الشكوى والعتاب وما وقع للخلان والأصحاب
تأليف أبي منصور الثعالبي
﵁ وأرضاه وجعل الجنة منقلبه ومثواه. آمين: وصلى [الله] على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم: ورضي الله عن كل الصحابة أجمعين
1 / 3
[غلاف داخلي]
عن العبد، انتهى الكتاب بعون الله الملك الوهاب ثاني عشر ربيع الأول سنة خمس وثمانين وألف، والحمد لله وحده. اللهم اغفر لقارئه ولكاتبه ولمؤلفه ولمن دعا لهم بالمغفرة آمين.
شعر [طويل]
صبرت على بعض الأذى خوف كله ... ودافعت عن نفسي لنفسي فعزت
وجرعتها المكروه حتى تدربت ... ولو لم أجرعها إذا لاشمأزت
إذا ما مددت الكف ألتمس الغنى ... إلى غير من قال اشتكوا لي فشلت
ألا رب ذل ساق للنفس عزة ... ويا رب نفسي بالتذلل عزت
سأصبر جهدي إن في البصرة عزة ... وأرضى بدنياي وإن هي قلت
1 / 5
أنشد ذلك عن سيدي إبراهيم الخواص نفعنا الله [به] .
[بسيط]
قالوا غدا العيد ماذا أنت لابسه ... فقلت خلعة ساق عنده جرعا
فقر وصبرهما ثوبان تحتهما ... قلب يرى ربه الأعياد والجمعا
أخرى الملابس أن تلقى الحبيب [بها] ... يوم التزاور للثوب الذي خلعا
الدهر [لي] مأتم إن غبت يا أملي ... والعيد ما دمت [لي] مرأى ومجتمعا
تمَّ
1 / 6
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
1 / 7
الباب الأول
في العتاب والشكوى والتثريب والبث والاستعطاف وما أشبه ذلك
١-عن أنس ﵁: "خدمت النبي ﷺ عشر سنين بالمدينة وأنا غلام ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن يكون عليه، فما قال لي أف فيها قط، وما قال لي [لم] فعلت هذا، وألا فعلت [هذا]؟ " ٢-وقال ﷺ "إذا زنت خادمة أحكم فليجلدها الحد ولا يثرب" وروي"ولا يعيرها"
1 / 9
٣-عاتب عثمان عليا ﵄، وعلى مطرق، فقال: مالك تقول؟ فقال: إن قلت لم أقل إلا ما تكره، وليس لك عندي إلا ما تحب".
٤-مكتوب في الإنجيل: إن ظلمك أخوك فاذهب إليه فعاتبه فيما بينك وبينه فقط، [أ] طاعك ربحت أخاك، وإن هو لم يطعك فاستتبع رجلًا أو رجلين ليشهدا عليه ذلك الكلام، فإن لم يستمع فأنه أمره إلى أهل البيعة، فإن هو لم يسمع من أهل البيعة فليكن عندك كصاحب المكس".
٥-وروى عن عيسى صلوات الله عليه: "إذا كان بينك وبين أخيك معاتبة فالقه فسلم عليه فاستغفر لك وله، فإن قبل فأخوك وإن أبى فاستشهد عليه شاهدين أو ثلاثة أو أربعة فعلى ذلك تقوم شهادة كل شيء في مجلس قومه، فإن قبل فأخوك وإن أبى فليكن كصاحب مكس أو كمن كفر بالله".
1 / 10
٦-وقال أبو الدر داء ﵁: "معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله".
٧-و[قيل] [الطويل]
خليلي لو كان الزمان مساعدي ... وعاتبتماني لم يضق عندكما صدري
فأما إذا كان الزمان محاربي ... فلا تجمعا أن تؤذياني مع الدهر
٨-وكتب الصولي إلى ابن الزيات هذه الأبيات: [المتقارب]
وكنت أخي بإخاء الزمان ... فلما نبا كنت حربًا عوانا
1 / 11
وكنت أذم إليك الزمان ... فأصبحت فيك أذم الزمانا
٩-وكتب إليه: [طويل]
أخ كنت آوي منه عند ادكاره ... إلى ظل فينان من العز باذخ
سعت نوب الأيام بيني وبينه ... فأقلعن منا عن ظلوم وصارخ
وإني وإعدادي لدهري محمدًا ... كملتمس إطفاء نار بنافخ
١٠-وعن إياس بن معاوية: "خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلما كان ببعض المناهل لقيه ابن عم له فتعانقا وتعاتبا، وإلى جانبهما شيخ من
1 / 12
الحي يفن فقال لهما: انعما عيشًا، إن المعاتبة تبعث التجني، والتجني يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة".
١١-شعر: [الوافر]
فدع ذكر العتاب فرب شر ... طويل هاج أوله العتاب
١٢-قال رجل لصديق يعاتبه: ما أشكوك إلا إليك، ولا أستبطيك إلا لك، ولا أستزيدك إلا بك"
١٣-وقال له: "أنا منتظر واحد من اثنتين: عتبى تكون منك أو عقبى تغني عنك" ١٤-وقال له: "قد حميت جانب الأمل فيك، وقطعت أسباب الرجاء منك. وقد أسلمني الإياس منك إلى العزاء عنك، فإن نزعت من الآن فصفح لا تثريب فيه، وإن تماديت فهجر لا وصل بعده".
١٥-وقال أوس بن حارثة لولده: "العتاب قبل العقاب"
1 / 13
١٦-وقال ابن أبي فنن: [متقارب]
إذا كنت تغضب في غير ذنب ... وتعتب من غير جرم عليا
طلبت رضاك فإن عزني ... عددتك ميتًا وإن كنت حيا
١٧-سأل سفيان بن الأبرد الكلبي هندًا بنت أسماء بن خارجة امرأة الحجاج أن تكلمه في شأنه فمطلته فأرسل إليها يقول: [طويل]
أعاتب هندًا والسفاه عاتبها ... وماذا أرجو من معاتبتي هندا
1 / 14
أغيب فتنسى حاجتي وتصوغ لي ... حديثًا إذا صاحبتها يقطر الشهدا
١٨-قال المدني لأبي مروان القاضي: "إلى متى أستمطرك غيث الجميل، وأستطلعك شمس الإحسان وأنت تخوف برعد المطل، وتؤنس ببرق التسويف".
١٩-كاتب: "أنت فتى المجد ومعدن الحرية، ووطن الأدب، ومن كانت هذه صفاته فالخروج عن مودته [جهل] فضلًا عن الدخول في عداوته، وأنا وأنت أخوا مودة، ورحم المودة أمس من رحم القرابة: فكيف رشت سهامك؟ أم كيف امتحنت بعداوتك؟ ولكنه كما قال الشاعر: [طويل]
بلى قد تهب الريح من غير وجهها ... وتقدح في العود الصحيح القوادح
٢٠-[وقال] أبو الزبرقان: [متقارب]
صحبتك إذ أنت لا تصحب ... وإذ أنت لا غيرك الموكب
1 / 15
٢١-وقال عمرو بن الأيهم بن أقلت التغلبي النصراني: شعر [خفيف]
قاتل الله قيس غيلان طرا ... ما لهم دون غارة من حجاب
ليس بيني وبين قيس عتاب ... غير طعن الكلى وضرب الرقاب
٢٢-وقال: "من أحوجك إلى العتب فقد وطن نفسه على الهجرة".
٢٣-قدم ابن المعتصم وكان شيخ الرملة والمشار إليه بفلسطين، على ابن قريعة القاضي فقدم على ما ساءه وناءه حتى قال: "لقد اقشعر
1 / 16
جلدي بتلك الديار من ضيم لعله ما كان ينالني، ولو نالني ما كان يغيظني. فأسندت نفسي إلى ابن عم لي بالعراق، ولو سلختني المغاربة سلخًا ونفخوا في جلدي نفخًا لكان أهون علي مما عاملني به".
٢٤-كتبت عثعث على زر قميصها بالذهب: شعر [طويل]
علامة ما بين المحبين في الهوى ... عتابهما في كل حق وباطل
٢٥-وكتبت مستهام جارية الفضل بن الربيع على تفاحة إليه: شعر [طويل]
تمنى رجال ما أحبوا وإنني ... تمنيت أن أشكوا إليه فيسمعا
1 / 17
٢٦-وقال [غيره]: [طويل]
وكنت إذا ما جئت أكرمت مجلسي ... ووجهك من ماء البشاشة يقطر
فمن لي بالعين التي كنت مرة ... إلي بها في سالف الدهر تنظر
٢٧-وقال الأحنف: شكوت إلى عمي صعصعة بن معاوية وجعًا في بطني فنهرني، ثم قال: يا ابن أخي إذا نزل بك شيء فلا تشكه إلى أحد فإنما الناس رجلان، صديق تسوؤه، وعدو تسره. والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه، ولكن من ابتلاك هو قادرًا أن يفرج عنك. يا ابن أخي إحد [ى] عيني هاتين ما أبصر بها سهلًا ولا جبلًا من أربعين سنة وما أطلعت على ذلك امرأتي ولا أحدًا من أهلي"
1 / 18
٢٨-وقال أبو دلف: [رمل]
إذا عتب في سيئة ... لم يدعها وتعاطى أختها
٢٩-محمد بن أميه: [طويل]
وأضمر في قلبي العتاب فإن بدا ... وساعفني منه اللقاء نسيت
٣٠-وقال غيرة: [طويل]
ومن لم يعاتب في التواني خليله ... وأملى له صار التواني تماديا
٣١-وقال آخر: [الكامل]
ترك العتاب إذا استحق أخ ... منك العتاب ذريعة الهجر
1 / 19
٣٢-شكا رجل إلى آخر الفقر فقال له فضيل: "يا هذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟ ".
٣٣-شعر: [طويل]
شكوت وما الشكوى لمثلي عادة ... ولكن تفيض النفس عن امتلائها
٣٤-قال المتنبي: [طويل] وكم من أخ ناديت عند ملمة=فألفيته منها أمض وأقدحا
1 / 20
٣٥-وقال آخر: [بسيط]
وليس تشكو إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرخم
٣٦-وقال وهيب بن الورد: "خالطت الناس منذ خمسين سنة ما وجدت رجلًا غفر لي زلة، ولا أقالني عثرة، ولا ستر لي عورة، ولا أمنته إذا غضب".
٣٧-[وقيل]: "ما أصغيت لك إناء ولا أصننت لك فناء". أي ما فعلت بك ما يوجب الشكاية.
٣٨-[قيل]: "باعني بيع الخلق فيما نقص لا فيما زاد".
٣٩-شعر: [الكامل]
وأراك تشربني وتمزجني ... ولقد عهدتك شاربي صرفا
1 / 21
٤٠-وقال: [مجزوء الكامل]:
يا ذا الذي منه التن ... كر والتغير والنبو
إن كان أدرك الملا_ل فقد تداركني السلو ٤١-وقال: [خفيف]
كل يوم قطيعة وعتاب ... ينقضي دهرنا ونحن غضاب
٤٢-"كثرة العتاب تنغل أديم المودة" ٤٣-عتاب جحظة مثل فيما رق ولطف
1 / 22
٤٤-وقال بعضهم: [الوافر]
ورق الجو حتى قيل هذا ... عتاب بين جحظة والزمان
٤٥-وللبديع الهمداني: "بيننا عتاب لحظة كعتاب جحظة، واعتذارات بالغة كاعتذارات النابغة".
٤٦-في نوابغ الكلم: "الكتاب الكتاب إذا أردت العتاب، إن العتاب مسافهة إن كان مشافهة".
٤٧-قابوس: أراك واهي الود في مضارب الود غيرك زاكي الحب في منابت الحب. الوفاء عندك بمنزلة الأبلق العقوق، والصفاء عندك مشرب بريق العقوق".
1 / 23
٤٨-وقال كثير عزة: [طويل]
ومن لم يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عائب
ومن يتتبع جاهدًا كل عشرة ... يجدها ولم يسلم له الدهر صاحب
٤٩-بشار: [طويل]
إذا كنت في كل الأمور معاتبًا ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
1 / 24