مشى عز الدين بعد خروجه من الإيوان إلى المنزل الخاص به في القلعة، ودخل غرفة فيه تطل على
القاهرة، وقد تعمد الخلوة ليفكر في تلك الظنون التي غزت قلبه، وهو لا يزال في أول هذا الدور
الجديد، وجلس على مقعد بجوار النافذة، فوقع بصره على القاهرة وما وراءها من الفسطاط إلى
النيل وفيه جزيرة الروضة، فتذكر الملك الصالح، وأيامه هناك مع شجرة الدر، فمر في مخيلته
تاريخ علاقته بها، فلم يجد ما يوجب شكا، فعاد إلى حسن الظن.
وبينما هو في ذلك، إذ جاءه غلام ينبئه بمجيء امرأة منقبة تريد مقابلته، فسأل الغلام من هي
تلك المرأة، فقال: «لم أستطع تمييزها لأنها منقبة وقد غطت وجهها.»
فنهض وهو يفكر فيمن عساها أن تكون، وسار إلى غرفة خاصة بمقابلة القادمين، فوجد تلك المرأة
جالسة على المقعد وقد التفت بملاءة ثمينة، ويدل مجمل حالها على أنها لم تأت لطلب صدقة، فدخل
وحياها فردت التحية وهي تتحفز للنهوض، فأشار إليها أن تقعد فقعدت، وقعد هو بين يديها وقال
Página desconocida