114

Explicación de la Doctrina Tahawiyya

شرح العقيدة الطحاوية

Editor

أحمد شاكر

Editorial

وزارة الشؤون الإسلامية

Edición

الأولى

Año de publicación

١٤١٨ هـ

Ubicación del editor

والأوقاف والدعوة والإرشاد

وَلَا مُدَبِّرَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مُدَبِّرٌ قَدِيرٌ حَكِيمٌ، لَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ وَلَقَابَلَهُ أَعْظَمَ مُقَابَلَةٍ، وَجَعَلَهُ نَكَالًا لِلصَّالِحِينَ. إِذْ لَا يَلِيقُ بِالْمُلُوكِ غَيْرُ ذَلِكَ، فَكَيْفَ بِمَلِكِ الْمُلُوكِ وَأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ؟ وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ رَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ، وَأَظْهَرَ دَعْوَتَهُ وَالشَّهَادَةَ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْكَذَّابِينَ قَامَ فِي الْوُجُودِ، وَظَهَرَتْ لَهُ شَوْكَةٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَتِمَّ أَمْرُهُ، وَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ، بَلْ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ رُسُلَهُ وَأَتْبَاعَهُمْ، وَقَطَعُوا دَابِرَهُ وَاسْتَأْصَلُوهُ. هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ، حَتَّى إِنَّ الْكُفَّارَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ ﴿قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ﴾ (١) أَفَلَا تَرَاهُ يُخْبِرُ أَنَّ كَمَالَهُ وَحِكْمَتَهُ وَقُدْرَتَهُ تَأْبَى أَنْ يُقِرَّ مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيْهِ بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَهُ عِبْرَةً لِعِبَادِهِ كَمَا جَرَتْ بِذَلِكَ سُنَّتُهُ فِي الْمُتَقَوِّلِينَ عَلَيْهِ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ (٢) وَهُنَا انْتَهَى جَوَابُ الشَّرْطِ، ثُمَّ أَخْبَرَ خَبَرًا جَازِمًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ: أَنَّهُ يَمْحُو الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ (٣) فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ نَفَى عَنْهُ الْإِرْسَالَ وَالْكَلَامَ لَمْ يُقَدِّرْهُ حَقَّ قَدْرِهِ.
وَقَدْ ذَكَرُوا فُرُوقًا بَيْنَ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ، وَأَحْسَنُهَا. أَنَّ مَنْ نَبَّأَهُ اللَّهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ، إِنْ أَمَرَهُ أَنْ يُبَلِّغَ غَيْرَهُ، فَهُوَ نَبِيٌّ رَسُولٌ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يُبَلِّغَ غَيْرَهُ، فَهُوَ نَبِيٌّ وَلَيْسَ بِرَسُولٍ. فَالرَّسُولُ أَخَصُّ مِنَ النَّبِيِّ، فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، وَلَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولًا، وَلَكِنَّ الرِّسَالَةَ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهَا، فَالنُّبُوَّةُ جُزْءٌ مِنَ الرِّسَالَةِ، إِذِ الرِّسَالَةُ تَتَنَاوَلُ النُّبُوَّةَ وَغَيْرَهَا، بِخِلَافِ الرُّسُلِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَتَنَاوَلُونَ الْأَنْبِيَاءَ وَغَيْرَهُمْ، بَلِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ. فَالرِّسَالَةُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهَا، وَأَخَصُّ مِنْ جِهَةِ أَهْلِهَا.

(١) سُورَةُ الطُّورِ الآيتان ٣٠ - ٣١.
(٢) سورة الشُّورَى آية ٢٤.
(٣) سورة الْأَنْعَامِ آية ٩١.

1 / 117