Shajarat Durr
شجرة الدر: قصة تاريخية
Géneros
وترددت بينهما الرسل والرسائل أشهرا، والملك الصالح في معتقله لا يكاد يجد كفاية من الطعام والشراب وراحة الجنب، ولا يكاد يخلص إليه شيء من أنباء ما يجري وراء أسوار القلعة؛ فلولا ما تحاول شجرة الدر أن تقدم إليه من أسباب التسرية والمسرة، ولولا ما يسمع من حديث صاحبه البهاء زهير، وما يرى من مظاهر إخلاص الطائفة القليلة من المماليك الذين صحبوه إلى معتقله
5
لضاق بحياته فزهقت نفسه.
الفصل العاشر
تدبير وكيد
افتقد مماليك الأمير في الحصن ذات صباح صاحبهم بيبرس فلم يجدوه، فانتابهم القلق وظنوا الظنون، ودرى بمغيبه الملك الصالح فزاد قلقا وهما، وكانت جهان ماشطة الأميرة شجرة الدر أشد الجميع قلقا وأكثرهم هما، فلم تطعم شيئا منذ بلغها النبأ، وانطوت على نفسها حزينة دامعة العين، لا تخف إلى خدمة ولا تجيب نداء!
فرد واحد من هذه الأسرة الملوكية التي أحيط بها في هذا المعتقل كان يبدو هادئ النفس مطمئنا، كأنما لا يعنيه شيء من غياب ذلك المملوك الباسل، ولا يفكر من أمره في شيء؛ تلك هي شجرة الدر!
ورفعت جهان عينيها إلى مولاتها وهمت أن تقول شيئا، ثم أمسكت وطأطأت رأسها في انكسار وحزن، وأحست الأميرة بما يعتلج في نفس جاريتها، فأدركتها رقة وهمت أن تقول لها شيئا، ثم أمسكت كذلك، وتدابرتا فمضت كل منهما إلى طريق وعلى شفتيها كلام لم تسمعه أذنان!
ومضت أيام قبل أن يعود بيبرس، فتطمئن الخواطر وتهدأ الظنون، ولكن بيبرس منذ عاد من غيبته تلك لم يتحدث إلى أحد، ولم يحاول أحد أن يتحدث إليه أو يعرف فيم كان غيابه ولم عاد!
وهدأ وجيب القلوب إلا قلبا واحدا كانت تتوزعه الظنون والأوهام؛ ذلك قلب جهان ماشطة الأميرة، فلم تكد تطمئن على سلامة صاحبها حتى أجد لها الفكر مذاهب أخرى من القلق والريبة، وظنت به ظنون كل أنثى بمن تحب.
Página desconocida