130

Sharh al-Tadmuriyyah - Nasser al-Aql

شرح التدمرية - ناصر العقل

Géneros

إثبات صفة العلو والفوقية لله ﷾ على ما يليق بجلال الله تعالى
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم قد عُلم أن الله تعالى خلق العالم بعضه فوق بعض، ولم يجعل عاليه مفتقرًا إلى سافله].
الشيخ هنا مستمر في تقرير أصل عظيم، وهو تقرير العلو والفوقية لله ﷿ بذاته وأسمائه وصفاته، علوًا مطلقًا، ولا يلزم منه التشبيه، بل العلو هو مقتضى الكمال، وحصر العلو على نوع معين، وهو العلو الاعتباري كما يفعل أهل التأويل من المعطّلة والمؤولة وأهل الكلام استنقاص لله ﷿، فالله عليٌّ علوًا مطلقًا، وله الكمال المطلق، ولا يتم كمال العلو إلا بأن نثبت لله ﷿ جميع أنواع العلو كما يليق بجلاله؛ لأن العلو كله كمال، وعلى هذا فالشيخ يقرر أنه عندما نثبت العلو والفوقية على منهج السلف، بمعنى: كل أنواع العلو على ما يليق بجلال الله، فلا يعني ذلك التشبيه؛ لأنهم زعموا أن إثبات العلو الذاتي تشبيه له بمخلوقاته، وأنه حصر له في مكان! وهذه كلها أوهام توهموها.
قال رحمه الله تعالى: [فالهواء فوق الأرض، وليس مفتقرًا إلى أن تحمله الأرض، والسحاب أيضًا فوق الأرض، وليس مفتقرًا إلى أن تحمله، والسماوات فوق الأرض، وليس مفتقرًا إلى حمل الأرض لها، فالعلي الأعلى رب كل شيء ومليكه إذا كان فوق جميع خلقه، كيف يجب أن يكون محتاجًا إلى خلقه أو عرشه؟! أو كيف يستلزم علوه على خلقه هذا الافتقار، وهو ليس بمستلزم في المخلوقات؟ وقد عُلم أن ما ثبت لمخلوق من الغنى عن غيره فالخالق سبحانه أحق به وأولى.
وكذلك قوله: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ [الملك:١٦]، من توهم أن مقتضى هذه الآية أن يكون الله في داخل السماوات فهو جاهل ضال بالاتفاق، وإن كنا إذا قلنا: إن الشمس والقمر في السماء يقتضي ذلك، فإن حرف (في) متعلق بما قبله وما بعده، فهو بحسب المضاف والمضاف إليه.
ولهذا يفرق بين كون الشيء في المكان، وكون الجسم في الحيز، وكون العرض في الجسم، وكون الوجه في المرآة، وكون الكلام في الورق، فإن لكل نوع من هذه الأنواع خاصية يتميز بها عن غيره، وإن كان حرف (في) مستعملًا في ذلك كله].

12 / 2