...................................................... معنى قوله: " من كلام النبوة الأولى " إن الحياء لم يزل ممدوحا مستحسنا مأمورا به لم ينسخ في شرائع الأنبياء الأولين.
وقوله: " فاصنع ما شئت " فيه وجهان أحدهما أن يكون خرج بلفظ الأمر على معنى الوعيد والتهديد ولم يرد به الأمر كقوله: " اعملوا ما شئتم " فإنه وعيد لأنه قد بين لهم ما يأتون به وما يتركون. وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من باع الخمر فليشقص الخنازير " ، لم يكن في هذا إباحة تشقيص الخنازير. والوجه الثاني أن معناه أئت كل ما لم يستحيا منه إذا ظهر فاعله، ونحو هذا قوله صلى الله عليه وسلم: " الحياء من الإيمان " معناه إنه لما كان يمنع صاحبه من الفواحش ويحمل على البر والخير كما يمنع الإيمان صاحبه من ذلك ويحمله على الطاعات صار بمنزلة الإيمان لمساواته له في ذلك والله أعلم.
قل آمنت بالله ثم استقم
21 - " عن أبي عمرو - وقيل أبي عمرة - سفيان بن عبد الله رضي الله عنه، قال قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك. قال: " قل آمنت بالله ثم استقم " رواه مسلم.
......................................................
معنى قوله: " قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك " أي علمني قولا جامعا لمعاني الإسلام واضحا في نفسه بحيث لا يحتاج إلى تفسير غيرك أعمل عليه وأتقي به فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: " قل آمنت ثم استقم " .
هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم فإنه جمع لهذا السائل في هاتين الكلمتين معاني الإسلام والإيمان كلها فإنه أمره أن يجدد إيمانه بلسانه متذكرا بقلبه وأمره أن يستقيم على أعمال الطاعات والانتهاء عن جميع المخالفات إذ لا تتأتى الاستقامة مع شيء من الإعوجاج فإنها ضده وهذا كقوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) الآية أي آمنوا بالله وحده، ثم استقاموا على ذلك، وعلى الطاعة إلى أن توفاهم الله عليها. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " استقاموا والله على طاعته ولم يروغوا روغان الثعلب " . ومعناه اعتدلوا على أكثر طاعة لله اعتقادا وقولا وفعلا. وداموا على ذلك، وهذا معنى قول أكثر المفسرين، وهي معنى الحديث إن شاء الله تعالى.
وكذلك قوله سبحانه: (فاستقم كما أمرت) قال ابن عباس ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع القرآن آية كانت أشق عليه من هذه الآية . ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " شيبتني هود وأخواتها " .
قال الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى؛ " الاستقامة درجة بها كمال الأمور وتمامها وبوجودها حصول الخيرات ونظامها ومن لم يكن مستقيما في حال سعيه ضاع سعيه وخاب جده " . قال وقيل: الاستقامة لا يطيقها إلا الأكابر لأنها الخروج عن المعهودات. ومفارقة الرسوم والعادات والقيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " استقيموا ولن تحصوا " وقال الواسطي: الاستقامة الخصلة التي بها كمال المحاسن، وبفقدها قبحت المحاسن، والله أعلم.
الاقتصار على الفرائض يدخل الجنة
22 - " عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا، أأدخل الجنة؟ قال: نعم " رواه مسلم. ومعنى حرمت الحرام: اجتنبته. ومعنى أحللت الحلال: فعلته معتقدا حله " .
......................................................
Página 20