قال أرسطاطاليس : « والجهل الذى لا على جهة السلب ، لكن كالحال والصورة ، فإنه اختداع يكون بطريق القياس . وهذا فقد يعرض فى الأشياء ، التى وجودها ولا وجودها بغير وسط ، على ضربين : أحدهما هو أن يتوهم الانسان وجوده ولا وجوده توهما مجردا . والأخر أن يكون توهمه ذلك بطريق القياس . فأما التوهم البسيط فإن الاختداع فيه يكون بسيطا . وأما الاختداع الذى يكون بقياس فإن تفننه كثير ، بمنزلة ما تكون أغير موجودة لشىء من ب بغير وسط ، فبين إنسان أن أموجودة ل ب بطريق القياس ، بوسط هو ب ، فإنه يحصل جاهلا بذلك السلب بطر يق القياس . » التفسير لما بين الإيجاب الأول والسلب الأول ، وكان قد يعرض فيما كان موجبا أو سالبا الغلط من قبل القياس ، وذلك فيما كان منها معروف الايجاب بنفسه أو السلب ، أو كان ذلك معروفا فيهما بقياس - أراد أن يعرف ضروب المقاييس العارضة فى ذلك . وابتدأ أولا بتعريف < ما > يسمى الجهل ، فقال : « والجهل الذى لا على جهة السلب ، لكن كالحال والصورة ، فإنه اختداع يكون بطريق القياس » - يريد : ولما كان الجهل صنفين : الجهل الذى يكون على طريق العدم ، وهو ألا يكون عنده [٨١ أ]* فى المطلوب اعتقاد أصلا ، والجهل الذى على طريق الملكة والصورة ، وهو أن يكون عنده فى المطلوب اعتقاد خطأ . فبين أن الجهل الذى لا يكون على طريق السلب - أعنى الجهل الذى هو عدم المعرفة ، بل على طريق الملكة والصورة ، أعنى الذى هو اعتقاد خطأ - ان الخدعة والغلط الذى يعرض فى هذا الجهل إنما يعرض من قبل قياس ما أو شبهة ، وذلك فى الأشياء التى ليست معروفة بنفسها . ولما كان هذا النوع من الغلط قد يعرض فى الأشياء البينة بأنفسها ، أعنى أن يعتقد فيما هو معروف أنه موجود : أنه غير موجود ، وبالعكس ، أعنى أن يعتقد فيما ليس بموجود : أنه موجود . وقد يعرض فى الأشياء المعروفة بوسط ، أى بقياس ، وكان يعرض فى المعرفة على نوعين : بقياس ، وبغير قياس - قال : وهذا يعرض فى الأشياء التى وجودها ولا وجودها بغير وسط » - يعنى أن الغلط العارض فى الأشياء البينة بأنفسها على ضربين : أحدهما أن يتوهم الإنسان < فى شىء > إيجابه أو سلبه توهما من غير قياس ، والأخر بقياس . وإذا كان هذا هكذا ، فإما أن يكون قوله فى الغلط الذى على طريق الملكة فى أول القول إنه اختداع يكون بقياس : قولا ظاهره كلى والمراد به جزئى ، وعول فى ذلك على ما قاله بعد إن هذا الغلط : منه بسيط ، وهو الذى يكون بغير قياس ، ومنه غير بسيط وهو الذى يكون بقياس . وإما أن يكون قوله الأول فى الغلط الذى يعرض فى الأشياء التى ليست معروفة بنفسها ، وذلك أنه يظن أن هذه لا يعرض فيها غلط إلا من قبل القياس . وقوله : « فأما التوهم البسيط فإن الانخداع فيه يكون بسيطا » - يعنى بالتوهم البسيط : الذى لا يكون عن قياس . وإنما سماه بسيطا لأنه ليس يكون نتيجة ، والنتيجة كأنها مركبة من المقدمات . وقوله : « وأما الانخداع الذى يكون بقياس فإن تفننه كثير» - يريد أن الغلط الذى يعرض عن قياس فهو يعرض على وجوه شتى ؛ وهو يروم إحصاء هذه الوجوه . ولما ذكر أن الغلط الذى يكون عن قياس يتفنن ، شرع فى تمثيل ذلك بالحروف فقال : « بمنزلة ما تكون أغير موجودة لشىء من ب بغير وسط ، فين إنسان أن أموجودة ل ب بطريق القياس بوسط هو ج ، فإنه يحصل جاهلا بذلك السلب بطريق القياس » - يريد : مثال أن يعرض ما عليه علامة أمثلا أن تكون مسلوبة فى الوجود عما عليه علامة ب ، فيعرض لإنسان أن يظن أن أموجودة ل ب من قبل وسط ظنه جامعا بينهما ؛ فإنه يكون جاهلا بهذا السلب بقياس فاسد . قال أرسطاطاليس : « فأما مقدمتا القياس فيمكن أن تكونا كاذبتين . ويمكن أن تكون إحداهما فقط ، بمنزلة أ[٨١ ب] غير موجودة لشىء من ب ، وج غير موجودة لشىء من ب ، فيقلبان جميعا ويؤخذان بالعكس ، فإنهما بيعا على هذا الوجه يكونان كاذبين . فإنه يمكن أن تكون صورة ج عند أ، وعند ب هذه الصورة وهى : ألا تكون موجودة فى أ، ولا تكون على ب بالكلية ، فإن ب غير ممكن أن تكون موجودة فى شىء ألبتة من قبل أن أقد فرضت غير موجودة لشىء منها أولا . وأما أفليس من الاضطرار أن تكون موجودة لجميع الأمور . فقد بان كيف تكون المقدمتان كاذبتين . » التفسير لما بين أنه يمكن أن يعرض الغلط عن قياس ، فيعتقد فيما هو مسلوب عن شىء ما أنه موجود له ، وبالعكس ، أخبر أن ذلك يعرض بجهتين : إحداهما أن تكون كلتا المقدمتين كاذبتين ، والجهة الثانية أن تكون الواحدة منهما هى الكاذبة وهى قوله : « فأما مقدمتا القياس فيمكن أن تكونا كاذبتين ، وبمكن أن تكون إحداهما » . ثم أخذ يمثل كيف يعرض أن تكونا كاذبتين . وقد كان أخذ - كما قلنا - بدل الطرف الأكبر : أ، وبدل الطرف الأصغر : ب ، ومكان الحد الأوسط : ج ، فقال : بمنزلة أغير موجودة لشىء من ج ، وج غير موجودة لشىء من ب ، فيقلبان جميعا » - يريد : وذلك يعرض إذا كانت أمسلوبة عن ب سلبا أوليا ، وكانت أيضا مسلوبة عن شىء ما آخر . كأنك قلت : ما عليه علامة ج ، وكان ذلك الشىء الأخر مسلوبا عن ب . فغلط فيهما غالط فقلبهما جميعا ، أى صير السالبتين موجبتين ، أعنى أنه اعتقد أن أمحمولة على كل ج ، وأن ج محمولة على كل ب ، فإنه يجب أن يعتقد عن هاتين المقدمتين أن أموجودة لكل ب ، وهو ضد الحق . ويكون كذب هذا نتيجة لكون المقدمتين كلتيهما كاذبتين . وقوله : « فإنه يمكن أن تكون صورة ب عند أ، وعند ب هذه الصورة وهى ألا تكون موجودة فى أولا تكون على ب بالكلية » : وإنما كان هذا النحو من الغلط ممكنا ، لأنه يمكن أن يكون شىء ، وهو الذى عليه علامة ج مثلا الذى اعتقد فيه أنه حد أوسط حاله عند أوعند ب اللذين هما الظرفان حاله هذه الحال ، أعنى ألا يكون موجودا فى أالذى هو الطرف الأكبر ، ولا يكون محمولا على ب الذى هو الطرف الأصغر بالكلية ، أى لا تكون ح كلتا ل ب لما فرض من أن أمسلوبة من ب سلبا أوليا . فلو كانت ج كليا ل ج - لما كان ذلك السلب أوليا . وقوله : « فإن ب غير ممكن أن تكون موجودة فى شىء ألبتة من قبل أن أقد فرضت [٨٢ أ] غير موجودة لشىء منها أولا » - يريد : وإنما وجب ، متى أخذ شىء ما غيرهما ، أن يكون مسلوبا عنهما جميعا ، أو عن أحدهما ، من قيل أنه غير ممكن أن تكون ب فى شىء ألبته مما توجد فيه أ. فإنه لو كان ذلك كذلك ، لكانت أفى شىء من ب ، وقد وضعت ولا فى شىء منها - هذا خلف لا يمكن . وقوله : « وأما أفليس باضطرار أن تكون موجودة لجميع الأمور» التى تسلب عنها ب لم يمتنع أن يوجد شىء مسلوب عنهما جميعا . فإذا أخذ على القلب ، أعنى على الإيجاب عليهما ، أنتج ايجاب أعلى كل ب . وإنما أراد بذلك ليبين أنه ليس واجبا أن تكون إحدى المقدمتين هى الكاذبة ، ولذلك قال : « فقد بان كيف تكون المقدمتان كاذبتين » - أى : فقد بان من قبل طبيعة الموجودات ، كيف يمكن ذلك . قال أرسطاطاليس : « وأيضا يمكن أن تكون إحدى مقدمتى القياس صادقة ، سوى أنه ليس أى المقدمات كانت ، لكن الكبرى فيهما وهى أج . وأما الصغرى ، وهى مقدمة ج ب ، فإنها على الإطلاق كاذبة ، [ 80 a]* من قبل أن ب غير ممكنة أن توجد فى شىء . فأما أج فقد يمكن . وذلك بمنزلة ما تكون أموجودة لكل ج وهى ولا على شىء من ب بغير ذات وسط هذا هكذا ، سواء كانت المقدمات ذات وسط ، أم كانت غير ذات وسط ، فإن على سائر الوجوه : الكبرى صادقة ، والصغرى كاذبة دائما . وهذا يكون متى كان أحد الحدين يقال على أشياء كثيرة ، ويكون الوسط ولا على شىء من الأصغر لهذا الوجه فقط يقع الاختداع فى الإيجاب الكلى . والقياس عل الإيجاب الكلى لا يكون بغير هذا الشكل . » التفسير إنما لم يمكن أن تكون المقدمة الكبرى هى الكاذبة ، والصغرى هى الصادقة لأنه إذا كانت الصغرى هى الصادقة ، كان الطرف الأصغر الذى هو ب داخلا تحت الحد الأوسط الذى هو ب فيجب أن يكون إنما سلب أعن ب بوساطة ج . وقد كنا فرضنا أن أمسلوبة عن ب بغير واسطة - هذا خلف لا يمكن ، وهو الذى أراد بقوله : « من قبل أن ب غير ممكنة أن توجد فى شىء » - يريد : وإنما لم يمكن أن تكون الصغرى هى الصادقة ، من قبل أنه غير ممكن أن تكون داخلة تحت شىء ما ، أى تحت كلى ، وذلك الكلى مسلوب عنه أ، وتكون أمسلوبة عن ب سلبها أوليا ، أى بغير وسط . وقوله : « فأما ج فقد يمكن » - يريد : فأما أن تكون أموجودة لكل ج ، أى تكون ح منطوية تحتها وجزءا منها وتكون هى مسلوبة عن ب سلبا أوليا - فقد يمكن ذلك . وهو الذى أراد بقوله : « بمنزلة ما تكون أمحمولة على كل ب ، وهى محمولة ولا على شىء من ب بغير ذات وسط ، سواء كانت المقدمة ذات وسط ، أم كانت غير ذات وسط ، يعنى أن المقدمة الكبرى يعرض لها إذا كانت صادقة فقط أن يكون الطرف الأكبر مسلوبا عن الأصغر سلبا أوليا ، سواء كانت المقدمة الكبرى بوسط أو بغير وسط . وذلك أنه إن كانت بوسط ، كانت ح منطوية تحتها ككونها منطوية تحتها بغير وسط . فأمكن أن تسلب عن ب سلبا أوليا. وقوله : « فإن على سائر الوجوه ، الكبرى صادقة والصغرى كاذبة » - يريد : يتساوى الأمر فى كون الكبرى ذوات وسط ، أو غير ذوات وسط . وذلك أن الكبرى توجد على جهتين : إما بلا وسط ، وإما بوسط . وإن كانت بوسط فإما واحدا ، وإما أكثر من واحد . ولذلك اخرج القول مخرج الجمع ، لا مخرج التثنية فقال : « فإن على سائر الوجوه : الكبرى صادقة والصغرى كاذبة » . وقوله : « وهذا يكون متى كان أحد الحدين يقال على أشياء كثيرة ، ويكون الوسط ولا على شىء من الأصغر » - يريد : وإنما يعرض أن تكون المقدمة الكبرى صادقة ، والصغرى كاذبة ، متى كان الأكبر يحمل على أشياء كثيرة ، تؤخذ تلك الأشياء حدودا وسطا ، ويكون الحد الأوسط مسلوبا عن الأصغر . فإنه متى أخذت السالبة موجبة ، عرض فيما كان سالبا أن ظن موجبا . ويحتمل أن يقصد بقوله : « متى كان يقال على أشياء كثيرة » الإعلام بالجادة التى يعرض فيها أن تكون المقدمة الكبرى الصادقة ذات وسط . وذلك أن قوله « متى كان أحد الحدين يحمل على أشياء » إن فهمنا منه أنها فى مرتبة واحدة ، كان التفسير الأول . وإن فهمنا منه أن تلك الأشياء الكثيرة بعضها تحت بعض ، أعنى إن فهمنا منه الترتيب ، كان التفسير الثانى . وقوله : « فبهذا الوجه يقع الاختداع فى الإيجاب الكلى » - يريد أن الخدعة فى السلب الأول إنما تقع من الوجهين فقط ، أعنى أن تكون المقدمتان كاذبتين ، أو الصغرى كاذبة فقط . والقياس بالإيجاب الكلى لا يكون بغير هذا الشكل ، يريد أن الخدعة فى السلب الكلى إذا ظن به أنه موجب كلى ، ليس يكون الا فى الشكل الأول ، إذ كان الموجب الكلى لا ينتج إلا فى الشكل الأول . قال أرسطاطاليس : « أما القياس على السالب الكلى فإنه يكون فى [٨٣ أ] الشكل الأول فى الأوسط . فلنخبر أولا على كم ضرب يكون فى الشكل الأول ، وبأى حال تكون المقدمات . وذلك أنه ممكن أن يكون قياس على ذلك . وكلتا المقدمتين كاذبتان ، بمنزلة ما تكون أموجودة ل ج ول ب بغير وسط . فإذا أخذت أولا على شىء من ب ، وأخذت ج لكل ب ، فإن كلتا المقدمتين كاذبتان . » التفسير لما بين كيف يعرض الغلط فى السالب الكلى الأول من قبل القياس ، حتى يظن به أنه موجب كلى ، وفى أى شكل يعرض ، وعلى كل جهة يعرض - أخذ يبين كيف يعرض عكس هذا ، أعنى أن يطن فى الموجب الكلى أنه سالب . واستفتح أولا فعرف الأشكال التى يقع فيها هذا الغلط ، فقال إنه يقع فى شكلين فى الأول ، وفى الوسط ، بخلاف الغلط فى السالب ، فإنه لا يقع إلا فى شكل واحد فقط ، وهو الأول . ولما أخبر أنه يقع فى شكلين قال : « فلنخبر على كم ضرب يكون فى الشكل الأول » - يعنى بالضروب : كون المقدمتين كاذبتين ، أو كون إحداهما كاذبة . وقوله : « بأى حال تكون المقدمات » - يعنى : فى كون كلتيهما كاذبة أو إحداهما . وقوله : « وذلك أنه ممكن أن تكون كلتا المقدمتين كاذبتين » إلى آخر قوله - يريد : وذلك أنه ممكن أن تكون كلتا المقدمتين كاذبتين بأن يوجد شىء ما موجودا لشيئين بغير وسط . وذلك الشيئان غير موجود أحدهما للآخر ، بمنزلة حال الأجناس مع الأنواع التى تحتهما . فإذا سلب سالب الجنس عن أحد نوعيه ، وحمل ذلك النوع على ذلك النوع الأخر، فإنه يعرض له أن ينتج سلب الجنس عن النوع . مثال ذلك إن أخذ آخذ أنه : ولا بغل واحدا حيوان ، وأخذ أن كل حمار بغل ، فإنه ينتح ولا حمار - واحدا حيوان وهى سالبة كلية كاذبة بالكل ، مقابلة لموجبة كلية صادقة بغير وسط . وهى لازمة عن مقدمتين كاذبتين بالكل . وهذا أراد بقوله : « بمنزلة ما تكون أموجودة ل ج ول ب بغير وسط » - يريد : وتكون ج غير موجودة ل ب . فإذا أخذ أن أالتى هى الجنس ، أعنى الطرف الأكبر : ولا على شىء من ج ، الذى هو أحد النوعين ، وأخذ ج الذى هو النوع الأخر ، على كل ب الذى هو النوع الثانى ، وهو الطرف الأصغر- فبين أنه ينتج فى الشكل الأول أن أليست على شىء من ب ، أعنى أن الجنس ليس فى أحد نوعيه ، وهو كذب يقابل الصادق الذى بغير وسط . قال أرسطاطاليس : « وأيضا فقد يمكن أن تكون احدى مقدمتى القياس كاذبة ، أيهما كانت . وذلك أنه يمكن أن تكون أب صادقة ، وج ب كاذبة . وصدق أج من قبل أن أليست موجودة لجميع الأشياء ، وكذب ج ب
Página 389