وقال في اللجون ارتجالا وقد اصابهم مطر وريح
1 / 19
بقيةُ قومٍ آذنوا ببوارِ ... وأنضاء أسفارٍ كشربِ عُقارِ
الانضاء جمع نضو وهو المهزول الذاهب اللحم من الناس والإبل والشرب جمع شارب والعقار الخمر يقول نحن بقية قومٍ اعلم بعضهم بعضا بالهلاك أي علموا أنهم هالكون ونحن مهازيل اسفار لا حراك بنا من الجهد والتعب كأننا سكارى لا يقدرون على الحركة، يقول تحكمت فينا الرياح بهذا المكان حتى سقت علينا من الحصى والتراب والغبار ما سترتنا به.
نزلنا على حكمِ الرياحِ بمسجدٍ ... علينا لها ثوبا حصًا وغبارِ
خليلي ما هذا مناخنا لمثلنا ... شدا عليها وأرحلا بنهار
يقول ليس هذا المكان منزلا لنا فشدا رحالكما على الإبل وارحلا قبل هجوم الليل وفي قوله فشدا عليها نوعان من الضرورة حذف المفعول والكناية عن غير مذكور
ولا تنكرا عصفَ الرياحِ فإنها ... قرى كلِ ضيفٍ باتَ عندَ سوارِ
يقول لا تنكرا شدة هبوب الرياح فإنها طعامُ من بات ضيفا عند سوار وهو اسم رجل هجا بهذا البيت لأن هبوب الرياح اشتد عليهم لما نزلوا بالمسجد الذي عند داره ولم يقرهم بطعام ويروى قومٍ عند سواري قالوا اراد سواري المسجد يعني الأساطين وهذا لا حقيقة له لان هبوب الرياح لا يختص بالأساطين وقال أيضا في صباه يمدح أبا المنتصر شجاع بن محمد بن أوس بن معن بن الرِضّا الأزدي
أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرقُ ... وجوى يزيدُ وعبرةٌ تترقرقُ
يقول لي سهادٌ بعد سهادس وعلى أثر سهاد ومثلي ممن كان عاشقا يسهد لامتناع النوم عليه وحزن يزيد كلَّ يومٍ عليه ودمع يسيل ويقال رقرقت الماء فترقرق مثل أسلته فسال
جهدُ الصبابة أن تكون كما أرى ... عينٌ مسهدةٌ وقلبٌ يخفقُ
الجهد المشقة والجهد الطاقة والصبابة رقة الشوق يقول غاية الشوق أن تكون كما أرى ثمّ فسره بباقي البيت
ما لاحَ بَرقٌ أو ترنمَ طائرٌ ... إلا انثنيتُ ولي فؤادٌ شيقُ
الشيق يجوز أن يكون بمعنى فاعل من شاق يشوق كالجيد والهين ومعناه أن قلبي يشوقني إلى أحبتي ووزنه فيعل وهو كثيرٌ مثل الصيب والسيد وبابه ويجوز أن يكون على وزن فعيل بمعنى مفعول ولمعان البرق يهيج العاشق ويحرك شوقه إلى أحبته لأنه يتذكر به ارتحالهم للنجعة وفراقهم ولأن البرق ربما لمع من الجانب الذي هم به وكذلك ترنم الطائر وذكرهما بهذا المعنى كثيرٌ في اشعارهم
جربتُ من نارِ الهوى ما تنطفي ... نارُ الغضا وتكلُّ عما تحرقُ
يقول جربت من نار الهوى نارا تكل نار الغضا عما تحرقه تلك النار وتنطفىء عنه ولا تحرقه يريد أن نار الهوى أشدّ إحراقًا من نار الغضا وهو شجرٌ معروفٌ يستوقد به فتكون ناره أبقى ومن روى يحرق بالياء فاللفظ ما
وعذلتُ أهلَ العشقِ حتّى ذُقْتُهُ ... فعجبتُ كيف يموتُ من لا يعشقُ
يذهب هوم في هذا البيت إلى أنه من المقلوب على تقدير كيف لا يموت من يعشق يعني أن العشق يوجب الموت لشدته وإنما يتعجب ممن يعشق ثم لا يموت وإنما يحمل على القلب ما لا يظهر المعنى دونه وهذا ظاهر المعنى من غير قلبٍ وهو أنه يعظم أمر العشق ويجعله غاية في الشدة يقول كيف يكون موت من غير عشق أي من لم يعشق يجب أن لا يموت لأنه لم يقاس ما يوجب الموت وإنما يوجبه العشق وقال بعض من فسر هذا البيت لما كان المتقرر في النفوس أن الموت في اعلا مراتب الشدة قال لما ذقت العشق وعرفت شدته عجبت كيف يكون هذا الأمر المتفق على شدته غير العشق
وعذرتهم وعرفتُ ذنبي أنني ... عيرتهم فلقيتُ فيه ما لقوا
يقول لما ذقت مرارة العشق وما فيه من ضروب البلاء عذرت العشاق في وقوعهم في العشق وفي جزعهم وعرفت أني أذنبت بتعييرهم بالعشق فابتليت بما ابتلوا به ولقيت في العشق من الشدائد ما لقوا
أبنى أبينا نحن أهل منازلٍ ... أبدًا غرابُ البينِ فينا ينعقُ
1 / 20