كلام أبي نعيم الأصفهاني في عقيدة السلف
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
أما بعد: فيقول شيخ الإسلام ﵀ رحمة واسعة: [وقال أبو نعيم الأصبهاني صاحب (الحلية) في عقيدة له قال في أولها: (طريقتنا طريقة المتبعين الكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال: فمما اعتقدوه أن الأحاديث التي ثبتت عن النبي ﷺ في العرش واستواء الله يقولون بها، ويثبتونها، من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه، وأن الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستوٍ على عرشه في سمائه دون أرضه وخلقه) .
وقال الحافظ أبو نعيم في كتابه (محجة الواثقين ومدرجة الوامقين): (وأجمعوا أن الله فوق سماواته، عالٍ على عرشه مستوٍ عليه لا مستولٍ عليه كما تقول الجهمية: إنه بكل مكان؛ خلافًا لما نزل في كتابه: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ [الملك:١٦]، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر:١٠]، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥] له العرش المستوي عليه، والكرسي الذي وسع السماوات والأرض، وهو قوله: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ [البقرة:٢٥٥] وكرسيه جسم، والأرضون السبع والسماوات السبع عند الكرسي كحلقة في أرض فلاة، وليس كرسيه علمه كما قالت الجهمية، بل يوضع كرسيه يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه، كما قاله النبي ﷺ، وأنه تعالى وتقدس يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده والملائكة صفًا صفًا، كما قال تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر:٢٢] .
وزاد النبي ﷺ: (وأنه تعالى وتقدس يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده فيغفر لمن يشاء من مذنبي الموحدين، ويعذب من يشاء، كما قال تعالى: ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [المائدة:١٨])] .
هذا هو ما سبق تقريره من كلام السلف ﵏ في إثبات علو الله ﷾ على خلقه، وأنه ﷾ مستوٍ على عرشه، وفيه إبطال قول من أول الاستواء بالاستيلاء، حيث قال: (لا مستولٍ عليه كما تقول الجهمية: إنه بكل مكان)، والسلف يذكرون الجهمية ويريدون بهم المعطلة في الجملة، يعني: كل من أول في الصفات.
وقوله: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ أي: على السماء: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) فهذه وغيرها من الآيات دالة على علوه ﷾ واستوائه على عرشه.
وقوله: (له العرش المستوي عليه والكرسي الذي وسع السماوات والأرض)، ذكرنا فيما سبق أن الكرسي هو موضع القدمين في قول، وهذا مبني على أثر ابن عباس، ولكن في ثبوته نظر.
والقول الثاني: أنه خلق عظيم، وهو الذي أشار إليه بقوله: (وكرسيه جسم) ولم يذكر ما ورد عن ابن عباس: أنه موضع القدمين.
وفيه إثبات الصفات الفعلية له ﷾ وذلك في قوله سبحانه ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر:٢٢] ففيه إثبات المجيء له ﷾.
وأيضًا إثبات صفة المغفرة، وهي صفة فعلية له ﷾، وذلك في قوله سبحانه: ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [آل عمران:١٢٩] .
17 / 2