Explicación del Libro de la Prueba

Averroes d. 595 AH
15

Explicación del Libro de la Prueba

شرح كتاب البرهان

Géneros

Lógica

والسؤال والقياس والمقدمة المأخوذة من النقيض لا تباين بينها ولا خلاف . فأما المقدمات الداخلة . فى علم علم ، المتناسبة ، الخاصية بواحد واحد ، التى منها يكون البرهان على أمر أمر من الأمور ، فقد تقلب فتجعل سؤالا . » التفسير يقول إن الفرق بين صناعة الجدل وصناعة الحكمة ، وإن كانت تشتركان فى النظر فى الأمور العامة - أن صناعة الجدل ليس تقصد لفحصها غاية معروفة سوى الغلبة ، وصناعة الحكمة تقصد غاية معروفة وهى معرفة الموجودات بأقصى أسبابها وبما هى به موجودة . وأيضا فإن صناعة الجدل ليس لها موضوع خاص ، وصناعة الحكمة لها موضوع خاص ، وهو الموجود المطلق ، أعنى : بما هو موجود . وأما صناعة الجدل فإنها تنظر فى الموجود بأي وجود اتفق ، من قبل أنها إنما تنظر فى الموجودات من قبل الشهرة ، والشهرة تلحق الموجود المطلق كما تلحق المقيد . فهى تنظر فى جميع موضوعات الصنائع البرهانية الجزئية والكلية منها ، التى هى الحكمة ولما ذكر أن صناعة الجدل ليست تؤم غرضا محدودا ، ولا لها موضوع محدود ، أتى بالدليل على ذلك فقال : « وإلا فما بالها تتعرض بأن تقتضب مقدماتها من السؤال وتتصيدها من المسئول » - يريد : وكونها لا موضوع لها محدود ولا غرض محدود هو العلة فى أن تأخذ مقدماتها التى تضعها فى قياسها بحسب ما يسلم المسئول من ذلك ، لا بحسب الأمر نفسه . وإلا ، فأى علة هى علة فعلها هذا الفعل ؟ ! وكأنه أراد أن هذا الفعل منها يدل على أنه ليس لها موضوع محدود ولا غرض محدود فى الطلب ، أعنى محدودا فى نفسه خارج الذهن . ولفظ : « الاقتضاب » يدل على أخذ المقدمات متسلمة . وقد يستعمل دلالة على المصادرة ، وقد يستعمل دلالة على أخذ المقدمات على جهة الجدل . - وأما قوله : « ويتصيدها » فهو لفظ مستعار وذلك أن السائل لما كان يناقض المسئول ويختدعه فى تسليمه المقدمات التى ينتفع لها فى إبطال ما قصه إبطاله ، سمى هذا الفعل : تصيدا ، إذ كان التصيد هو فعل مع ختل ومغافصة ثم قال : « والمبرهن ليس هكذا صورته ، إذ كان ليس يستعمل طرفى مناقضة فى تبيين مطالبة ، لأن مطلوبه الذى يروق تبيينه واحد . وهذا أمر قد شرح فى « القياس » - يريد : والمبرهن فليس يأخذ مقدماته بهذا الوجه ، أعنى بالسؤال ، إذ كان الذى من شأنه أن يأخذ المقدمات بهذا الوجه يستعمل فى أقيسته طرفى المتناقضين ، أعنى مرة فى قياس ، ومرة فى قياس . إذ كان المجيب قد يسلم بالأضافة إلى مطلوب ما - شيئا ما . وقد يسلم نقيضه فى حين آخر . والمبرهن ليس يستعمل فى قياسه طرفى النقيض ، إذ كان قصده الصادق منهما . وهذا هو الذى أراد بقوله : « لأن مطلوبه الذى يروم تبيينه واحدا » - يعنى الصادق . وقوله : وهذا أمر قد شرح فى كتاب [٦١ ب ] « القياس » - يعنى أنه قد تقدم بعض القول هناك فى الفرق بين المقدمة البرهانية والجدلية ؛ واستيفاء ذلك فى كتاب « الجدل » . وقوله : « والسؤال والقياس والمقدمة المأخوذة من النقيض لا تباين بينهما ولا خلاف « - يعنى فى الصناعتين الجدلية والبرهانية . وذلك أنه لا فرق بين القياس الجدلى والبرهان في صورته . وكذلك لا فرق بينهما فى أن كل واحد منها إنما يقتصر عل أحد جزئى النقيض فيثبته ويبطل الأخر . وهو الذى أراد بقوله : « والمقدمة المأخوذة من النقيض » - يعنى أن كلتا الصناعتين تستعمل المقدمة القائلة إن النقيضين لا يجتمعان معا ، كما يستعمل القياس الصحيح الشكل ، أعنى المنتج وقوله : فأما المقدمات الداخلة في علم علم ، المناسبة ، الخاصية بواحد واحد التى منها يكون البرهان على أمر من الأمور ، فقدم تقلب فتجعل سؤالا » - يريد أنه قد يبتدئ المعلم فيضعها للمتعلم وضعا من غير أن يسأله عنها لعلمه باعترافه بها . وقد يسأله عنها على جهة التبصرة والتقرير فى نفسه . فهذا هو الذى أراد بلفظ « القلب » - أى يقلبها من الخبر إلى السؤال . وقوله : « الخاصية بواحد واحد » - يعنى : بطبيعة طبيعة من طبائع موضوعات الصنائع . وقد تبين أن المقدمات البرهانية هذه هى صفتها . قال أرسطاطاليس : « وظاهر أن المهندس لا ينبغى أن يجيب عن أى مسئلة سئل ، ولا الطبيب أيضا ، وكذلك يجرى الأمر فى علم علم . لكن إنما ينبغى للمهندس أن يجيب إذا سئل عن التأثيرات اللازمة للأمور الهندسية [ 77 b]* ، أو عن التأثيرات اللازمة للأشياء التى هى أعلى من صاحب الهندسة ، بمنزلة علم المناظر . وكذلك ينبغى لصاحب علم علم . والكلام فى المسائل المناظرية وتوفية العلل لها ينبغى أن يكون تعرض المهندس لها على أنها متعلقة بموضوعه . » التفسير يقول : وظاهر مما قيل فى شروط المطالب البرهانية والمقدمات البرهانية إذا وضعنا أن المبرهن قد يسال أنه ليس ينبغى له أن يجيب عن أى مسألة سئل . مثال ذلك أن المهندس ليس ينبغى أن يجبب عن أى مسألة سئل عنها فى الهندسة ، ولا الطبيب أيضا ، ولا واحد من سائر أهل العلوم . وكذلك لا يجب عليه أن يطلب أى مسالة اتفقت . والسبب فى هذا الذى قاله أن المطالب البرهانية والمقدمات ينبغى أن تكون ذاتية . وقد يعرض لموضوع المهندس أشياء كثيرة غير ذاتية . فمتى سئل المهندس لم يجب عليه أن يجيب فيها . مثل أن يسال : هل الشكل المستدير أحسن ، أم المستقيم ؟ وقوله : « لكن إنما ينبغى للمهندس أن يجبب إذا سئل عن التأثيرات اللازمة [٦٢ أ] للأمور الهندسية ، يعنى الأعراض الذاتية للموضوع نفسه الذى ينظر فيه . وقوله : « أو عن التأثيرات اللازمة للأشياء التى هى أعلى من صاحب الهندسة بمنزلة علم المناظر » - كذا وقع فى النسخة التى < يجرى النقل > منها . وصوابه * . أن يقرأ : « التى < هى أسفل > من صاحب الهندسة بمنزلة < علم > المناظر - إن لم يفهم من « الأعلى » الأشرف ، إذ كان علم الهندسة فوق علم المناظر ، وعلم المناظر تحته . ومعنى هذا أن المهندس يسأل عن أسباب الأشياء الظاهرة فى علم المناظر من جهة أنها أسباب لها . وإنما يصح ذلك إذا سئل عنها من جهة ما هى نتائج عنده ، فسأله عنها صاحب علم المناظر ليضعها هو أسبابا ومقدمات . ولذلك قال : « والكلام فى المسائل المناظرية وتوفية العلل لها ينبغى أن يكون تعرض المهندس لها على أنها متعلقة بموضوعه » ، أي إنما يسال عنها المهندس صاحب علم المناظر مثلا من قبل أنها نتائج لموضوعه لازمة . ونجد مكان هذا الفصل فى ترجمة أخرى : « فبين أنه لا تكون كل مسئلة مساحية ولا طبية ، وكذلك فى الأخر ، بل من التى إما أن تبرهن شيئا ما بما تنظر فيه المساحة ، أو من التى تبرهن بالمساحة ، مثل أمور المناظر ، وكذلك فى الأشياء الأخر . وأما فى هذه فإنه يمكن أن يعطى علة من الأوائل المساحية والنتائج . » وهذا المعنى الذى شرحنا به هذا الفصل هو فى هذه الترجمة ظاهر . فقوله : « بل من التى إما أن تبرهن فيه المساحة ، أو من التى تبرهن بالمساحة » - هو بدل من قوله فى الترجمة الثانية : « لكن إنما ينبغى للمهندس أن يجيب إذا ما سئل عن التأثيرات اللازمة للأمور الهندسية ، أو غير التأثيرات اللازمة للأشياء التى هى أسفل من صاحب علم الهندسة بمنزلة علم المناظر » . وقوله : « وأما فى هذه فإنه يمكن أن يعطى علة من الأوائل المساحية والنتائج » - يعنى به أن كل ما تحت علم الهندسة فإنه يمكن صاحبها أن يعطى فى صناعته العلل من قبل الأمور التى هى في علم الهندسة : إما أوائل ، وإما نتائج . وبدل هذا هو الذى قيل فى الترجمة الثانية : « والكلام فى المسائل المناظرية وتوفية العلل لها فينبغى أن يكون تعرض المهندس لها على أنها متعلقة بموضوعه » . قال أرسطاطاليس : « والكلام فى مبادئ صناعة الفلسفة للمهندس ألا يتعاطاه بما هو مهندس . وكذلك صاحب علم علم ماعدا الهندسة . فواجب إذن ألا يسأل كل واحد من العلماء عن أى شىء اتفق ، ولا أيضا ينبغى أن يجيب عن أى شىء اتفق . لكن إنما يجب أن يصدر منه الجواب إذا سئل عن أشياء تخص صناعته وعلمه . ولذلك ما إذا صودف الانسان يجارى المهندس ويفاوضه فى أمر من الأمور الهندسية ويستعمل فى مجاراته بيانات هندسية يستنبل فعله [٦٢ ب ] ويستصوب . وأما إن سلك غير هذه الطريق ، لم يكن ذلك الفعل منه بالصواب . » التفسير لما كان صاحب كل صناعة إنما يجب عليه أن يفحص عن الأمور الذاتية التى تخص موضوع صناعته ، وكانت موضوعات الصنائع مختلفة ، فواجب ألا يفحص صاحب صناعة عما يفحص عنه صاحب صناعة أخرى ، ولا يستعمل من المبادئ ما يستعمل غيره ، اللهم إلا على الجهة التى سلف القول ، وذلك إذا كانت إحدى الصناعتين تأخذ مبادئها من صناعة أخرى . وأما إذا لم يكن هذا الاشتراك بين الصناعتين ، فإنه لا يشترك الناظرون فيها ولا بجهة من الجهات ، مثل حال علم الهندسة مع علم الفلسفة . ولذلك قال : « والكلام فى صناعة الفلسفة ينبغى للمهندس ألا يتعاطاه بما هو مهندس ، وكذلك صاحب علم علم ما عدا الهندسة » - أى لا يتعاطى المهندس الكلام فى شىء غير الهندسة . وما يقوله فى هذا الفصل مفهوم بنفسه . وقوله : « ولذلك ما إذا صودف الإنسان . . » إلى قوله : . . لم يكن ذلك الفعل منه صوابا » - هي حجة مشهورة أردفها بالحجة اليقينية ، على عادته فى إرداف البيانات البرهانية بالمشهورة . قال أرسطاطاليس : « ومعلوم أن المهندس ليس يمكنه أن يكشف على هذا الوجه ، إلا أن يكون التكشف يلحقه بطريق العرض . فيجب - على هذا القياس - ألا يجرى الكلام فى الهندسة مع قوم لا خبرة لهم بهذه الصناعة : فإنه إذا فعل الإنسان ذلك ، تجرى المناظرة مجرى غير مستقيم وتلحقه الحيرة . وكمثل صناعة الهندسة ، كذلك سائر العلوم . أفترى قد تطرأ على المهندس أيضا مسائل غير هندسية ، وفى علم علم من العلوم قد تكون مسائل بلا علم ؟ وإن كان ذلك : أفترى لا علم فيها خاص جاء من قبل صورة القياس أو من قبل مادتة ؟ والمسائل الغير الهندسية هل تعلقها إنما هو بصناعة الهندسة ? أم إنما تعلقها بصناعة أخرى ، بمنزلة ما يسأل المهندس عن مسئلة موسيقية ، وبمنزلة ما يسأل : أليس الخطوط المتوازية تلتقى والسؤال : له ، بوجه ، تعلق بصناعة الهندسة ، وبوجه آخر : لا تعلق له . » التفسير قوله : « ومعلوم أن المهندس ليس يمكنه أن يكشف على هذا الوجه إلا أن يكون التكشف يلحقه بطريق العرض » - يريد أن المهندس ليس يمكنه أن يتكلم فى المسائل التى ليست تخص صناعته ، ولا أن يكشف عن الصواب فيها من الخطأ ، إلا أن يكون ذلك بطريق العرض له ، لا بما هو مهندس . وذلك يكون إذا عرض للمهندس أن يكون عنده علم بالذى [٦٣ أ] تلك المسالة خاصة به ، أى من جهة ما يكون صاحب صناعة أخرى . فهذا هو الذى أراد بقوله : « بطريق العرض » . ثم قال : « فيجب - على هذا القياس - ألا يجرى الكلام فى الهندسة مع قوم لا خبرة لهم بصناعة الهندسة » - يريد : إذا ثبت أن المهندس لا يجب له أن يفحص عن الأشياء العرية من صناعته ، فقد يظهر منه أنه يجب ألا يتعاطى الكلام فى الهندسة مع من ليس بمهندس ، فإن تعاطى الكلام يحركه إلى أن يتكلم بأمور عرية عن الهندسة ، وذلك يفيده - كما قال - حيرة وتضليلا . والسبب فى ذلك أن الإنسان إذا نظر فى شىء ما من قبل الأعراض الغريبة الغير ذاتية ، أوجبت له الشىء ومقابله فى الشيء الواحد بعينه ، فيقع في حيرة وتضليل . ولما أوصى المهندس بهذه الوصية ، أعلم أنها عامة لجميع أصحاب العلوم . وقوله : « أفترى قد يطرأ على المهندس أيضا مسائل غير هندسية وفى علم علم من العلوم » - يريد : أترى كما قد تكون فى الهندسة مسائل هندسية ، كذلك تكون فيها مسائل غير هندسية ، وكذلك فى علم علم ، أعنى أنه يكون فيها مسائل صواب ، ومسائل هى خطأ . وقوله : « قد تكون مسائل بلا علم » - يعنى : يسلب منها العلم المنسوب إلى تلك الصناعة إما على طريق العدد ، وإما على طريق السلب المطلق . فإن كانت هندسية ، قيل فيها إنها لا هندسية ؛ وإن كانت طبيعية ، قيل فيها إنها لا طبيعية . ولما شك في هذا الشك ، وسأل هذا السؤال فى الصنائع العلمية ، سأل سؤالا آخر فقال : « وإن كان ذلك ، أترى لا علم فيها خاصى من قبل صورة القياس ، أو من قبل مادته » - يريد : إن كانت توجد مسائل كاذبة فى علم علم ، وهى التى يقال فيها إنها لا علم فى تلك الصناعة ، بمعنى العدل ، فهل الكذب العارض فيها هو شىء عرض فى الصناعة من قبل الغلط فى القياس ، أعنى فى صورته أو من قبل الخطأ فى مقدماته ؟ ولما سأل هذين السؤالين ، سأل سؤالا ثالثا فقال : « والمسائل الغير هندسية هل تعلقها إنما هو بصناعة الهندسة ، أم إنما تعلقها بصناعة أخرى ؟ » - يريد : والمسائل التى ليست منسوبة إلى تلك الصناعة ، مثل المسائل الغير هندسية فى صناعة الهندسة ، هل بيانها إنما هو مما يخص الناظر فى ذلك العلم ، أم مما يختص بصناعة أخرى ، مثل المسألة التى يقال فيها إنها غير هندسية ، لأنها خطأ فى الهندسة ، مثل المسألة القائلة أن الخطوط المتوازية أذا خرجت إلى غير نهاية التقت . وهذا هو الذى دل عليه بقوله : « بمنزلة ما يسأل المهندس عن مسئلة موسيقية » - يريد أن هذه يقال فيها أنها لا هندسية [٦٣ ب ] ثم قال : « وبمنزلة ما يسأل : أليس الخطوط المتوازية تلتقى ؟ » -يريد أن هذه مسألة يقال فيها : « لا هندسية » من قبل الكذب الذى فيها . ولما كان ظاهرا أن التى يقال فيها إنها « لا هندسية » بمعنى أنها من صناعة أخرى ، فإن الجواب فيها هو من صناعة أخرى - أخبر كيف الحال فى المسائل التى يقال فيها مثلا إنها غير هندسية بالوجه الثانى وهى المسائل التى تكون فى الصنائع من الأمور الذاتية ، مثل أن يسأل المهندس أن الخطوط المتوازية تلتقى ، فقال : « وهذا السؤال له - بوجه - تعلق بصناعة الهندسة ، وبوجه آخر لا تعلق له » - يريد : وهذا النوع الثانى من المسائل التى يسلب منها نسبتها إلى تلك الصناعة ، من قبل الكذب الذى فيها ، هى - بوجه ما - هندسية ، و- بوجه ليست هندسية . أما كونها هندسية فلأنها مؤلفة من أمور هندسية ؛ وأما غير هندسية فكونها كاذبة . وأما المسائل التى هى مؤلفة من أمور غير هندسية فليس تسلب عن الهندسية إلا سلبا عاما . قال أرسطاطاليس : « وحال المسائل الغير هندسية فى كونها على ضربين كحال الصوت . فإنما نقول مسئلة غير هندسية للتى لا تعلق لها بالصناعة الهندسية جملة ، بمنزلة ما نقول فى بعض الأشياء إنه لا صوت له ، لعدمها للصوت جملة . وفى بعض المواضع نقول : مسألة غير هندسية للتى لها تعلق بصناعة الهندسة ، وإن كان تعلقها تعلقا رديئا . والقسم الثانى داخل من أقسام الجهل فى القسم الشديد التضاد للحق . » التفسير لما سأل : هل يمكن أن تطرأ مسائل فى علم علم من العلوم ، وصناعة صناعة مسلوبة عن تلك الصناعة ، مثل أن تطرأ فى الهندسة مسائل غير هندسية ؛ وإن طرأت ، فهل معنى قولنا فيها إنها غير هندسية معنى أن لها تعلقا بصناعة الهندسة ، وهى المسائل التى عدمت العلم الذى فى تلك الصناعة ، أو من قبل أن لها تعلقا بصناعة أخرى ، بمنزلة ما يسأل المهندس عن مسائل موسيقية . وإن كان معنى قولنا فيها إنها غير هندسية أنها قد عدمت العلم الذى فى تلك الصناعة ، فهل هذا يعرض فى الصناعة من قيل صورة القياس ، أو من قبل مادته ؟ ابتدأ يجبب عن السؤال الأول وهو قولنا : مسائل غير هندسية على كم وجه تقال ?- فقال : « وحال المسائل الغير هندسية فى كونها على ضربين كحال الصوت » - يريد : وقولنا : « مسائل غير هندسية » تقال على معنيين : ما كانت هندسية خطأ ، والآخر ما لم يكن من علم الهندسة ، كما يقال : « لا صوت له » على معنيين : أحدهما ما كان صوته مضرورا ، والثانى ما ليس له صوت أصلا . وقوله : والقسم الثانى الداخل فى أقسام الجهل فى القسم الشديد التضاد للحق » - يريد : أن الاعتقاد للخطأ فى الهندسة ، وهو أحد ما يقال عليه « غير [٦٤ أ] هندسة » هو داخل فى الجهل الذى ينسب إلى الملكة والحال ، لا فى الجهل الذى هو عدم العلم ، بل الذى هو علم خطأ . ولذلك يقال فيه إنه ضد الحق ، ويقال فى الآخر إنه عدم الحق . وكون الجهل ينقسم إلى هذين القسمين معروف بنفسه . قال أرسطاطاليس : « فأما فى التعاليم ، فليس سؤ القياس فيها يجرى هذا المجرى ، من قبل أن الحد الأوسط فيها مضاعف . وذلك أن الأكبر يحمل على الأوسط كله ؛ والأوسط يجمل على الأصغر كله ؛ فأما المحمول فلا يقال عليه : « كل » . وهذه حاله فى الذهن كحال المنظور إليه . والغلط إنما يدخل بسبب الأقاويل ، بمنزلة ما يسأل المهندس : أليس كل دائرة شكلا ؟ فبقول : نعم ، بأن رسم الدائرة رسما ظاهرا . فيقال له : القول الموزون هو دائرة ؟ وليس هو شكلا. » التفسير لما كان أحد ما يسأل عنه : هل سبب الغلط الواقع فى العلم هو صورة القياس ، أو مادته ؟ - أخذ يجيب عن ذلك ، فقال : « فأما فى التعاليم فليس سوء القياس فيها يجرى هذا المجرى ، من قبل أن الحد الأوسط فيه مضاعف » - يريد أن الحد الأوسط فى التعاليم يكون أبدا على القياس مكررا فى اللفظ والمعنى ، أى يكون أبدا واحدا بعينه مشرك الطرفين لا واحدا فى اللفظ دون المعنى ، فيظن به أنه واحد فيهما معا فيلحق الغلط ، كما يعرض ذلك كثيرا فى غير التعاليم ، أعنى أن القائس فيها يظن أنه قد كرر شيئا بعينه مرتين على أنه حد أوسط . وإنما كرر لفظا واحدا بعينه ، فلا يكون الأوسط فيه مضاعفا كما قال وهو يظنه مضاعفا . وقوله : « وذلك أن الأكبر محمول على الأوسط كله ، والأوسط يحمل على الأصغر كله » - يريد : والسبب فى أن لا يعرض فى التعاليم غلط أن الحد الأوسط فيها يوجد مرتين من غير أن يعرض فيه غلط ، فيظن بما ليس بواحد أنه واحد . وإذا أخذ الحد الأوسط مكررا مرتين ، لم يكن هناك موضع للغلط . وذلك أن الحد الأكبر إذا حمل على كل الأوسط ، والأوسط على كل الأصغر ، وكان الحد الأوسط بهذه االصفة ، فإنه يلزم عن ذلك ضرورة أن يكون الحد الأكبر محمولا ولا بد على الأصغر . فليس يعرض فى التعاليم - لهذا السبب - غلط . وقوله : « فأما المحمول فلا يقال عليه « كل » » - يريد أنه ليس من شرط الانتاج أن تشترط الكلية فى محمول المقدمتين المأخوذتين فيه . وإنما الكلية شرط فى الموضوع . ولما ذكر أن الغلط فى القياس ليس يعرض فى التعاليم من قبل أن الحد الأوسط فيها يكون مكررا فى اللفظ والمعنى ، وأنه ليس يعرض من الغلط [٦٤ ب ] فى التعاليم ما يعرض فى سائر العلوم - أتى بالسبب فى ذلك فقال : « وهذه حاله فى الذهن كحال المنظور إليه . . » إلى آخر ما كتبناه - يريد : والسبب فى أنه ليس يغلط الاسم المشترك فى التعاليم حتى يظن أن الحد الأوسط مضاعف فى القياس وليس مضاعفا : أن الأمور التعاليمية هى فى الذهن كحال المنظور إليها خارج الذهن ، أى هى عند المبرهن بمنزلة المحسوسات عند الحس . والسبب فى ذلك أن الذهن يجردها من الهيولى . فلمكان كونها بهذه الحال من الذهن فى حين النظر فيها ليس يعرض للذهن أن يغلط فيها من قبل اللفظ المشترك ، كما ليس يغلط الحس فى الأشياء التى ينظر إليها ، أعنى الخاصة به . وذلك أن الذهن إنما يغلط فيتوهم المعاق الكثيرة واحدة أكثر ذلك ، من قبل أن اللفظ واحد إذا لم تكن فصول تلك المعانى عنده بينة . والسبب فى ذلك هو مخالطة الهيولى لها ، وإذا لم تخالط الهيولى فليس يعرض فيها الغلط ، لأن الذهن تبين فصولها ، كما يتبين الحس وصول الأشياء التى يحسها بالفعل . ومثال ذلك : إنه إن رام رائم أن يغالط المهندس بأن يقول له : أليس كل دائرة شكلا ؟ فإذا قال له : نعم ! قال له : أليس القول الموزون دائرة ؟ يريد أن يغالطه فيلزم أن القول الموزون شكل - فإنه من ساعته يبادر فيقول له أن القول الموزون ليس دائرة بالمعنى الذى شرحنا الدائرة فى صناعة الهندسة . وليس تذهب عليه هذه المغالطة ، لأن رسم الدائرة الهندسية قائم فى ذهنه ينظر إليه ، يعنى ما قيل فيها من أنها شكل يحيط به خط مستدير فى داخله نقطة كل الخطوط التى تخرج منها إلى المحيط متساوية . فقوله : « فيقال له : القول الموزون هو دائرة وليس هو شكلا » - يعنى أن المهندس يقول له ذلك السائل . وقوله : « بأن رسم الدائرة له رسما ظاهرا » - يريد : أن من قبل ظهوره ليس تذهب هذه المغالطة على المهندس . قال أرسطاطاليس : المقدمات الكلية . والمقدمة الكلية هى التى تجتمع فيها شروط الكلى . فالمعاندة كذلك يجب أن تكون صورتها ، لأن المعاندة والمقدمة هو شىء واحد : فالمعاندة هى مقدمة ، والمقدمة هى إما برهانية ، وإما جدلية . » التفسير يقول : وليس ينبغى أن يكون العناد البرهان فى الصنائع عنادا جزئيا ، أى بالنقيض لكن بالضد . ولما كان العناد الذى يكون بالاستقراء يكون بمقدمات < جزئية > أخذ بدل الجزئيات : الاستقراء < وقال : وليس > ينبغى أن يعاند بمقدمات استقرائية ، لأن البرهان أنما هو من المقدمات الكلية » - يريد : أنه ليس ينبغي [ ٦٥ أ] للمعاند على طريق البرهان أن يقتصر على معاندة جزئية . وذلك أن الإبطال الذي يكون بهذه الصفة يكون قد أخذ في قياسه مقدمة جزئية . والقياس البرهاني ليس وحده فيه مقدمة جزئية . ولا فرق بين البرهان المثبت والمبطل في كونه بصفة واحدة . وقوله : « والمقدمات الكلية هى التى تجتمع فيها شروط الكلى » - يريد : وأعنى بالمقدمات الكلية : التى تجتمع فيها شروط الكلى ، لا الكل الذى حد فى كتاب « القياس » . وإنما قال ذلك ليفرق بين المعنيين ، أعنى الكلى المستعمل هاهنا ، والكلى المستعمل فى كتاب « القياس » . وقوله : « والمعاندة كذلك يجب أن تكون صورتها » - يريد أن المعاندة لما كانت قياسا برهانيا ، ولكن البرهان دائما يأتلف من المقدمات الكلية ، < فإن المعاندة > يجب أن تتألف من المقدمات الكلية . وقوله : « وكذلك يجب أن تكون صورتها لأن المعاندة والمقدمة شىء واحد » - يريد أن المقدمة المستعملة فى المعاندة ، والمقدمة المستعملة فى الإثبات هى واحدة بعينها . وإنما تسمى مثبتة أو مبطلة بالإضافة إلى النتيجة . وقوله : « فالمعاندة هى مقدمة ، والمقدمة إما برهانية ، وإما جدلية » - يريد : فيلزم من ذلك أن تكون المعاندة تنقسم بهذين القسمين : أعنى أن يكون منها جدلية ، ومنها برهانية ، فتكون فى البرهانية شروط البرهان ، وفى الجدلية شروط الجدل . قال أرسطاطاليس : « وقد يعرض الغلط فى بعض الأمور بسبب صورة القياس ، إذا ما أخذ الأوسط محمولا على الحاشيتين بالإيجاب ، مثلما فعل قانايس عند تبيينه أن النار [ 78 a]* بالتباين ذات أضعاف كثيرة ، فإنه قال إن النار تولدها سريع ، والذي هو بالتناسب كثير الأضعاف تولده سريع . فعلى هذا الوجه لا يكون قياس ؛ اللهم إلا أن تكون الحدود كثيرة الأصناف ينعكس بعضها على بعض حتى يكون ما بالتناسب كثير الأضعاف ينعكس على الذي يتولد سريعا ، وتكون النار تنعكس على الذي تولده سريعا . ففي بعض الأوقات يمكن أن يعمل قياس من هذه المقدمات ؛ وفي بعض الأوقات لا يمكن . » التفسير لما عرف أن الغلط قد يقع فى العلوم من قبل المقدمات أنفسها ، مثل أن يظن أن الحد الأوسط هو واحد بعينه فى المقدمتين اللتين يؤلف منهما القياس ، وليس هو واحدا بعينه ، وأن ذلك ليس يعرض فى التعاليم إلا فى القليل - أخذ يذكر أن الغلط أيضا قد يقع فى العلوم من قبل شكل القياس ، مثل إنتاج نتيجة من موجبتين فى الشكل الثانى ، وهو الذى يدل عليه بقوله : « إذا ما أخذ الأوسط محمولا على الحاشيتين » - يعنى بالحاشيتين : الطرف الأكبر والأصغر [٦٥ ب ] ، أعنى موضوع المطلوب ومحموله ، ثم تمثل فى ذلك بما عرض من ذلك لرجل ، مشهور عندهم من القدماء . وذلك أن هذا الرجل لما رأى النار تتزيد سريعا ، أعنى تعظم سريعا ، وكان عندهم أن ما يعرض فى الموجودات الطبيعية سببه ما يعرض فى الأمور التعاليمية ، إذ كانت الطبيعية عندهم مركبة من التعاليمية ، وكان يعرض فى الأمور التعاليمية بنسبة الضعف أن يتزيد منها العدد سريعا تزيدا يفوق في ذلك سائر النسب ، كما يقال فى الرجل الذى سأل بعض الملوك أن يعطيه جائزة بعدد تضيف بيوت الشطرنج من الحبوب . فاستحقر ذلك الملك . فلما أجابه حمل عليه من ذلك هبة عظيمة . فهذا الرجل - كما قال - ولف قياسا هكذا : النار تتولد سريعا ونسبة الضعف تتولد سريعا فالنار مؤلفة من نسبة الضعف . وقوله : « فعلى هذا الوجه لا يكون قياس » - يعنى : منتج ، ولا بد ، فى كل مادة - على ما تبين فى كتاب « القياس » . ولما كان هذا التأليف قد ينتج فى الموجبات المنعكسة ، أعنى المقدمات التى محمولاتها خواص أو حدود ، قال : « اللهم إلا أن تكون الحدود ينعكس بعضها على بعض » . ثم أتى بمثال الانعكاس من القياس الذى عرض فيه الغلط لهذا الرجل فقال : « حتى يكون ما بالتناسب كثير الأضعاف ينعكس على الذي يتولد سريعا » - يريد : ولا يصح لمن يريد أن ينتج من هذا القياس أن النار كثيرة الأضعاف حتى يصح له عكس المقدمة القائلة إن الكثير الأضعاف يتولد سريعا وهى : كل ما يتولد سريعا كثير الأضعاف .فإنه إذا صحت هذه المقدمة ، أضفنا إليها أن النار تتولد سريعا . فأنتج لنا من ذلك في الشكل الأول بأن النار كثيرة الأضعاف ، أى تتولد من الأعداد التى هى على نسب الضعف . وأما قوله : « وتكون النار تنعكس على الذى تولده سريعا » - فإن هذا العكس ليس يحتاج إليه من يريد أن ينتج من هذه المقدمات أن النار كثيرة الأضعاف . وإنما يحتاج إلى هذه من يريد أن ينتج أن : كثير الأضعاف نار . وكأنه إنما أومأ بهذا أن هذا العكس يحتاج إليه من قصد أن يبين أن هذا إنما هو حد النار ، إذ كان الحد من شرطه أن يكون منعكسا على الحدود . وقوله : « ففى بعض الأوقات يمكن أن يعمل قياس من هذه المقدمات ، وفى بعض الأوقات لا يمكن » - يعنى بالأوقات التى يمكن أن يعمل فيها من الموجبات قياس فى الشكل الثانى ، إذا اتفق للقائس فى ذلك الوقت أمران اثنان : أحدهما أن تكون تلك المحمولات التى أخذ فى مقدماته منعكسة . والثانى أن يعمل أنها منعكسة : إما بعلم أول ، وإما بقياس . وبالوقت الذى لا يمكن فيه ذلك : إذانقص القائس شرطا واحدا من هذين أو كليهما . ولما كان [٦٦ أ] الغرض من القياس المنتج بصورة أن يكون منتجا فى كل مادة ، لم يحفل أرسطو بموجبتين فى الشكل الثانى ، وعدها من الضروب الغير منتجة ، لأن الأنتاج فيها ليس من قبل صورة القياس ، إنما هو من قبل مقدماته ، فهو شىء عارض لصورته . قال أرسطاطاليس : « ولو لم يكن تبين الصدق من مقدمات كواذب ،لقد كان التحليل بالعكس سهلا ، من قبل أن النتائج والمقدمات كان انعكاسهما يكون بالتساوى . مثل أنه : إذا كانت النتيجة التي عليها علامة « أ» صادقة تكون المقدمات التي تبين بها وهي التي عليها علامة « ب » صادقة . وإذا كانت هذه صادقة ، تكون تلك صادقة . » التفسير يقول : وإنما كان يصح أن يكون الشكل الثانى ينتج فيه من موجبتين بصورته لو كانت جميع المقدمات الصادقة منعكسة . ولو كانت منعكسة ، لما أمكن أن يبين شىء صادق من مقدمات كواذب . ولو لم يمكن أن يبن شىء صادق من مقدمات كواذب ،لقد كان التحليل بالعكس أسهل . يعنى بالتحليل بالعكس : تحليل المطالب إلى المقدمات الأول التى فيها تتبين تلك المطالب . وإنما سمى : « التحليل بالعكس » ، لأن التحليل صنفان : تحليل الأشياء إلى غير الأشياء التى تركب منها الشىء بالطبع ، وتحليل إلى الذى تركب منها بالطبع . وهذا التحليل هو الذى يصدق عليه عكس التركيب ولذلك قيل فيه إنه تحليل بالعكس ، أى بعكس التركيب ، ليفصل بينه وبين التحليل الآخر . ولما أخبر أنه لو كانت المقدمات كلها منعكسة ، أعنى الصادقة ، لكان التحليل بالعكس سهلا ، وكان يكون الاستنباط سهلا - أتى بالسبب فى ذلك فقال : من قبل أن النتائج والمقدمات كان انعكاسها يكون بالتساوى ، يعنى أنه كان يلزم متى وجدت نتيجة ما عن مقدمات صادقة أن تكون تلك النتيجة متى وجدت لزم عن وجودها تلك المقدمات . ولو كان الأمر كذلك ، لكان وجود المقدمات عن فرض النتيجة سهلا ، أعنى المقدمات المثبتة أو المبطلة ، فكان يكون استنباط القياس على جهة التحليل سهلا . وذلك أن وجود المقدمات الصادقة لما كان يكون أمرا بينا بنفسه عن وجود نتيجتها ، كان متى فرضنا نتيجة ما لزم ضرورة أن نقف على المقدمات التى تلزم عنها أولا تلك النتيجة . ثم إن لم تكن تلك المقدمات أيضا أولية ، وقفنا منها أيضا بسهولة على المقدمات التى تلزم عنها تلك المقدمات بسهولة . وهكذا حتى ننتهى إلى الآوائل . أما والأمر بعكس ذلك ، أعنى أنه ليس يلزم عن وضع النتيجة المقدمات الصادقة التى ينتجها ، فقد [٦٦ ب ] يجب علينا عكس هذا وهو : إذا فرضنا نتيجة ما ، أن نطلب المقدمات التى تلزم عنها تلك النتيجة . ولأن هذه أكثر من مقدمة واحدة ، كان وجودها عسيرا ، ولاسيما أن الأمر فيها بالعكس على ما كان يكون عليه الأمر لو كانت المقدمات تلزم النتيجة وذلك أنه متى وضعنا النتيجة معروفة ، كانت تظهر لنا المقدمات على الفور . لآن الأمر بالعكس ، أعنى متى وضعنا المقدمات تظهر لنا النتيجة ، ولأن المقدمات التى بهذه الصفة غير معروفة لنا ولا محدودة ، عسر وجودها ، فعسر علينا وجود النتيجة ، بخلاف الأمر لو لزمت المقدمات النتيجة المفروضة ، فإن من قبل كونها مفروضة ، كانت تظهر لنا المقدمات ظهورا بينا . وهذا معروف بنفسه . قال أرسطاطاليس : « وتخالف التعاليم للجدل من قبل أن التعاليم التحليل بالعكس فيها يكون أسهل ، وذلك أن المحمول منها ليس بعرض ، لكن حدود . وقد تخالف أيضا الأمور التعاليمية للأمور الجدلية من قبل أن التعاليم لا تزيد بالأوساط ، لكن تزيدها يكو بأن يوجد الشىء الذى قد تبرهن فيبين به ما بعده ما يوجد « أ» التى قد تبينت بها « ب » ؛ و« ب » يتبين بها « ج » و« ج » يتبين بها « د » . وعلى هذا المثال دائما . أو بالفرض ، مثل أن يجعل الذى عليه علامة « أ» الكم أو غير المتناهي ؛ ويجعل ما عليه علامة « ب » العدد المفرد على الإطلاق ، أى عدد فرد كان ، وما عليه علامة « ج » هو العدد المفرد . ف « أ» إذن على « ج » . وليكن أيضا العدد الزوج على الاطلاق أو أى عدد كان ، ما عليه علامة « د » ، وهذا العدد الزوج ما عليه « ه » . ف « أ» ، إذن على « ه » . » التفسير لما بين أنه لو كانت المقدمات منعكسة لكان التحليل بالعكس سهلا ، أخذ يعرف أن لهذه العلة كان التحليل فى التعاليم أسهل منه فى الجدل ، من قبل أن المقدمات التعاليمية هى - أكثر ذلك - حدود ، والحدود منعكسة . فقوله : « وقد تخالف التعاليم للجدل . . . » إلى قوله : . . . وذلك أن المحمول ليس بعرض ، لكن حدود » - يريد : ولهذا المعنى خالفت التعاليم الجدل فى كون التحليل فى التعاليم أسهل منه فى الجدل ، وذلك أن المقدمات فى التعاليم هى حدود منعكسة ، وفى الجدل : أعراض عامة ، والأعراض غير منعكسة . وقوله : « وقد تخالف أيضا الأمور التعاليمية للأمور الجدلية من قبل أن التعاليم لا تتزيد بالأوساط » - يريد : وقد تخالف التعاليم الجدل فى عمل القياس فيها ، من قبل أن المقدمات المستعملة فى البيانات التعاليمية ليس تتكثر بالأوساط ، وذلك أن المقدمات التعاليمية هى مقدمات غير ذوات [٦٧ أ] أوساط . وأما التى تستعمل فى الجدل فقد تكون مقدمات ذوات أوساط ، مثل أنه إن تبين مطلوب ما فى الجدل بعدة مقدمات ما ، وتبين فى التعاليم بمقدمات على عدتها ، فإن المقدمات قد تكون فى تلك المقاييس الجدلية أكثر ، من قبل أنها قد تكون مقدمات ذوات أوساط ، فتكون مقدمات ذلك المطلوب فى الجدل أكثر منه فى التعاليم . ولما ذكر أن المقاييس البرهانية تخالف الجدلية فى هذا المعنى ، من قبل أن مقدماتها ليست ذوات أوساط ، أخذ يعرف كيف يكون التزيد فى المقدمات التى ليس يوجد بينها وسط ، وهو التزيد الذى يكون فى البرهان فقال : « لكن تزيدها يكون بأن يوجد الشىء الذى قد تبين فتبين به ما بعده ، بمنزلة ما توجد « أ» التى قد تبينت فتبين ، بها « ب » ، و« ب » يتبين بها « ج » ، و« ح » يتبين بها « د » ، وعلى هذا المثال دائما » - يريد : وأما تزيد المقدمات فى البرهان فهو تزيد ليس يلفي فيه وسط ، من قبل أنه تبين فيه شىء ما ، مثلا ، بمقدمتين غير ذواتى وسط ، ثم يبين بذلك الشيء المبين شىء آخر غيره : إما بأن يفرز إلى ذلك الشىء المنتج شىء آخر مثله ، أعنى : شىء تبين أيضا عن مقدمتين غير ذواتى وسط ، وإما أن تقرن به مقدمة غير ذات وسط ، أى معروفة بنفسهما ، فينتج عنها نتيجة ، ثم تؤخذ هذه النتيجة فيفعل بها مثل ما يفعل بالأولى . وليس يعنى بقوله : « بمنزلة ما توجد « أ» التى قد تبينت فتبين بها « ب » ، و« ب » تبين بها « ج » ، أن مقدمة واحدة يتبين بها شىء واحد ، وإنما يعنى بمنزلة ما توجد « أ» التى قد تبينت فتبين بها مع ما هو بين بنفسه أو قد تبين بغيره . ويحتمل أن يكون أخذ « أ» بدل القياس ، و« ب » بدل النتيجة . إلا أن قوله : « و« ب » تبين بها ح » » ليس يكون أيضا على ظاهره ، أذ كانت النتيجة عن مقدمة واحدة . والبيان إنما يكون بمقدمتين . فلا بد أن يقدر فى قوله محذوف ما . . ولما فرغ من تمثيل ما بعد المبين الأول ، شرع كيف يبين المبين الأول ، فقال : « مثل أن يجعل علامة « أ» : الكم ، أو غير المتساوى ، ويجعل ما عليه علامة « ب » العدد الفرد على الإطلاق ،أي أى عدد كان ؛ وما عليه علامة « ح » هو العدد الفرد . ف أإذن على ج » - يريد : وجهة تبينها الأول من غير وسط الذى نجعله أصلا لما بعده من غير وسط هو أن نأخذ بدل المحمول المبين الأول ، أعنى النتيجة الأولى ، و« أ» بدل الحد الأوسط « ب » ، وبدل الحد الأصغر « ح » . ثم وضع بدل « أ» من المواد : الكم ، وبدل « ب » العدد الفرد بإطلاق ، وبدل « ح » هذا العدد الفرد المشار إليه - كأنك قلت : السبعة ، ليظهر الأمر أكثر ، فيأتلف قياسه هكذا : السبعة عدد فرد . والعدد الفرد كم فينتج أن السبعة كم وإنما مثل بهذه [٦٧ ب ] المقدمات لأنه ليس بينها وسط . وإنما أراد أن البرهان يستعمل الأوساط فى ضروب كثيرة من القياس ، مثل أن نستعملها فى شكلين ، أو أكثر من شكلين . وليس يستعمل فى القياس الواحد أوساط يدخلها بين مقدمات القياس . وإنما قال : « أو بالعرض » لأنه إذا فرض شىء ما تبين به نتيجة ما بالشكل الثانى والثالث . فقد تبين أن النتيجة المقصوده أولا بالشكل الأول ، تستعمل فى المطلوب الأول الثلاثة الأشكال . ثم قد تكرر الأشكال فى ذلك ، وهذه كلها من مقدمات غير ذات أوساط . وأما الجدل فقد يستعمل بين المقدمات التى ينبنى منها القياس الواحد أوساطا .

١٣ - <معرفة الوجود ومعرفة السبب>

Página 347