276

Sharh al-Tadmuriyyah - Nasser al-Aql

شرح التدمرية - ناصر العقل

Géneros

مذهب الكرامية والمعتزلة في الإيمان
قال رحمه الله تعالى: [والكرامية قولهم في الإيمان قول منكر لم يسبقهم إليه أحد، حيث جعلوا الإيمان قول اللسان، وإن كان مع عدم تصديق القلب، فيجعلون المنافق مؤمنًا، لكنه يخلد في النار، فخالفوا الجماعة في الاسم دون الحكم، وأما في الصفات والقدر، والوعد والوعيد، فهم أشبه من أكثر طوائف الكلام التي في أقوالها مخالفة للسنة.
وأما المعتزلة فهم ينفون الصفات، ويقاربون قول جهم، لكنهم ينفون القدر، فهم وإن عظّموا الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وغلو فيه، فهم يكذّبون بالقدر، ففيهم نوع من الشرك من هذا الباب].
قوله: (ففيهم نوع من الشرك) يقصد: شرك الأفعال، ووصفوا بنوع من الشرك بسبب لازم قولهم، فلو استنطقناهم أو بحثنا عن تعبيراتهم لا نجد أنهم يعبّرون بهذا، لكن من اللوازم الضرورية التي لا يمكن أن ينفك منها القائل بقولهم، وهو أنهم يرون أن الإنسان مقدّر لأفعال، أو خالق لأفعال، ولا يعبّرون عن هذا تعبيرًا صريحًا؛ لأن بعضهم يتورع أو يتهيّب بأن يقول: إن الإنسان يخلق أفعالًا، لكن هم يقولون: بأن الله لم يقدّر أفعال الشر للإنسان، ولم يخلقها.
إذًا هي قُدّرت وخُلقت، فمن الذي قدّرها وخلقها؟! هم لا يجعلون خالقًا ثالثًا، لكنهم على هذا لا بد أن يعترفوا فإنهم قالوا: بأن الإنسان خالق أفعاله، ولذلك عبّر السلف عن مذهبهم بهذا التعبير، فيقولون: إن المعتزلة يقولون: بأن الإنسان خالق أفعاله، فلو تتبعت أقوالهم فلا تجد أنهم يصرّحون بهذه الكلمة تصريحًا مباشرًا، لكن هذا من لوازم القول، فإذا كان الله ﷿ عندهم لا يُقدّر أفعال الشر ولم يخلقها، مع أن الله ﷿ قال: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء:٣٥].
ومن الإيمان بالقدر: الإيمان بالقدر خيره وشره من الله ﷿؛ حكمة وابتلاء وفتنة للعباد، فإن الله ﷿ حينما قدّر الشر وخلقه ما خلقه لمحض الشر، وإنما لحكمة وابتلاء للعباد، فهم قالوا: بأن الإنسان لم يقدّر أفعال الشر ولم يخلقها.
إذًا: ينشأ عندنا سؤال ضروري: من الذي قدّرها وخلقها؟ هل هو خالق ثالث؟! سيقولون: لا.
إذًا بالضرورة يكون الإنسان هو خالق أفعاله، فهذا ما قصد به الشيخ من أنهم يكذّبون بالقدر، ففيهم نوع من الشرك، أي: شرك الأفعال.
قال رحمه الله تعالى: [والإقرار بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، مع إنكار القدر، خير من الإقرار بالقدر مع إنكار الأمر والنهي والوعد والوعيد، ولهذا لم يكن في زمن الصحابة والتابعين من ينفي الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وكان قد نبغ فيهم القدرية، كما نبغ فيهم الخوارج الحرورية، وإنما يظهر من البدع أولًا ما كان أخفى، وكلما ضعف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة.
فهؤلاء المتصوفون الذين يشهدون الحقيقة الكونية، مع إعراضهم عن الأمر والنهي شر من القدرية المعتزلة ونحوهم، أولئك يشبهون المجوس، وهؤلاء يشبهون المشركين الذين قالوا: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام:١٤٨] والمشركون شر من المجوس].

27 / 6