وتتلخص الآراء عن الجزء الثالث في كلمات الشاعر الناقد جون ماسفيلد الذي يقول في كتابه الوجيز عن شكسبير: «إن هذه النسخة قد تكون من تأليف جرين وبيل ومارلو مشتركين أو متعاونين على نحو من توزيع العمل بينهم وتراءى أثر شكسبير في مواضيع منها ولكنها غير كثيرة، وقد نقحت الرواية بعد نسخها الأولى ووسعت بقلم مجهول وتخللتها لمسات من قلم شكسبير.»
وتساءل جيمس سبدنج “Spedding”
في مقاله بمجلة الجنتلمان (أغسطس سنة 1850) عمن كتب رواية هنري الثاني؟ وأجاب سؤاله بأنها من عمل جون فلتشر إلا القليل منها، وربما اشتركت فيها يد ثالثة على شيء من الخبرة بفن الإخراج المسرحي، ولكنها محدودة القدرة على تمثيل العظائم في عرض الحوادث وتصوير الرجال.
أما رواية ترويلس وكريسيدا التي تردد الناشرون المعاصرون لشكسبير في ضمها إلى المجموعة، فالأستاذ ماسفيلد يقول عنها: «إنها مسودة حوار بقيت في انتظار الإتمام، وقد تضاربت الأقوال عن تمثيلها في حياة شكسبير، وحدث أنها نشرت على نحو غامض قبيل عودته إلى قريته، وفيها منظر أو منظران تم تأليفهما ولكن مناظرها الأخرى ظلت على أسلوب التخطيط الساذج خلوا من الصقل والجمال، وتعد مناظرها التامة من أعظم ما تصوره شكسبير، إلا أنها عظمة الفكر لا عظمة الأداء.» •••
وبعد أكثر من مائتي سنة من صدور المجموعة الأولى ظهرت مسرحية باسم توماس مور تشتهر الآن باسم المسرحية المخطوطة؛ لأنها ظلت من عهد كتابتها في أواخر القرن السادس عشر محفوظة بخطوط النساخ لم تطبع قبل سنة 1844 حين وصلت إلى أيدي الجماعة الأولى التي تألفت لإحياء آثار شكسبير، وهي الآن تلحق بمجموعاته في الطبعات الأخيرة، ولا تثبت لها صلة به غير اشتمال مسوداتها على كلمات بخطة كما تبين من تحقيقات الخبير المختص بالخطوط «موند تومبسون». وتدور فصول المسرحية على ترجمة الفيلسوف المؤرخ الوزير توماس مور صاحب المدينة الفاضلة ورائد البحث عن المدن الفاضلة في العصور المتأخرة، وقد كان من المعارضين للملك هنري الثاني في دعوى الرئاسة الروحية والدنيوية، وموضوع حياته وموته جدير بقلم شكسبير، ولكنه لا يطرد مع طريقته في اختيار أدوار المسرحيات التاريخية وعناوينها. •••
وعلى هذا المثال تناولت مدرسة النقد التحليلي ومدرسة النقد النفساني مسرحيات الشاعر، وأفاض الشراح من المدرستين في تناولها إفاضة موفورة الأسباب والأمثال تستعصي على الحصر في هذا الكتاب، وأسفرت هذه الدراسات - التحليلية النفسانية - عن ثروة نفيسة من أسرار اللغة وبواطن المعاني ودقائق الفهم والاستدلال، وثبت من محاولاتها العصية أنها مسبار من التحقيق لا غنى عنه في تقويم المؤلفين وتواليفهم، وإن لم يأت بالنتيجة القاطعة في جميع الأحوال، وزاده صعوبة في دراسة شكسبير أن الشكوك كلها قائمة على فوارق التعبير وفوارق التنسيق، وأن الشراح والنقاد لم يتيسر لهم إقامة الحد الواضح بين الفروق الضرورية التي لا بد منها والفروق العارضة التي توجد في أحوال ولا يلزم أن توجد في سائر الأحوال.
فمن الفروق الضرورية أن تختلف البواكير والنهايات في أعمال كل مؤلف كبير المواهب متعدد الجوانب يتطور سريعا وترتبط أطوار التقدم والنضج عنده بمطالب المسرح ودواعيه الفنية، مع ما يقترن بها من دواعي الإدارة والانتقال من فرقة إلى فرقة ومن موضوع إلى موضوع ... ولقد وجدت فوارق البواكير والنهايات في أعمال كل شاعر وكاتب من الأقدمين والمحدثين، وكانت هذه الفوارق على أوسعها وأغربها بين أوائل شكسبير وخواتيمه، فامتلأت مؤلفاته الأولى بالكناية والنزوع إلى الإشباع والتركيز وتحميل العبارة غاية ما تطيق من القصد والإيحاء، وغلب عليه التكلف في هذا الطور الأول على ديدن المبتدئين الذين يدفعون الظنة عن قدرتهم على مجاراة الفحول من نظرائهم المنافسين، فبالغ في إثبات تلك القدرة وصمد على أسلوب الإشباع سنوات، ثم تحول عنه فلم يتركه كل الترك، بل ترك الإطناب والتفخيم ولم يترك تحميل الكلمات غاية ما تطيق من معان وإشارات؛ لأن أفكاره بطبيعتها تزيد على وعائها من الألفاظ والتراكيب.
هذه الفوارق الضرورية بين البواكير والنهايات تأتي في سنوات طويلة أو قصيرة ويسهل استقراؤها باستقراء التواريخ والأدوار، إلا أن المؤلف قد تلازمه الفوارق الضرورية في الحقبة الواحدة وفي موضع بعد موضع من العمل الواحد، وتلك هي الفوارق بين حالات الإجادة والإلهام وحالات الإهمال والركود، أو هي الفوارق بين المؤلف على أحسنه وأجوده والمؤلف نفسه على أردأ حالاته وأبعدها عن الإجادة والإتقان، وشكسبير من المؤلفين الذين يعظم التفاوت بين أعماله في الحالتين.
وهناك الفوارق المقصودة التي يتبين في روايات عدة أن شكسبير كان يتعمدها ويختارها للتوفيق بين الموقف وما يقتضيه من الحماسة أو الخشوع أو الإيمان أو المرح أو الأبهة والروعة، ويقول بهذا الرأي في تعليل الفوارق كتاب محدثون من أعرف الشراح بالشاعر وبدواته وعادات ذهنه وقلمه في تنويع عباراته، ومنهم نوتني
Nowottny
Página desconocida