شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح
شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح
Géneros
إثبات كمال العلم له سبحانه
ثم قال ﷾: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾، وهذا فيه إثبات كمال علم الله ﷿، (ما بين أيديهم) يعني: ما يستقبلون، و(ما خلفهم) يعني: ما مضى، وبه تفهم أن علم الله ﷿ محيط بالمستقبلات والماضيات، فيعلم الشيء قبل وقوعه، ويعلمه ﷾ بعد وقوعه، لا تخفى عليه خافية، ولإثبات كمال علمه أتى النفي في قوله: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ﴾، فما عندنا من علم مما يتعلق بالله ﷿ أو مما يتعلق بغيره من أمور الدين أو أمور الدنيا إنما هو من تعليم الله لنا، وهذا فيه إثبات كمال هذا الوصف في هذه الآية، وأنه سبحانه كامل العلم كما قال ﷾: ﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الأعراف:٨٩]، فوسع علمه كل شيء، واعلم أن صفة العلم من الصفات التي لها تعلق بكل شيء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه وتقريره في الآيات التي يذكرها الشيخ ﵀.
المهم أننا استفدنا من قوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ إثبات صفة العلم، ومن قوله: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾ إثبات كمال عمله ﷾، ومن فوائد قوله تعالى: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ﴾ أن يتضرع الإنسان إلى ربه، وأن يلجأ إليه أن يمن عليه بالعلم، وأنه لا سبيل له لتحصيل المعارف والعلوم إلا بمنة الله ﷿، كما قالت الملائكة: ﴿لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا﴾ [البقرة:٣٢]، ومن قال: هذا علمي حصلته باجتهادي، وبذلي وكدي وسهر الليالي، فقد غرته نفسه، وأوبقته في المهالك.
فعلمك الدقيق أو الجليل في أمر الدنيا أو أمر الدين إنما هو من قبل الله ﷾، كما قال الله ﷾: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [النحل:٧٨]، فتصور حالك أول ما خرجت من بطن أمك لا تعلم شيئًا، الذي هدى الرضيع إلى أن يلتقم ثدي أمه للرضاعة هو الله ﷾، فهو الذي علمه ذلك، ثم بنى هذه المعلومات شيئًا فشيئًا إلى أن تمايز الناس وتفاوتوا بما عندهم من علوم ومعارف، وكل ذلك فضل الله ومنه وإحسانه وكرمه.
4 / 9