قال أرسطاطاليس : فأما أن الأمر يجرى على هذا فى العلم الناظر على طريق المنطق ، فإنه يبين على هذا النحو . أما فى الأشياء التى تحمل من طريق « ما الشىء ؟ » فإن الأمر بين ، من قبل أنه إذا كان الحد موجودا ، وكان قد يقف على الأشياء التى منها انبنت ذات الشىء ، وكان غير ممكن سلوك ما لا نهاية له ، فإنه يلزم من الاضطرار أن تتناهى الأشياء التى منها انبنت ذات الشىء - [ 83 a] وبالجملة ، فإنا قد نحكم ولكون حكمنا صادقا إذا حكمنا على هذا الأبيض أنه يمشى ، وحكمنا أيضا على الكثير بأنه عدد ، وحكمنا على هذه الخشبة بأنها كبيرة ، وعلى هذا الانسان بأنه يمشى . وبين الحكم على هذا النحو ، وبين الحكم على النحو المتقدم خلاف كبير . وذلك أنا إذا حكمنا على هذا الأبيض بأنه عود فإنما نعنى أن ذلك الشىء الذى عرض له أن يكون أبيض هو عود ، لا على أن الأبيض هو الموضوع للعود . وذلك أن العود ليس من المحمولات الذاتية للأبيض ، إذ كان ليس معنى الأبيض أنه عود ؛ ولا من المحمولات العرضية ، إذ كان ليس بموضوع محقق ، لأن الموضوع على التحقيق هو الجوهر ، لكن يحمل عليه على طريق العرض . فأما إذا حكمنا على العود أنه أبيض ، فلسنا نعنى بذلك أن الأبيض عارض لشىء منه ذلك الشىء هو المحكوم به على العود . كما أنا إذا قلنا أن الموسيقى أبيض يكون حكمنا بالبياض على الشىء الذى عرض له أن يكون موسيقيا وهو الإنسان ، لكن تكون الخشبة نفسها موضوعا ، وهذا المحمول هو الشىء الذى يحكم عليها ، لا على أنه عارض لشىء آخر . فإن كان يجب أن نضع قانونا فى ذلك ، لنجعل المحمول الذى هو محمول على هذا النحو هو المحمول على طريق التحقيق ، فأما المحمول على الوجه الآخر فإنا لا نسميه حملا أصلا . وأما إن سميناه فنسميه حملا بطريق العرض . أما الأبيض فيكون محمولا . وأما الخشبة فتكون موضوعا . ومثل هذا المحمول فلنجعله محمولا على التحقيق ، لا على طريق العرض . والبراهين إنما تكون على مثل هذا المحمول الذى هو إما ما هية الشىء ، أو كيفية له ، أو كمية ، أو إضافة ، أو معنى يفعل ، أو ينفعل ، أو أين ، أو متى . ويكون إذا كان المحمول واحدا بالطبيعة ، وكذلك الموضوع . التفسير لما بين ، أنه ليس يمكن أن توجد حدود أوساط بغير نهاية بين طرفين مفروضين ، أعنى أن يفرض أحدهما محمولا ، والأخر موضوعا - يريد أن يبين أن هاهنا [١٠٣ ب ] طرفين بهذه الصفة ، وأنه ليس يمكن أن يمر الحمل إلى غير نهاية من موضوع ما مشار إليه ، مثل أن يحمل عليه محمول ، وعلى ذلك المحمول محمول آخر ، وعلى ذلك الأخر آخر ، ويمر الأمر إلى غير نهاية إلى فوق . وكذلك أيضا لا يمكن أن يوجد محمول ما له موضوع ، ولذلك الموضوع موضوع ، ويمر الأمر إلى غير نهاية . ولما كان هذا يطلب فى القياس البرهانى المنطقى ، والذاتى ،أعنى : هل يمر المطلب فى هاتين الصناعتين إلى غير نهاية ؟ ابتدأ من ذلك بالفحص عن القياس المنطقى ، وهو الذى يكون من مقدمات غير مناسبة فقال : « فأما أن الأمر يجرى على هذا فى العلم الناظر على طريق المنطق ، فإنه يبين على هذا النحو » - يريد : فأما أن الحمل ينتهى فى القياس المنطقى إلى محمول ليس له محمول ، فإنه يبين مما أقوله . ثم قال : « أما فى الأشياء التى تحمل على الشىء من طريق ما هو، وهى الحدود التى انبنت منها ذات الشىء ، وهى المحمولات على الشىء من طريق ما هو ، أعنى من الأجناس ، والفصول ، وكانت هذه الأشياء ، إن كانت غير متناهية ، فمن البين أنه لا يوقف الحد على معرفة شىء من الأشياء ، لأنا نرى أنا إنما نعرف الشىء إذا عرفنا ما هو بجميع أسبابه ، أعنى بحده وحد جنسه ، وحد جنس الجنس ، إلى أن ينتهى إلى الجنس الأخير . وهذا البيان هو منطقى على قياس منطقى . ولما فرغ من تبيين هذا الأمر فى المحمولات التى تحمل على الشىء من طريق ما هو، وكان قصده بعد هذا أن يبين تناهى الحمل فى الصنف الثانى من المحمولات ، وهى المحمولات التى هى أعراض ؛ وكانت هذه صنفين : منها عرضية ، ومنها ذاتية . وكانت العرضية ليس يمتنع فيها وجود ما لا نهاية له - أخذ يفصل أولا المحمولات العرضية من الذاتية ، فقال « وبالجملة فإنا قد نحكم ، ويكون حكمنا صادقا ، إذا حكمنا على هذا الأبيض أنه يمشى ، وحكمنا على الكثير بأنه عدد ، وحكمنا على هذه الخشبة أنها كبيرة ، وعلى هذا الإنسان بأنه يمشى » - يريد : وأما المحمولات التى ليست تحمل على الشىء من طريق ما هو ، فليس كل ما كان صادقا منها فحمله بالجملة على وتيرة واحدة . وذلك أنا قد نحكم على الأبيض أنه يمشى ، فيكون حكمنا صادقا إذا اتفق للشىء الأبيض أن يكون ماشيا . ونحكم على الكثير أنه عدد ، وذلك صادق . ونحكم أيضا على هذه الخشبة أنها كبيرة ، وعلى هذا الإنسان أنه يمشى . ثم قال : « وبين الحكم على هذا النحو وبين الحكم على النحو المتقدم خلاف كبير » - يريد : بين الحكم العرضى فى هذه التى تمثل بها ، والحكم الذاتى . ثم أخذ يعرف ذلك فقال : « وذلك أنا إذا حكمنا على هذا الأبيض أنه عود ، فإنما نعنى أن ذلك الشىء الذى عرض له أن يكون أبيض هو عود ، لأن الأبيض هو [١٠٤ أ] الموضوع للعود » - يريد : وذلك أنا إذا حملنا الجوهر على العرض ، فحكمنا مثلا على هذا الأبيض أنه عود ، فإنما معنى هذا الحمل أن الشىء الذى عرض له أن يكون أبيض ، أعنى موضوع الأبيض ، هو عود ، لأن الأبيض هو الموضوع للعود . كما نعنى بقولنا إن هذا العود أبيض . وذلك أن هذا هو حمل على المجرى الطبيعى ، وذلك على غير المجرى الطبيعى . ثم أتى بالسبب الذى من قبله ليس حمل العود على الأبيض أو على الكبير حملا ذاتيا ، أى على المجرى الطبيعى ، فقال : « وذلك أن العود ليس من المحمولات الذاتية للأبيض ، إذ كان ليس معنى الأبيض أنه عود ، ولا من المحمولات العرضية إذ كان ليس بموضوع محقق ، لأن الموضوع المحقق هو الجوهر ، لكن يحمل عليه على طرق العرض » - يريد : وإنما كان حملنا العود على الأبيض أو الكبير حملا على غير المجرى الطبيعى ، من قبل أن هذا الحمل ليس هو من الحمل الجوهرى ، أعنى الذى يحمل على الشىء من طريق ما هو، وذلك أنه ليست ما هية الأبيض أنه عود ، ولا ما هية الكبير ، ولا هو أيضا من المحمولات الأعراض ، وذلك أن محمولات الأعراض هى التى موضوعاتها هى الجواهر المحققة . يعنى « بالذاتية » هاهنا : الجوهرية واستعمل اسم الذاتية هاهنا بخصوص . ويعنى ب « العرضية » : المحمولات التى هى أعراض المحمولات بطريق العرض . ثم قال : « فأما إذا حكمنا على العود أنه أبيض ، فلسنا نعنى بذلك أن الأبيض عارض منه ، ذلك الشىء هو المحكوم به على العود ، كما أنا إذا قلنا إن الموسقار أبيض يكون حكمنا بالبياض على الشىء الذى عرض له أن يكون موسقارا وهو الإنسان » يريد : والفرق بين الحملين أنا إذا حكمنا على العود أنه أبيض ، فلسنا نعنى بذلك أن الأبيض محمول على شىء ، ذلك الشىء محمول على العود ، بل نعنى ان العود جوهره أبيض ، لا شيئا عرض للعود . وأما إذا قلنا إن الموسقار أبيض ، فإنما نعنى بذلك أن الشىء الذى عرض له الموسيقى وهو الانسان هو أبيض . ثم قال : « لكن تكون الخشبة نفسها موضوعة للبياض » ثم قال : « وهذا المحمول هو الشىء الذى يحكم به عليها ، لا على أنه عارض لشىء آخر » - يريد : وهذا النحو من الحمل الذى هو مثل حمل الأبيض على الخشبة ، أى فى أن تقول إن هذه الخشبة بيضاء - هو المحمول الذى يحكم به على الموضوع نفسه ، لا من قبل شىء عارض للموضوع يحمل عليه من أجل ذلك . وهذا الحمل إنما يعرض على أحد أمرين : إما أن يحمل الجوهر على العرض ، مثل حملنا الخشبة على الأبيض ؛ وإما أن يتفق أن يوجد عرضان فى موضوع واحد ، يحمل أحدهما على الثانى ، مثل حملنا البياض على الموسقار . والأول يخص بالحمل على المجرى الطبيعى والثانى بالحمل الذى بالعرض . وهو هاهنا يعنى بالحمل العرضى : الصنفين جميعا . ولما بين الحمل الحقيقى فى الأعراض ، وهو الحمل الذى على المجرى الطبيعى وعلى الموضوع [١٠٤ ب ] نفسه ، لا على شىء عرض للموضوع ، أعنى حمل الأعراض على الجواهر لا حمل عرض ، ولا حمل جوهر على عرض - قال : « فإن كان يجب أن نضع قانونا فى ذلك ، فلنجعل الذى هو محمول على هذا النحو هو المحمول على طريق التحقيق » - يريد : أنه إن كان يجب أن نضع بهذه الأشياء أسماء مخترعة تجرى مجرى القانون ، فينبغى أن نسمى المحمول فى هذه الصناعة هو المحمول الحقيقى ، وهو المحمول الذى على المجرى الطبيعى ، لأن ذلك ليس تنظر فيه صناعة . وهذا بين فى ترجمة متى ، وهو قوله : « فإن كان ينبغى أن نضع فى أمر المحنة ! سنة ، فليكن القول على هذا النحو هو الحمل » . ثم قال : « فأما المحمول على الوجه الآخر فإما ألا نسميه حملا أصلا ، وأما إن سميناه فإنما نسميه حملا بطريق العرض » ثم قال : « أما الأبيض فيكون محمولا ، وأما الخشبة فتكون موضوعا . ومثل هذا المحمول فلنجعله محمولا على التحقيق لا على طريق العرض » يريد : والحمل الحقيقى الذى يجب أن يفحص عنه هاهنا - هو متناه ، أم لا - هو مثل حمل الأبيض على الخشبة ، أعنى أن يكون الأبيض هو المحمول ، والخشبة هى الموضوع . وإنما كان هذا هو الحمل الحقيقى لأن الموضوع فيه فى الذهن هو موضوع خارج النفس ،وكذلك المحمول فيه هو محمول خارج النفس ، وليس يحمل فيه شىء على شىء من قبل غيره . ثم قال : « والبراهين إنما تكون على مثل هذا المحمول الذى هو إما ماهية الشىء أو كيفية له ، أو كمية ، أو إضافة ، أو معنى أن يفعل ، أو ينفعل ، أو أين ، أو متى » - يريد : والبراهين إنما تبرهن للموضوع وجود أحد هذين المحمولين ، أعنى الذى هو ماهية الموضوع ، وجزء ما هية أو عرض موجود له من أعراض المقولات التسع ، وذلك : إما كيفية ، وإما كمية ، وإما إضافة ، وإما غير ذلك من سائر المقولات . وقوله : " ويكون إذا كان المحمول واحدا بالطبيعة ، وكذلك الموضوع " -يريد : وإنما تكون أمثال هذه المحمولات على عدد المقولات متى كانت بسيطة ، لا مركبة. قال أرسطاطاليس : « فلنعد إلى حيث كنا فنقول أن جميع ما يحمل على الجوهر حملا ذاتيا إما أن يكون المحمول جزءا من الموضوع ، أو يكون المحمول هو ذات الموضوع . فأما ما سوى ذلك مما يحمل على الجوهر وليس بذاتى له لكنه محمول عليه ، وليس هو جزءا من الموضوع ولا هو ذات الموضوع - فهو أعراض له . مثال ذلك : أن يحمل على الإنسان أنه أبيض ، فإن الانسان ليس ذاته ومعناه أنه أبيض ، لكن لعلة أن يكون حيوانا ؛ فإن الإنسان هو ما هو [١٠٥ أ] بأنه حيوان . فأما جميع الأشياء التى ليست ذاتية للجوهر ، فمعلوم من أمرها أنها دائما إنما تحمل على شىء موضوع . وذلك أنه ليس يوجد شىء هو ابيض ، ذاته ومعناه أبيض ، لكن على أنه موضوع البياض موجود فيه . فأما الصور فعلى ذكرها العفاء ، إذ كانت فرعا باطلا لا محصول له ؛ وإن كانت موجودة فلا مدخل لها فيما نحن بسبيله ، من قبل أن البراهين إنما تكون على أمثال هذه . وأيضا إن لم يكن أحد الجزئين عند الأخر على أنه كيفية له ، وذاك لهذا ، أو لم يكن للكيفية أيضا كيفية ، فليس يمكن أن تنعكس بعض الحدود على بعض ، سوى أنه قد يمكن أن تحمل هذه بعضها على بعض . فأما على التحقيق - فلا . » التفسير لما بين الفرق بين المحمولات العرضية والغير عرضية فى حمل الأعراض - عاد إلى ما قصده من أن المحمولات التى هى أعراض إذا لم يحمل بعضها على بعض بالعرض ، أنه يجب أن تتناهى . وأعاد الفحص فى ذلك من الرأس . وابتدأ بالمحمولات الجوهرية . فقوله « أن جميع ما يحمل على الجوهر حملا ذاتيا : إما أن يكون المحمول جزءا من الموضوع ، أو يكون المحمول هو ذات الموضوع » - يعنى بالحمل الذاتى هنا : المقول بخصوص ، وهو المعرف ذات الجوهر . وقوله : « إما أن يكون المحمول جزءا من الموضوع » يعنى : جزء حد ، مثل أن يكون جنسا ، أو فصلا . وقوله : « أن يكون المحمول هو ذات الموضوع » - يعنى : أن يكون بأسره حدا للموضوع . ثم قال : « وأما سوى ذلك مما يحمل على الجوهر . . » إلى قوله : . . فهى أعراض له » - يريد : وإذا كان الحمل على الجوهر إما ذاتيا ، وإما غير ذاتى ؟ وكان الذاتى هو جوهر ، فواجب أن يكون غير الذاتى عرضا للجوهر . ثم أخذ يمثل كون حمل العرض على الجوهر ، ويرشد إلى الجهة التى يظهر منها أن حمل العرض على الجوهر ليس ذاتيا ، فقال : « مثال ذلك أن يحمل على الإنسان أنه أبيض . فإن الانسان ليس ذاته ومعناه أنه أبيض » - يريد : وإنما كان حمل البياض على الإنسان ليس ذاتيا من قبل أن الانسان الذى هو الموضوع هاهنا ليس ذاته ومعناه أنه أبيض والمحمول الذاتى هو الذى ذات الموضوع ومعناه ، هو ذلك المحمول . ثم أخذ يمثل المحمول الذاتى على الإنسان الذى هو مقابل البياض فى هذا ، ليظهر الأمر ظهورا أتم ، وذلك عند حضور مقابله ، فقال : « لكن لعلة : أن يكون حيوانا ، فإن جوهر الإنسان هو أنه حيوان » - يريد جوهره الذى يجرى منه مجرى الجنس ، لا مجرى الحد . وقوله : « فأما جميع الأشياء التى ليست ذاتية للجوهر فمعلوم من أمرها دائما أنها تحمل على شىء موضوع » - يريد : فأما جميع الأشياء التى ليست بما هية الجوهر ولا جزء ماهية ، فمعلوم من أمرها [ ١٠٥ ب ] أنها أعراض تحمل دائما على شىء موضوع . ثم أتى بالسبب فى هذا فقال : « وذلك أنه ليس يوجد شىء أبيض : ذاته ومعناه أنه أبيض ، لكن على أنه موضوع البياض موجود فيه » - يريد : أبيض على شىء طبيعته البياض ، كما يدل قولنا : انسان على شىء جوهره الإنسانية . بل إنما يدل قولنا : « أبيض » على شىء فيه بياض . وإنما كان ذلك كذلك لأنه ليس يوجد شىء من الأعراض يعرف ماهية موضوعه الذى هو الجوهر . مثال ذلك أنه ليس يوجد شىء مشار إليه ، أعنى جوهرا بذاته يعرف منه أنه أبيض أو أسود : ذاته ، أعنى إذا وصفناه بالبياض أو بالسواد أو بغير ذلك من الأعراض . لكن إنما يعرف منه شيئا خارجا عن ذاته ، أعنى شيئا هو موضوع له . وقد كان هذا الحمل فرق بينه وبين المحمول الجوهرى بأن سمى هذا : « المقول فى الموضوع » ، والجوهرى : « المقول على الموضوع » ، وذلك فى كتاب « المقولات » وأما هاهنا فعنى ب « على » ما يعنى ب « فى » . وقوله : فأما الصور فعلى ذكرها العفاء إذ كانت فرعا باطلا لا محصول له » - يريد بذلك : الصور التى كان يقول بها أفلاطون . وذلك أنه كان يعتقد أن الكليات التى فيها البراهين هى موجودة خارج الذهن كليات . وإنما تطرق من هذا الذى كان بسبيله - فيما أحسب - إلى ذكر الصور لأن القائل بالصور إن سلم أن قولنا : « إنسان » يدل على معنى ذاته أنه إنسان ، لزمه ذلك فى الأبيض ، فيكون الأبيض يدل على شىء واحد . وإن سلم أنه يدل على صورة وموضوع للصورة ، كان قولنا : « انسان » مثل قولنا : « أبيض » ولما كان أمر الصور مشكوكا فيه ، لمكان شهرة القائلين بها قال : « وإن كانت موجودة ، فلا مدخل لها فيما نجد بسبيله ، من قبل أن البراهين إنما تكون على أمثال هذه » - يريد : ولو سلمنا أنها موجودة ، لم يكن لها مدخل فى مثل هذا الفحص الذى نحن بسبيله ، من قبل أن البراهين إنما هى براهين هذه الأشكال المحسوسة ، لا براهين تلك الصور . وإنما أراد أنه إن كانت الصور أمورا موجودة خارج النفس مغايرة لهذه المحسوسات ، فليس يمكن أن يكون البرهان المنسوب إلى الأمور الموجودة المحسوسات هو البرهان المنسوب إلى تلك الصور ، لأنه ليس يمكن أن يكون برهان واحد ينسب إلى سببين مختلفين من جهة ما هو برهان واحد . ومعلوم بنفسه أن هذه البراهين إنما هى براهين لهذه الأشياء المحسوسة . فإذن ليست براهين للصور ، ولا للصور منفعة فى إقامة البراهين ، إن كانت موجودة . وقوله : « وأيضا إن لم يكن أحد الحدين عند الآخر على أنه كيفية له ، وذاك لهذا ، أو لم يكن أيضا للكيفية كيفية - فليس يمكن أن تنعكس بعض الحدود على بعض ، سوى أنه قد يمكن حمل بعضها على بعض . فأما على التحقيق [١٠٦ أ] فلا » - يريد : أنه متى حمل شيئا على شىء على أنه كيف له ، أو واحد من سائر المقولات ، فإنه ليس تنعكس تلك القضية ، فتكون حملا على الحقيقة ، أى على المجرى الطبيعى ، بل إنما يكون حملا على غير المجرى الطبيعى ، إذ كان ليس يمكن فيما يحمل على شىء من جهة أنه كيف له مثلا يكون الموضوع يحمل على ذلك المحمول من حيث هو كيف له - مثال ذلك أنه إذا حمل الأبيض على الثلج من حيث هو كيف له ، فليس ينعكس الأمر على الحقيقة إذ كان ليس يمكن فى الثلج أن يحمل على الأبيض ، لا على أنه كيف له ، أو كيف لكيف وإن لم يكن حمل أحد الحدين على الآخر سوى أنه قد < يصير > حمل بعض هذه على < تلك > ، ؛ أما على التحقيق ، < فلا > . قال أرسطاطاليس : « فالحمل إما أن يكون ذاتيا ، بمنزلة الجنس والفصل . المقوم - [ 83 b ]* وهذان فقد تبين من أمرهما أنهما لا يجريان إلى غير نهاية : لا إلى فوق ، ولا إلى أسفل ، بمنزلة ما يحمل على الانسان أنه ذو رجلين ، وأنه حيوان ، وأنه شىء آخر . ولا أيضا إذا حمل الحيوان على الانسان ، وهذا على قلياس ، وهذا على طريق آخر من طريق ما هو ، لأن كل جوهر صورته هذه الصورة فقد يحير . فأما الأمور الغير متناهية ، فلا سبيل إلى أن تقف فى الذهن وتقطعها من قبل أنها لا تتناهى لا من قبل فوق ، ولا من قبل أسفل . والأشياء التى تحمل عليها محمولات صورتها هذه الصورة فى أنها لا تتناهى لا يمكن تحديدها . فأما الأشياء التى هى أجناس ، فأنه غير ممكن أن تنعكس على الأشياء التى هى أجناس لها ؛ وإلا صار الشىء هو جنسه وفصله . » التفسير لما قسم المحمولات إلى جوهرية وعرضية ، وبين فى الجوهرية أنها ليست غير متناهية : لا من جهة فوق ولا من جهة أسفل ، وبين المحمولات التى هى أعراض من التى حملها بطريق العرض ، وكان قصده بذلك أن يبين أن الحمل متناه أيضا في المحمولات التى هى أعراض إذا لم يحمل بعضها على بعض بطريق العرض - ابتدأ البيان من رأس فأخذ يذكر بما تبين من أن المحمولات الجوهرية هى متناهية ، ويستقصى الأمور فى ذلك فقال : « فأما الحمل فإما أن يكون ذاتيا بمنزلة الجنس والفصل - وهذا قد تبين من أمرهما أنهما لا يمران إلى غير نهاية : لا إلى فوق ولا إلى أسفل » يريد : اعتبر ذلك من جهة المحمول أو من جهة الموضوع . ثم بين ذلك بالمثال فقال : « بمنزلة ما يحمل على الإنسان أنه ذو رجلين ، وأنه حيوان ، وأنه شئ آخر » يريد : ومثال ذلك من جهة الموضوع : إذا حمل على الإنسان أنه ذو رجلين ، وخمل على ذى رجلين أنه حيوان ، وحمل على الحيوان شئ آخر من طريق ما هو - فإن هذا لا يمر إلى غير نهاية ، بل ينتهى إلى جنس آخر لا يحمل عليه شى أصلا من طريق ما هو ، كأنك قلت : الجسم ، وإلا لم يحصل عن الحد علم . ثم قال : « ولا أيضا إذا حمل [١٠٦ ب ] الحيوان على الإنسان ، وهذا على قلياس ، وهذا على طريق آخر من طريق ما هو » - يريد : ولا يوجد الحمل أيضا غير متناه إذا أخذ من جهة الموضوع ، مثل أن يحمل الحيوان فى مثالنا على الإنسان ، والإنسان على زيد أو عمرو ، فإن هذا أيضا يبين من أمره أنه ينتهى إلى الشخص . ولما ذكر أن مثل هذا الحمل ينتهى من الطرفين ، أنى بالحجة فى ذلك فقال : « لأن كل جوهر صورته هذه الصورة فقد يحد » - يريد : وإنما وجب أن يكون الحمل الذى فى الجوهر متناهيا ، لأن كل جوهر مشار إليه فقد يحد ، وهو الذى أراد بقوله : « صورته هذه الصورة » . ثم قال : « فأما الأمور الغير متناهية فلا سبيل إلى أن تقف فى الذهن وتقطعها . . » إلى قوله . . . لا يمكن تحديدها » - يريد : فأما الأمور التى توضع غير متناهية فلا سبيل إلى أن يتصورها الذهن بجملتها من قبل أنها لا تتناهى ، لا من قبل فوق ولا من قبل أسفل . ثم قال : « والأشياء التى تحمل عليها محمولات صورتها هذه الصورة فى أنها لا تتناهى لا يمكن تحديدها » . وتأليف القياس يكون هكذا : الأمور التى من طبيعة الجوهر تدرك بالحد الأشياء الغير متناهية الأجزاء المحمولة لا تدرك بالحد فالنتيجة أن : الأمور التى من طبيعة الجوهر ليست هى غير متناهية الأجزاء المحمولة . أعنى ها هنا ب « الأجزاء » : ما يحمل بعضها على بعض . ولما ذكر أن المحمولات الجوهرية تتناهى من جهة المحمول ومن جهة الموضوع ، أخبر أيضا أنه ليس يمكن فى جميعها البيان الدائر ، إذ كان ذلك أحد ما يدعى من يزعم أن البرهان يقوم على كل شئ ، وهو الذى قصد الفحص عنه أولا من المعان الثلاثة : أعنى : هل يتناهى الحمل من جهة الموضوع ، أو المحمول ، أو بين المحمول والموضوع ؟ فقال : « فأما الأجناس التى هى أجناس ، فإنه غير ممكن أن تنعكس على الأشياء التى هى أجناس لها ، وإلا صار الشىء هو جنسه وفصله » يريد : وإلا صار النوع مساويا لجنسه ، وكذلك الفصل ، فيصير الإنسان هو نفسه الحيوان ، أو الناطق هو نفسه الحيوان - وذلك مستحيل . وإنما أراد أن هذه ليس يتفق فيها الحمل بالعرض . فهو بين أن الأمر فى أمثال هذه المحمولات متناه . قال أرسطاطاليس : « ولا أيضا ما كان كيفية أو غير ذلك من باقى المقولات مما ليس يحمل بطريق العرض ، لكنها بأجمعها تحمل على الجوهر - يكون بلا نهاية : لا إلى أسفل ولا إلى فوق . وأيضا إن كان ما يحمل إما أن يكون كيفية ، أو كمية ، أو شيئا فى المقولات ، أو تكون أشياء ذاتية . وهذه فهى متناهية . وأجناس القاطا غورياس أيضا متناهية : وذلك أنها إما أن تكون كيفية ، أو كمية ، أو إضافة ، أو معنى أن يفعل ، أو ينفعل ، أو أين ، أو متى ، والمحمول إنها هو واحد [١٠٧ أ] بالطبيعة على موضوع واحد بالطبيعة . وأما المحمولات التى ليست بذاتية فمعلوم من أمرها أنها لا تحمل بعضها على بعض إذ كانت بأجمعها أعراضا ، وإن كان بعضها بالذات ، وبعضها على نحو آخر بالعرض . وجميع هذه يحكم عليها بأنها مقولة ، على موضوع . والعرض ليس شيئا موضوعا ، وذلك أنا لسنا نضع ولا واحدة من هذه ، وتنعت من حيث لا يرجع النعت الى شئ آخر . لكن إنما النعت يرجع إلى شئ آخر ، ونعت آخر يرجع إلى شئ آخر ، فليس يقع الامعان لا من فوق إلى اسفل ، ولا من اسفل إلى فوق . وذلك أن الأشياء التى الأعراض محمولة عليها إنما هى الأمور التى هى جواهر . وهذه ليست غير متناهية . والصور فى الجواهر والأعراض من أسفل إلى فوق هى متناهية . فيلزم من هذا أن يوجد شئ يحمل عليه ما يحمل ، وعلى هذا المحمول محمول آخر ، وعلى هذا المحمول محمول . وينقطع هذا الامعان ويقف عند محمول لا يوجد محمولا على شئ ما هو أقدم من موضوعه ، ولا يكون شئ محمولا أقدم منه . » التفسير لما بين أن المحمولات التى هى من طبيعة الجوهر تتناهى - يريد أن يبين ذلك فى المحمولات التى هى من طبيعة العرض ، وذلك إذا لم يحمل بالعرض ، فقال : « ولا أيضا ما كان كيفية ، أو غير ذلك من باقى المقولات ، مما ليس يحمل بطريق العرض ، لكنها بأجمعها تحمل على الجوهر ، يكون حملها بلا نهاية » - يريد : ويظهر أن ما كان من المحمولات فى مقولة الكيف ، أو فى غير ذلك من سائر المقولات ، أنه ليس يكون بلا نهاية إذا لم يكن حملها بطريق العرض ، بل كان حملها على الجوهر . ويعنى ب « طريق العرض » : أن تحمل الأعراض بعضها على بعض ، وتحمل الجواهر على الأعراض . ولما ذكر أن الحمل فى هذه يجب أيضا أن يكون متناهيا من الطرفين من جهة المحمول أو من جهة الموضوع ، شرع فى الاحتجاج على ذلك فقال : « وأيضا إن كان ما يحمل إما أن يكون كيفية ، أو كمية ، أو شيئا من المقولات ، أو تكون أشياء ذاتية ، وهذه هى متناهية » - يريد : وبيان ذلك أن كل ما يحمل إما أن يكون عرضا من المقولات مثل كيفية أو كمية أو غير ذلك من مقولة الجوهر ، وهذه هى متناهية ، أعنى الذى فى مقولة الجوهر . ثم قال : « وأجناس القاطغورياس أيضا متناهية » يريد وأجناس المقولات متناهية ، وذلك أنها إما أن تكون من مقولة الكيفية أو الكمية أو الإضافة أو مقولة أن يفعل أو ينفعل أو أين ومتى . ولما وضع ثلاث مقدمات : إحداهما أن المحمولات صنفان : إما جواهر، وإما أعراض ؛ ووضع ثانية أن محمولات الجواهر متناهية ؛ ووضع ثالثا أن أجناس الأعراض متناهية - أضاف إلى ذلك مقدمة رابعة فقال : [ ١٠٧ ب ] والمحمول إنما هو واحد بالطبيعة على موضوع واحد بالطبيعة » - يريد: والمحمول الواحد إنما هو واحد إذا كان واحدا بالطبيعة يحمل على موضوع واحد بالطبيعة . وإنما وضع هذا لأن هذا الطلب يحتاج أن يعرف ما المحمول الواحد ، والموضوع الواحد ، إذ كان هذا المحمول هو الذى يطلب فيه هل له محمولات إلى غير نهاية ، أم ليس له ، لأنه إذا تبين الأمر فى هذا تبين الأمر فى المركب ، وكذلك الأمر فى الموضوعات . ولما وضع هذه الأربعة الأصول لما يريد أن ينتجه ، وضع أصلا خامسا . فقال : « وأما المحمولات التى ليست بذاتية ، فمعلوم من أمرها أنها لا تحمل بعضها على بعض » - يريد : ومن المعروف أيضا أن المحمولات التى ليست بجوهرية ، أعنى التى هى أعراض ، أنه ليس يحمل بعضها على بعض بالذات . ثم أتى بالسبب فى ذلك فقال : إذا كانت بأجمعها أعراضا وإن كان بعضها بالذات ، وبعضها على الجواهر بالعرض » - يريد : وإما لم يحمل بعضها على بعض بالذات من قبل أنها أعراض ، وإن كان من الأعراض ما يوجد بالذات للجواهر ، ومنها ما يوجد بالعرض . وذلك أن ما بالذات استعمله هاهنا على معنى غير الذى استعمله قبل ، لأنه قبل استعمله على المحمولات الجوهرية ، وهنا استعمله على الأعراض الذاتية ، وهى التى يوجد حدها الموضوع أو جنس الموضوع . ف « الذاتية » إذن مرة يستعملها بعموم ، كما استعملها فى أول هذا الكتاب ، ومرة بخصوص ، كما استعملها هاهنا . وقوله : « وبعضها على نحو آخر بالعرض » - يريد : ويحمل بعضها بالعرض على نحو آخر الذى مثل فيه إنه يحمل بعضها على بعض بالعرض المتجنب فى هذا الفحص . ولما أخبر أن الأعراض بالجملة ، سواء كانت ذاتية أن غير ذاتية ، أنه ليس يحمل بعضها على بعض بالذات ، أعنى لا حمل الحدود على محدوداتها ، ولا حمل الأعراض على موضوعاتها ، وإن كان حمل الأعراض على موضوعاتها منه ما هو ذاتى بنوع ما ، ومنه ما هو عرضى ، أى لا يوجد فى حده الموضوع . وذلك أن غير الذاتى يقال على ثلاثة معان : (١) إما على ما لا يوجد فى حده الموضوع وهو محمول على الموضوع لا من جهة ما عرض للموضوع شئ آخر ، وهذا غير متجنب فى هذا الفحص . (٢) وإما ما يحمل على الموضوع من قبل عرض فيه . (٣) وإما ما يحمل الموضوع عليه ، وهو الحمل الذى على غير المجرى الطبيعى ؛ وهذان هما المتجنبان فى هذا الفحص - أتى بالحجة التى من قبلها لا تحمل الأعراض على الأعراض بالذات ، يعنى هاهنا بالذات : الحمل الذى على المجرى الطبيعى ، فقال : « وجميع هذه يحكم عليها بأنها مقولة على الموضوع . والعرض ليس شيئا موضوعا » - يريد :وإنما لم تحمل الأعراض بعضها على بعض [١٠٨ أ] بالذات من قبل أن العرض هو الذى قيل فى حده إنه الذى يحمل على موضوع » - يريد : أى فى موضوع . والعرض ليس هو شيئا موضوعا . فينتج عن ذلك أن العرض ليس يحمل على العرض إلا بالعرض . ولما أخبر أن العرض ليس موضوعا ، أتى بالحجة على ذلك فقال : « ذلك أنا لسنا نضع ولا واحد من هذه ، وننعت من حيث لا يرجع النعت إلى شئ " -يريد : والدليل على ذلك أنا لسنا نضع شيئا من الأعراض موضوعا وننعته بشىء آخر ، أى نصفه به ونحمله على جهة الوصف ، من جهة أنه لا يرجع ذلك النعت إلى شئ آخر ، كما يتفق ذلك فى الشىء الذى ينعت بالحقيقة ، أعنى أن النعت ليس يلحق المنعوت من قبل شئ آخر ، بل يلحق المنعوت بذاته . ثم قال : « لكن إنما النعت يرجع إلى شئ آخر ، ونعت آخر إلى شئ آخر » يريد : ولكن نعت الأعراض بعضها لبعض وحملها إنما يرجع النعت فيها إلى شئ آخر غير العرض ، وهو الموضوع للعرض ، وذلك العرض أيضا الذى نعت من قبل موضوعه هو نعت أيضا لعرض آخر من قبل موضوع ذلك العرض . وإنما أراد بذلك أنه إذا كانت لا ينعت بعضها ببعض إلا من قبل الجواهر الحاملة لها ، فإن حمل بعضها على بعض هو بالعرض ، ويمر ذلك إلى غير نهاية . ثم قال : « فليس يقع الإمعان لا من فوق إلى أسفل ، ولا من أسفل إلى فوق . وذلك أن الأشياء التى الأعراض محمولة عليها إنما هى الأمور التى هى جواهر . وهذه ليست غير متناهية ، والصور فى الجواهر والأعراض من أسفل إلى فوق هى متناهية » - يريد : وإذ قد تقرر جميع ما قدمناه من أن الجواهر المحمولة بعضها على بعض ، التى هى صور فى الأشخاص ، هى متناهية ، وكذلك الأعراض التى فيها - فبين أنه ليس يمكن الإمعان فى الحمل ، لا إذا ابتدأ من فوق إلى أسفل فى أن يمر إلى غير نهاية ، ولا إذا ابتدأ من أسفل إلى فوق . وذلك أن الأشياء التى توجد فيها الأعراض وتحمل عليها بالذات هى متناهية ، وهى الجواهر والأعراض ، إذ هى متناهية أيضا . وقوله : « والصور فى الجواهر والأعراض من أسفل إلى فوق هى متناهية » يريد : والصور فى الشخص المشار إليه والأعراض الموجودة فيه بن أسفل إلى فوق ، أى بعضها محمول على بعض ، هى متناهية . ثم قال : « فيلزم من هذا أن يوجد شئ يحمل عليه ما يحمل ، وعلى هذا المحمول محمول آخر ، وينقطع الإمعان ويقف عند محمول لا يوجد محمولا على شئ ،هو أقدم من موضوعه ، ولا يكون شئ محمول أقدم منه » - يريد : فيجب فى الإمعان إلى أسفل أن ينتهى الأمر إلى محمول لا يوجد موضوع متقدم على موضوعه ، أى موضوعه موجود فيه ، وفى الإمعان إلى فوق ، أن ينتهى إلى محمول لا يوجد شئ محمول عليه ، حتى يكون هو أقدم من ذلك الشىء ، أى يوجد ذلك المحمول فيه . قال أرسطاطاليس : « فهذا أحد الوجوه الذى يتبين بها أمر القياس المنطقى . وأما البيان الأخر فهو يجرى على هذا : إن كان البرهان قد يقوم على الأشياء التى المحمول منها شديد التقدم والأشياء التى إنما تعلم بالبرهان - فغير ممكن أن يوجد سبيل إلى علمها بنحو آخر أفضل منه ، وغير ممكن أن تعلم من دون البرهان . فإن كان البرهان فى أن يعلم إذا علمت المقدمات التى منها كان ، وكانت المقدمات غير معلومة عندنا ولا طريق لنا إلى العلم بها ، فإنا لا نعلم ولا الشىء الذى بها تعلم . وأيضا إن كان قد يقع العلم بالبرهان لبعض الأمور على التحقيق ، لا على طريق الأصل الموضوع ، فيلزم من إلاضطرار أن تنقطع الأوساط وتقف . فإن لم تنقطع وتقف [84 a]* ، لكن يوجد للمبدأ ما هو أعلى منه محمول عليه ، فإنه يكون أى شئ أخذ يكون عليه البرهان . فإن كان غير ممكن قطع الأشياء التى لا نهاية لها بأن نعلم سائرها بالبرهان فيفضى بنا الأمر إلى ألا نعلمها بالبرهان . فإن كان لا طريق إلى أن يقع العلم بها بنحو هو أفضل إلا بالبرهان فإنه لا يقع العلم بالبرهان ولا لشىء واحد ، اللهم إلا أن يكون بنحو الأصل الموضوع . التفسير قوله : « فهذا أحد الوجوه التى يبين بها أمر القياس المنطقى » - الظاهر منه أنه يعنى بالقياس المنطقى البرهان الذى من مقدمات صادقة غير مناسبة ، ويعنى أن هذا هو أحد البيانين ، إذ كان بيانا منطقيا يبين به تناهى المحمولات فى البرهان المنطقى والحقيقى . ذلك أن البيان المنطقى يقال على القياس الصادق الذى يكون من أمور عامة غير ذاتية ، وهو الذى أراد ب « المنطقى » فى هذا الموضع . وقد يقال : « قياس منطقى » إذا كانت مقدماته مأخوذة من صناعة المنطق ، وذلك أن صناعة المنطق تستعمل استعمالين ، كما قيل فى غير ما موضع : أحدهما من حيث هى آلة ، وهو الاستعمال الخاص ؛ والآخر من حيث هى علم من العلوم ، أى يستعمل فى علم آخر ما يبين فيها . ولما كان هذا البيان الذى استعمله هاهنا عاما للقياس المنطقى والبرهان ، وهو صادق أيضا ، كان منطقيا . فلذلك يمكن أن يفهم من قوله : « فهذا أحد الوجوه التى يتبين بها أمر القياس المنطقى » - أى : فهذا أحد الوجوه التى يتبين بها أمر القياس المنطقى والبرهان بقياس منطقى ، الذى قصدنا استعماله فى هذا البيان » ويعنى ب « الشىء الذى يبين على جهة المنطق » تلك المطالب المشتركة للبرهان [١١٥ أ= ١٠٩ أ ]* المنطقى والحقيقى ، أعنى أنه ليس يمكن أن يبين بأوساط لا نهاية لها ولا توجد فى الشىء الواحد محمولات لا نهاية لها ولا توجد فى الشىء الواحد لا نهاية لها ، ولا موضوعات لا نهاية لها . ثم قال : « وأما البيان الآخر فهو يجرى على هذا » - يريد بالبيان الأخر : بيانا آخر على جهة المنطق أيضا ، أعنى بمقدمات منطقية غير البيان الذى بين فيه أنه لا يمكن أن توجد أوساط لا نهاية لها بين طرفين موضوعين . وذلك أن هذا البيان الذى يستعمله هاهنا هو على هذا المعنى من المعاق الثلاثة التى سلفت ، لا على المعنى الذى تقدم هذا القول ، وهو بيان كون المحمولات متناهية فى البراهين والموضوعات . ولما وعد بذكر هذا البيان الثانى ، شرع فيه فقال : « إن كان البرهان قد يقوم على الأشياء التى المحمول فيها شديد التقدم » - يريد أنه إذا كان البرهان شأنه أن يقوم على الأشياء التى الحدود الأوساط فيها متقدمة على الطرف الأكبر بالمعرفة والسببية ، أعنى أنها أسباب للطرف الأكبر . ثم قال : « والأشياء التى تعلم بالبرهان . . » إلى قوله : « . . من دون البرهان » - فأردف هذا القول بالقول الأول وجعل مجموع هذه الأقاويل بمنزلة المقدم ، فكأنه قال : ولما كانت الأشياء التى تعلم بالبرهان الحد الأوسط فيها متقدم بالسببية على الطرف الأكبر ، وكان كل ما يعلم بالبرهان لا سبيل إلى أن يحصل عليه بغير البرهان ، لا بعلم مساو للبرهان ، ولا بشىء أفضل من البرهان ؛ وكان البرهان إنما يعلم إذا علمت المقدمات التى انبنى منها البرهان ، أعنى التى هى أقدم من العلم الحاصل عن البرهان ، فبين أنه إذا لم يكن لها سبيل إلى علم المقدمات ، لم يكن لها سبيل إلى البرهان . وهذا هو الذى دل عليه بقوله : « فإن كان البرهان . . . » إلى قوله : . . ولا الشىء الذى بها يعلم » - يعنى المطلوب . ولما أخبر أنه إن كانت الأوساط لا نهاية لها أنه يلزم من ذلك ألا يكون لنا علم بالبرهان ، من قبل أن الأوساط إذا كانت لا نهاية لها ، كانت مقدمات البرهان لا نهاية لها ؛ وما لا نهاية له فليس بمعلوم بالبرهان - أخذ يقرر هذا المعنى فقال : « وأيضا إن كان قد يقع العلم لبعض الأمور على التحقيق ، لا على طريق الأصل الموضوع ، فيلزم من الاضطرار أن تنقطع الأوساط وتقف » - يريد : وإذا كان من المعروف بنفسه أنه قد يقع لنا العلم بالبرهان لبعض الأمور ، من غير أن نضع فى مقدمات البرهان مقدمة غير معروفة بنفسها ، أعنى يصادر عليها عن علم آخر ، بل قد يقع لنا العلم بكثير من الأشياء بمقدمات هى معروفة بنفسها - فقد يجب فى مثل هذا البرهان أن تكون الأوساط متناهية ، أى إذا ابتدئ فيها من الطرف الأكبر ، انتهى الحمل إلى الأصغر ، وإذا ابتدئ [١١٥ = ١٠٩ ] فيها من الأصغر انتهى إلى الأكبر ، وهو الذى أراد بقوله : « فيلزم من الاضطرار أن تنقطع الأوساط وتقف » أى تقف فى حمل بعضها على بعض ، ولا يمر الحمل إلى غير نهاية . ثم أخذ فى بيان أنها تنقطع على جهة الخلف فقال : « فإن تنقطع وتقف ، لكن يوجد للمبدأ ما هوى أعلى منه محمول عليه فإنه يكون أى شئ أخذ يكون عليه برهان » - يريد : لكن لو لم تنته الأوساط ، لكان توجد لكل مقدمة تؤخذ مقدمة أعلى منها ، أى محيطة لها وأعم كلية من جهة موضوعها ، أى يكون موضوعها أعم كلية من موضوع المقدمة المأخوذة ، حتى يكون محمول المقدمة إنما يحمل على موضوعها من قبل حمل هذه الطبيعة التى هى أعم من موضوعها عليه ، فتكون كل مقدمة تبين بحد أوسط . مثال ذلك : إن كان قولنا « كل إنسان حساس » يوجد للإنسان طبيعة أعم منه وأعلى حتى تحمل هى على الإنسان ، ويحمل الحساس عليها ، وهى الحيوان مثلا ، فإن الحساس إنما يبين بالطبع للإنسان ، من قبل الحيوان . وكذلك إن كان الحال فى الحيوان مع الانسان يجرى هذا المجرى . وان كان ذلك كذلك فى كل مقدمة ، فأى مقدمة أخذت فإنه يقوم عليها برهان . ثم قال : « فإن كان غير ممكن قطع الأشياء التى لا نهاية لها بأن يعلم سائرها بالبرهان فيفضى بنا الأمر إلى أن لا نعلمها بالبرهان » - يريد : فإن كان لا يمكن أن تعلم مقدمة من المقدمات إلا حتى تعلم قبلها مقدمات لا نهاية لها بالبرهان ، وكان غير ممكن أن تعلم مقدمات لا نهاية لها ببراهين لا نهاية لها - لان مالا نهاية له طريق لا يقطع ويفرغ منه - فبين أنه يفضى هذا القول - أى يلزم عنه ضد ما وضع ، وهو ألا يعلم شئ من الأشياء بالبرهان . فيعنى ب « الأشياء التى لا نهاية لها » : المقدمات ، ويعنى ب « القطع » : أن يعلمها بالبرهان . وكذلك فسره بأن قال : « بأن يعلم سائرها بالبرهان » ، فكأنه قال : فإن كان لا يمكن أن نقطع مقدمات لا نهاية لها بأن نأتى على علمها بالبرهان ، أى بأن نعلمها بالبرهان ، فسيفضى بنا هذا الوضع - أى يلزم عنه ألا نعلم واحدة منها بالبرهان . وهذا بمنزلة ما لو أن قائلا يقول : لا يحصل لك هذا الدرهم حتى تحصل لك قبله دراهم لا نهاية لها ؟ بل بمنزلة ما لو قال قائل : لا تملك درهما حتى تملك قبله دراهم لا نهاية لها . ثم قال : فإن كان لا طريق إلى أن نعلم العلم بنحو أفضل من البرهان ، فإنه لا يقع العلم بالبرهان ولا لشىء واحد ، اللهم إلا أن يكون بنحو الأصل الموضوع » يريد : فإن كان من المعروف بنفسه أنه لا يمكن أن يعلم الشىء بعلم أفضل من كل علم إلا بالبرهان ، وكان قد وضعنا هذا الوضع ، أعنى : كل شىء يحتاج إلى برهان ، فإنه لا يحصل لنا العلم البرهان لشىء من الأشياء أصلا [١١٤ = ١١٠ أ] اللهم إلا أن يكون البرهان البرهان الذى يكون على طريق المصادرة ، أعنى الذى يتسلم وجود المقدمات الموضوعة فيه صاحب الصناعة من صاحب صناعة أخرى . وإنما أراد أن واضع هذا القول يلزمه ألا يكون عنده علم الأشياء إلا ما عند المبرهن على طريق المصادرة على الشىء من علم ذلك الشىء الذى صادر على برهانه . قال أرسطاطاليس : « فقد بان ، على طريق المنطق ، من الأشياء التى تلوناها صدق ما قلناه . فأما القياس البرهان ، الذى هو البحث متوجه نحوه ، فقد تبين على ضروب شتى أن مبادئه تقف عند الإمعان فيها من كلا الطرفين . وذلك أن البرهان إنما هو من الأمور الذاتية . والأمور الذاتية فعلى ضربين : أحد الضربين المحمولات التى فيها تنبنى طبيعة الموضوعات ، وهى مأخوذة فى حدودها ؛ والضرب الآخر المحمولات المأخوذة موضوعاتها حدودا ، بمنزلة الفرد المحمول على العدد ، فإن العدد مأخوذ فى حده ، وبمنزلة الكثرة والمنفصل المحمول عليها ، فإنها مأخوذة فى حده . ولا واحد من هذين الجنسين يمكن إمعانه بلا نهاية ، كالفرد للعدد : وذلك أنه إن وجد للفرد شئ آخر الفرد مأخوذ فى حده ، فإن العدد أيضا يكون موجودا فى حده . فإن كان غير ممكن أن توجد أمثال هذه فى شئ واحد بلا نهاية ، فإنه لا يمكن أن يمعن إلى فوق بلا نهاية . وهذه كلها بأجمعها يجب من الاضطرار أن تكون موجودة للأول . والأول موجود لها . فالذى يوجد لها هو أنها تنعكس ، لا أنها تمعن إلى فوق وتمضى إلى مالا نهاية . » التفسير إنه لما بين بيانا يعم القياس المنطقى والبرهانى أنه ليس يمكن أن توجد محمولات لا نهاية لها سالكة إلى فوق ، ولا موضوعات لا نهاية لها سالكة إلى أسفل - يريد أن يبين ذلك بيانا خاصا بالقياس البرهان . فقوله : فقد بان على طريق المنطق - يريد بالمنطق : المقدمات العامة التى تبين بها هذان المعنيان فيما سلف . ولما كان ذلك البيان ليس خاصا بالبرهان ، وكان قصده فى هذا القول أن يأتى بالبيان الخاص بالبرهان ، قال : « فأما القياس البرهان الذى هذا البحث متوجه نحوه ، فقد تبين على ضروب شتى أن مبادئه تقف عند الإمعان فيها من كلا الطرفين » - يريد : فأما القياس البرهانى الذى قصدنا بالبحث عنه فى هذا الكتاب فقد تبين بطرق كثيرة أن مبادئه ، أعنى مقدماته ، تقف عند الإمعان فيها من كلا الطرفين ، أعنى من جهة المحمول والموضوع . ثم شرع فى البيان الذاتى الخاص الذى وعد به ، فقال : وذلك أن البرهان إنما هو من الأمور الذاتية . . » إلى قوله . . . فأنها مأخوذة فى حده » - يريد : وبرهان ذلك أن البرهان إنما يأتلف - على ما بين قيل - من المقدمات الذاتية . وقد تبين أن الذاتية [١١٤ ب = ١١٠ ب ] صنفان : صنف المحمولات فيها إما حدود للموضوعات التى تحمل عليها ، وإما أجزاء حدود ، أعنى إما أجناسا ، وإما فصولا . والصنف الثانى : المقدمات التى تؤخذ أجناس الموضوعات فيها أو الموضوعات أنفسها فى حدود المحمولات ، بمنزلة أخذ العدد فى حد الفرد ، وبمنزلة أخذه فى حد الكثرة والقلة ، وبمنزلة أخذه فى حد المنفصل ، وذلك أن الانفصال خاصة من خواص العدد . ولما قسم المحمولات الذاتية إلى هذين القسمين قال : « ولا واحد من هذين الجنسين يمكن إمعانه بلا نهاية » - يريد : ولا فى واحد من هذين الجنسين من المقدمات يمكن أن توجد فيها أشياء يحمل بعضها على بعض إلى غير نهاية . ثم شرع فى بيان ذلك فى الصنف من المحمولات التى توجد الموضوعات فى حدودها ، فقال : كالفرد المأخوذ فى حده العدد . ثم شرع فى بيان ذلك فقال : « وذلك أنه إن وجد للفرد شئ آخر الفرد مأخوذ فى حده ، فإن العدد يكون موجودا فى حده » يريد : وبيان ذلك أنه إن وجد لأمثال هذه الأعراض الذاتية أعراض ذاتية تؤخذ هى فى حدودها ، على مثال ما توجد فى حدودها هى أيضا موضوعاتها ، مثل أن يوجد للفرد شئ يتنزل منه منزلة الفرد من العدد ، فإن العدد أيضا يكون مأخوذا فى حده المأخوذ فى حده . ثم قال : « فإن كان غير ممكن أن توجد أمثال هذه فى شئ واحد بلا نهاية ، فإنه لا يمكن أن يمعن إلى فوق بلا نهاية » - يريد : وإذا ظهر أن الجنس الأول هو المأخوذ الأول فى حدود أمثال هذه الأعراض كائنة ما كانت ، أعنى التى يحمل بعضها على بعض حملا ذاتيا ، فظاهر أنه إن انبنى منها محمولات لا نهاية لها أن تكون أشياء لا نهاية لها موجودة فى شئ واحد ، وهو الجنس الأول ، أو يكون شئ واحد مأخوذا أشياء لا نهاية لها . فإن كان هذا غير ممكن ، فإنه لا يمكن أن توجد محمولات ذاتية يمكن الإمعان فيها بلا نهاية . < وأيضا المحمولات التي تكون مأخوذة من الموضوعات والمأخوذة فى الحدود نفسها ؛ لكن الموضوعات تؤخذ فيها وفى المتقابلات على النحو الذى وفقا له يقسم الجنس إلى فصول متقابلة . فإذا أمكن أن توجد هكذا أعراض > بلا نهاية ، ، أمكن أن توجد أجناس تنقسم بفصول متقابلة إلى غير نهاية ، من غيران تنتهى القسمة إلى أنواع أخيرة . وذلك ظاهر المحال بنفسه . لكن هذا المحال إنما يلزم فى الصنف من الأعراض التى تؤخذ أجناس موضوعاتها فى حدودها . وأما التى تؤخذ فى حدودها الموضوعات ، فيلزم فيها المحال المتقدم ، فإنه عام لكليهما . ولذلك اعتمده أرسطو ، وإن كان ثامسطيوس نجده يفسر هذا الموضع على التفسير الثانى الذى فسرناه ، أعنى وجود قسمة غير متناهية . وقوله : « وهذه كلها بأجمعها يجب من الاضطرار أن تكون موجودة للأول » يريد أن جميع الأعراض الذاتية التى يحمل بعضها على بعض يجب أن تكون بأجمعها موجودة فى الجنس الأول المأخوذ فى حد أول عرض منها . وقوله : « فالذى يوجد لها هوانها تنعكس ، لا أنها تمعن إلى فوق وتمضى إلى ما لا نهاية » - يريد بذلك ما كان من الأعراض يوجد فى حده [١١٣ أ= ١١١ أ] الموضوع نفسه ، لا جنس الموضوع . وذلك أن التى يوجد فى حدها جنس الموضوع هى أعتم من الموضوع الذى يحمل عليه ، أو نقول إن كل عرضن يحمل على الشىء بما هو ، فإنه يجب أن يكون خاصا . ولما كان أرسطو يشترط فى الحمل الذاتى البرهانى أن يكون محمولا على الشىء بما هو ذلك الشىء ، فقد يرى أنه يشترط فى الأعراض الذاتية أن تكون خاصة ، كما اشترط ذلك فى الحدود . ولذلك أخرج القول هاهنا مخرجا كليا فقال : « فالذى يوجد لها هو أنها تنعكس ، لا أنها تمعن إلى فوق » - يريد أن الذى يوجد لها من لا نهاية فى الحمل هو ما كان على طريق الدور ، لا ما كان على طريق الاستقامة . ويشهد لما قلناه من أن أرسطو إنما يعتبر فى البراهين الأعراض الخاصة ، قوله : « والضرب الأخر المحمولات المأخوذة موضوعاتها فى حدودها » ولم يقل : « وأجناس موضوعاتها » ، وإن كان قد يظن أن اسم الموضوع استعمله هاهنا بدلا من الجنس ، فإن مثاله يشهد بذلك . قال أرسطاطاليس : « وأيضا ولا المحمولات المأخوذة فى حدود الموضوعات تمضى إلى مالا نهاية . فإنه لو كان الأمر على هذا ، لما كان إلى الحد من طريق . فإذا كانت المحمولات كلها ، التى فى البراهين ، هى المحمولات الذاتية ، وهذه ليست بغير نهاية ، قد تنقطع ويقف الإمعان إلى فوق ، فالإمعان إذن إلى أسفل قد ينقطع . وإذا كان هذا هكذا ، كانت الأشياء التى هى محصورة بين حدين هى دائما متناهية ، فيلزمه من ذلك أن تكون للبرهان مبادئ ، ولا يكون البرهان على كل شئ . وهذا هو ما تقدمنا فحكيناه عن أقوام انهم يسوغون القول به . وذلك أنه إن كان قد توجد مبادئ غير مبرهنة ، فلا يكون كل شئ مبرهنا على مما قاله قوم . ويبطل أيضا الامعان إلى ما لا نهاية له . فأن وجد أحد هذين ، أيهما اتفق ، ليس هو أكثر مما يوجب أن مقدمات البرهان كلها ذوات أوساط ، وأنه ليس فى مقدمات البرهان مقدمة غير ذات وسط ، وهذا بأن يكون بين كل حديهن حد أوسط ، لا كيف اتفق ، لكن بأن يكون للحدين شركة لأحدهما حسب : - وفى البيان الذى قد مضى كفاية فى أنه لو كان الإمعان إلى مالا نهاية يمكن ، لقد كان يمكن أن يوجد بين كل حدين أوساط لا نهاية لها . لكن هذا غير ممكن ، إذ كان الإمعان من كلا الطرفين يقف وينقطع [84 b]* . فقد تبين فى كلا القياسين : المنطقى [١١٣ ب= ١١١ ] التفسير لما بين أن الصنف من المحمولات التى تؤخذ الموضوعات في حدودها تجرى ضرورة في الحمل ، يريد أن يبين ذلك أيضا في الصنف الثاني من المحمولات الذاتية أعني التي هي حدود أو أجزاء حدود فقال : « وأيضا ولا المحمولات المأخوذة في حدود الموضوعات تمضي إلى مالا نهاية له ، فإنه لو كان الأمر على هذا لما كان إلى الحد من طريق » - يريد : أنه لو كانت المحمولات التي هي حدود للموضوعات أو أجزاء حدود غير متناهية ، لم يكن سبيل إلى أن يوجد حد لشيء من الأشياء ، لأن الجوهر هو الذي يحصر الطبيعة أو الطبائع التي منها تنبنى ذات الشيء . فلو كانت هذه الطبائع غير متناهية ، لما أمكن أن يوجد حد خاص لطبيعة المحدود . ولما بين امتناع وجود محمولات غير متناهية في صنفى الذاتية ، قال : « وإذا كانت المحمولات كلها التي في البرهان هي المحمولات الذاتية ، وهذه ليست بغير نهاية ، قد ينقطع الإمعان إلى فوق ، فالإمعان إذن إلى أسفل قد ينقطع » - يريد : وإذا كانت محمولات البراهين ذاتية ، وكانت الذاتية صنفين ، وكان قد تبين في كل واحد من هذين الصنفين أنه ليس يمكن أن يوجد فيها محمولات بغير نهاية ، فقد ينقطع الامعان في المسير إلى فوق ، أعني أن يحمل شيء على شيء إلى غير نهاية . وإذا انقطع الامعان إلى فوق ، وجب ضرورة ، لتلك الحجج بأعيانها ، أن ينقطع الإمعان إلى أسفل ، أعني في أن يوجد للموضوع موضوع ، وذلك إلى غير نهاية . ثم قال : « وإذا كان ذلك هكذا ، وكانت الأشياء التي هي محصورة بين حدين هي دائما متناهية ، فيلزم من ذلك أن فكون للبرهان مبادئ ، ولا يكون البرهان على كل شيء » - يريد : وإذا تبين أن الحمل ينتهى إلى طرفين محدودين ، فبين أنه ليس يمكن أن يوجد بين طرفين محدودين أوساط لا نهاية لها . وإذا كان ذلك كذلك ، وجب أن يكون كل برهان ينتهي إلى مبادئ أول ليمس تحتاج إلى برهان . وإنما قال ذلك لأنه قد كان وضع أن ما بين الطرفين المتناهيين يجب أن يكون ضرورة متناهيا . وإذا كان هذا هكذا ، فقد يلزم ألا يكون كل شيء يحتاج إلى أن يقوم عليه برهان . ثم قال : « وهذا هو ما تقدمنا فحكينا عن أقوام أنهم يسوغون القول به . وذلك أنه إن كان توجد مبادئ غير مبرهنة ، فلا يكون كل شيء مبرهنا » - يريد : وهذا الذي تبين بطلانه من أنه ليس يقوم على كل شيء برهان - هو ما تقدمنا فحكينا عن قوم من القدماء أنهم يقولون به ، وهو باطل ، من قبل < أنه » يبطل أيضا الإمعان إلى مالا نهاية » - > [١١٦ أ= ١١٢ أ] : يريد : أن كان ظاهرا أن هذه المقدمات لا تظهر بالبرهنة بل معروفة < بأنفسها بأنها هى > مبادئ البرهان بالطبع ، فليس كل شئ يقوم عليه البرهان . ولا يمكن أن يحمل شئ على شئ إلى غير نهاية . ثم قال : « فإن وجود أحد هذين - أيهما اتفق » - ليس هو أكثر مما يتوجب أن مقدمات البرهان كلها ذوات أوساط ، وأنه ليس فى مقدمات البرهان مقدمة غير ذات وسط » يريد ، فيما أحسب ، بأحد الأمرين : وضع الواضع أن الحمل يمعن فى البراهين إلى غير نهاية ، والثانى : وضع الواضع أن البرهان يقوم على كل شئ . وذلك أن كل واحد من هذين الوضعين يلزم عنه ، ليس بأكثر مما يلزم عن صاحبه ، أن تكون الأوساط فى البراهين تمر إلى غير نهاية وألا توجد مقدمات غير ذوات أوساط . وقوله : « وهذا بأن يكون بين كل حدين حد أوسط ، لا كيف اتفق ، لكن بأن يكون للحدين شركة ، لا لأحدهما حسب » - يريد : وهذا الوضع ، أعنى قول القائل إنه لا يمكن أن توجد مقدمة غير ذات وسط ، أو أن الحمل يمر إلى غير نهاية ، بوجب أن يكون بين كل حدين أخذا فى القياس حد أوسط ، أو بين ذلك الحد المأخوذ وأحد الحدين حد آخر ، ويمر الأمر إلى غير نهاية ؛ لكن ليس كيفما اتفق أن يؤخذ الحد المتوسط بغرض قياس ، بل وأن يكون مشاركا ، لا لواحد من الطرفين ، بل لكليهما . وإنما اشترط فيه كونه مشاركا لكلا الطرفين ، لأن بذلك يبين وجود أحد الحدين للآخر . ثم قال : « وفى البيان الذى قد مضى كفاية فى أنه لو كان الإمعان إلى مالا نهاية يمكن ، لقد كان يمكن أن يوجد بين كل حدين أوساط لا نهاية لها » . وهذا اللزوم الذى قاله ظاهر بنفسه ، وذلك أن الذى يضع أن الإمعان فى الحمل الى فوق وإلى أسفل يمكن إلى غير نهاية ، فهو يضع أنه يمكن أن توجد بين كل حدين أوساط لا نهاية لها . وذلك أن الذى يأخذ بين [ احد] حدين حدا أوسط ، وبين ذلك الحد الأوسط المأخوذ وأحد الحدين حدا أوسط آخر ، يمر ذلك إلى غير نهاية ، فهو يضع ضرورة إمعانا فى الحمل على حد واحد إلى غير نهاية . ولما كان هذا اللزوم منعكسا ، وهو أنه إن كان بين كل حدين حد أوسط ، أن يكون الامعان إلى مالا نهاية فى الحمل ممكنا - قال : « لكن هذا غير ممكن ، إذ كان الإمعان من كلا الطرفين يقف وينقطع » - يريد أنه إن كان الإمعان فى الحمل لا يمر إلى غير نهاية ، فليس يمكن أن يوجد بين كل حدين حدود وسطى لا نهاية لها . ثم قال : فقد تبين فى كلا البيانين : المنطى والبرهانى : أما المنطقيى فآنفا ، وأما البرهانى فالآن ، أن مبادئها تقف وتنقطع » - يريد : فقد تبين من كلا البيانين اللذين أتينا بهما ، أعنى [١١٦ ب = ١١٢ب ] البيان المنطقى الذى أتينا به قبل ، وهو البيان الذى يعم القياس المنطقى والبرهانى ، والبيان البرهانى الذى يخص القياس البرهان الذى أتينا به الآن ، أن مبادئ البرهان تنتهى إلى مبادئ معروفة بنفسها ، أى غير معروفة بحد أوسط .
٢٣ - < لوازم >
Página 472