273

Sharh al-Tadmuriyyah - Nasser al-Aql

شرح التدمرية - ناصر العقل

Géneros

مدى قرب وبعد بعض الرجال أو الفرق من الحق
قال رحمه الله تعالى: [وطائفة من أهل التصوف والمعرفة يقررون هذا التوحيد مع إثبات الصفات، فيفنون في توحيد الربوبية مع إثبات الخالق للعالم المباين لمخلوقاته.
وآخرون يضمون هذا إلى نفي الصفات فيدخلون في التعطيل مع هذا، وهذا شر من حال كثير من المشركين.
وكان جهم ينفي الصفات ويقول بالجبر، فهذا تحقيق قول جهم، لكنه إذا أثبت الأمر والنهي، والثواب والعقاب، فارق المشركين من هذا الوجه، لكن جهمًا ومن اتبعه يقول بالإرجاء، فيضعف الأمر والنهي، والثواب والعقاب عنده، والنجّارية والضرارية].
النجّارية هم أتباع الحسين بن النجار، وهو صاحب نزعة كلامية.
وكذلك الضرارية أتباع ضرار بن عمرو القاضي المشهور، وكل هؤلاء إلى الجهمية أقرب.
قال رحمه الله تعالى: [والنجّارية والضرارية وغيرهم يقربون من جهم في مسائل القدر والإيمان، مع مقاربتهم له أيضًا في نفي الصفات.
والكلابية والأشعرية خير من هؤلاء في باب الصفات، فإنهم يثبتون لله الصفات العقلية، وأئمتهم يثبتون الصفات الخبرية في الجملة].
في الحقيقة صعب أن نطلق الأئمة الأوائل على ما قبل القرن السابع الهجري، بل حتى قبل القرن السادس، وإذا اعتبرنا أبا الحسن الأشعري إمامًا لهم، مع أنه ليس بإمام، فإننا نظلمه إذا قلنا بذلك، لكن على اعتبار أنهم يعدّونه إمامهم، ثم من جاء بعده: ابن فورك والباقلاني ثم الخطابي والبيهقي، وهذه الطبقة كلها يتورّعون عن نفي الصفات باسم التأويل، لكن يسلكون مسلكًا مضطربًا، فيثبتون الصفات الخبرية، مثل: صفة اليد والوجه لله ﷿، لكن يثبتونها بنوع تأويل، لا بتأويل صريح، ولا يردّون الصفة كما يردها الذين جاءوا من بعدهم، فهؤلاء عندهم تورّع، لكن فتحوا باب النزعة الكلامية لمن جاء بعدهم، فمن جاء بعدهم ردها ردًا صريحًا، ابتداء من البغدادي ثم الشهرستاني ثم الغزالي ثم الإيجي والآمدي، والإيجي والآمدي قد ختموا منهج الأشاعرة على أصول الكلامية التي عليها الأشاعرة إلى اليوم، وهذه الأصول هي أقرب إلى الجهمية، نعم عندهم تورع من الرد الكامل، لكن منهجهم يؤدي إلى التعطيل؛ لأنهم لا يثبتون لله ﷿ الصفات الذاتية، بل لا يثبتون لله إلا سبع صفات، وبقية الصفات يؤولونها، وهذا نتيجة الخلط، مع أنهم يسمونه: (التوفيق)، وهو في الحقيقة (تلفيق)، أي: الخلط والتلفيق بين منهج الفلاسفة الذي يتمثل بالجهمية والمعتزلة والمتكلمين، وبين منهج السنة والجماعة الذي يتمثل بالتزام النصوص فيما يتعلق بكل ما هو من أمر الغيب، وبالأخص صفات الله ﷿، فهي غيب خالص لا مجال للتأويل فيها، فضلًا عن التعطيل.

27 / 3