La duda creativa: en diálogo con los ancestros
الشك الخلاق: في حوار مع السلف
Géneros
لم يكن التحرر الوطني ساحة للمواجهات السياسية فقط بل والمواجهات الثقافية، ولهذا كانت معارك التحرر الوطني في البلدان المستعمرة، سابقا، مناسبة للاهتمام بالدراسات التاريخية. واقترن هذا بتنامي الشعور بالنزعة القومية. وبرزت قضية الخصوصية أو الأصالة أو الهوية تعبيرا عن جهود استكشاف عناصر ومظاهر وحدة الذات التاريخية. وظهر الاهتمام بالتاريخ كدراسة علمية نقدية مواكبة لحركة التحرير لأسباب عدة: (1)
رد فعل ضد ما كتبه المستعمرون؛ أي إعادة صوغ صورة موضوعية عن الذات القومية غير الصورة التي رسمها الآخر «المستعمر»، وليكون التاريخ قوة دفع. (2)
استكشاف الوحدة التاريخية للهوية كعملية متطورة، ولتأكيد الانتماء أو التوحد والتطابق مع الجماعة.
ولقد تباينت مواقف الأمم من تاريخها أثناء وبعد التحرير؛ إذ هناك من لم ينزع إلى النظر إلى تاريخه نظرة علمية نقدية، بينما حرصت أمم أخرى على تأكيد استقلالها الفكري وصياغة بنية ذهنية موضوعية من خلال جهودها البحثية. ونذكر هنا ما قاله المفكر والمؤرخ الهندي
R. K. Panikar
عام 1947م: «تعي الهند الآن ماضيها .. لقد تعاظمت الحاجة إلى تاريخ الهند على نحو يعيد بناء الماضي بحيث يهيئ لنا فكرة عن تراثنا. إن تاريخ الهند الحقيقي أثناء الفترة البريطانية لا يتألف من أنشطة شركة الهند الشرقية ولا ممن خلفها ممثلا للتاج البريطاني، وإنما قوام تاريخنا الانتفاضة الكبرى التي قادت إلى تحول المجتمع الهندي .. وهذا على خلاف الرؤية الغربية ..»
لهذا يتصدر التاريخ كمبحث علمي وأداة إعادة بناء صورة الذات أولويات الأمة حين تهم بالنهوض عاقدة العزم على الحركة نحو المستقبل. ذلك أن المستقبل هو علة التاريخ، بمعنى أن نظرة الإنسان للتاريخ وصورة وعيه به، رهن السعي نحو بناء مستقبل محدد المعالم تحفز إليه حاجة عملية .. أولها اطراد البقاء في مواجهة تحديات الصراع؛ إذ بدون ذلك لا مكان للتاريخ كرؤية عقلانية نقدية، بل لماض متوهم. وبدون سعي الإنسان/المجتمع إلى مستقبل تحفزه وترسمه ضرورات عملية، وتستثيره تحديات التكيف والبقاء في سياق صراع الوجود، إما البناء أو الفناء الحضاري .. بدون ذلك يكون الحديث عن التاريخ ضربا من التحليق في الفراغ، بل لن يكون الحديث هنا عن تاريخ قوامه وحدة الوجود والوعي الاجتماعي، أو لنقل فعالية الذات الاجتماعية قرين وعي اجتماعي في سياق من الدينامية المطردة، وإنما سيكون التاريخ مجرد ماض أو تاريخ أسطورة .. أو أيديولوجيا.
إن الأمة تفكر لنفسها وبنفسها؛ أي يكون لها فكرها المستقل، ويتوفر لها ركن من أركان الإرادة الجمعية، حين تعي ذاتها التاريخية في استجابة لتحديات مفروضة على هدي مشروع عملي مستقبلي. أو بمعنى آخر أن تحديث وتطوير المجتمع رهن شرطين: (1)
وعي عقلاني نقدي بالذات أو بالتاريخ في وحدته وحركته. (2)
استراتيجية تطوير شاملة.
Página desconocida