أولا - من حيث طريقة ابن رجب في عرض كلام الترمذي:
امتاز عصر ابن رجب والعصور التي تلته بالاتجاه إلى شرح الكتب السابقة أو اختصارها، وذلك في ميادين العلوم المختلفة وخاصة علوم العقيدة، والتفسير، والحديث، والفقه، والأصول.
وكان لهذه الشروح طريقتها التقليدية التي تتلخص ببث كلام الأصل بين عبارات الشرح، ثم يكون الشرح حلا لألفاظ الأصل وتراكيبه. وأحيانا كثيرة تختلط عبارة الأصل بعبارة الشرح فيقع القارئ في اللبس علاوة على ما في هذا المنهج من الاضطراب في الأسلوب، وعدم الانسجام.
والجدير بالذكر أن هذا الانسجام المفقود هو من السمات البارزة في هذه الشروح حتى ولو كان صاحب الأصل هو صاحب الشرح، فالعراقي الذي يعتبر من مشاهير عصر ابن رجب صنف ألفيته المنظومة في المصطلح، ثم فك كلماتها وعباراتها في شرح سماه "فتح المغيث"، وبالرغم من أن المؤصل هو نفس الشارح، إلا أن تنافر الأسلوب ملحوظ.
أما ابن رجب فقد شرح علل الترمذي بطريقة أخرى فانتهج ذكر كلام الترمذي أولا في الموضوع الواحد، ثم يعقب على كلام الترمذي بالشرح والإيضاح التمثيل، دون أن يلجأ إلى حل الألفاظ والتراكيب، وإنما يكتفي بالإشارة إلى أصل الموضوع ومعناه عند الترمذي، فيكون ابن رجب قد استقل استقلالا تاما في عبارته وأسلوبه، فكانت ثمرة هذا المنهج سهولة العبارة وانسجام التراكيب ووحدة الأسلوب. وفي ظل هذا المنهج يصبح كلام الترمذي كأنه ترجمة للباب. أو رأس موضوع له. أو مدخل مناسب.
ثانيا - من حيث وقوف ابن رجب عند كلام الترمذي:
وابن رجب خير من يشرح كلام الترمذي، ويفصله، ويرفع عنه الإبهام، إلا انه لا يقف عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى طرق الموضوع من جميع جوانبه، ويضيف إلى قول الترمذي أقوال خلفه من العلماء.
1 / 48