و«كاتي» هذه من سلالة ألمانية، فوالدها رجل صارم، قاس، فظ، أناني، وأمها قديسة وأمية في آن واحد.
من هذه السلالة جاءت «فرانسي»، ومن أبيها ورثت حب الموسيقى والرقص والغناء، وعندما أتيح لها أن تدخل المدرسة كانت دروس هذه الفنون الثلاثة أحب الدروس إلى قلبها، ثم فوجئت معلمتها باستعدادها الكبير للتعبير الواضح السليم.
وما إن أتمت «فرانسي» الثالثة عشرة، حتى حلت بالأسرة كارثة اضطرت الفتاة معها إلى العمل كخادمة، واضطر أخوها بدوره إلى الخدمة في مطبخ الحانة التي كان أبوهما يعمل بها حينا، ويعاقر فيها الخمر في أكثر الأحيان! ولم تلبث الأم أن ولدت فما جديدا في حاجة إلى مزيد من الطعام!
ثم انتقلت «فرانسي» للعمل في مشغل للأزهار الصناعية، وهي تصف أيامها الأولى في ذلك العمل وصفا صادقا أمينا، وتصف خيبتها ومتاعبها، وكيف طردت بعد أيام لتعمل في «أرشيف» أحد المكاتب الصغيرة. ولما نشبت الحرب العالمية - الأولى - اشتغلت عاملة تلغراف، في نوبات ليلية، مكنتها من مواصلة دراستها، فكانت تتقدم للامتحانات كلما تيسر لها ذلك.
سنوات من الكفاح المتصل، تتخللها ومضات من السعادة، ومن الحب، منذ عرفت «فرانسي» طريقها إلى موعدها الغرامي الأول!
وتتوالى أحداث القصة، في تحليل رائع وتصوير صادق لأدق خلجات النفس البشرية؛ نفس الفتاة المراهقة «فرانسي »، ونفس أمها «كاتي»، التي تهب عليها ذكريات أيام كانت قد نسيتها، وينبري لها - من الماضي البعيد - شبح يحدث في حياتها الأثر الذي يحدثه حجر يسقط فوق سطح بحيرة ساكنة! لكني لن أفسد عليك متعة متابعة أحداث القصة بنفسك، فلأدعك تستمتع بصحبة هذه الأسرة وهي تنتقل من مرحلة في حياتها، إلى مرحلة أخرى جديدة، اقتضتها أن ترحل إلى «ميتشيجان» حيث تغيرت ظروفها، كما تقلب أسطوانة على وجهها الآخر، وهناك التحقت «فرانسي» بالجامعة، لتحقق حلمها الكبير!
لقد بدأت الشجرة تجد طريقها إلى رقعة فسيحة من السماء.
وهذا يصدق على الشجرة الحية «فرانسي»، كما يصدق على الشجرة النابتة في الفناء، على السواء.
فها هي ذي «فرانسي» في آخر يوم لها في «بروكلين» تمضي دافعة أمامها عربة شقيقها الأصغر في الطريق، كي ترد - لآخر مرة - الكتب التي استعارتها من المكتبة العامة، وها هي ذي تتوقف لتنظر إلى الفناء القديم وإلى سلم الطوارئ الذي كفت عن الجلوس عليه منذ سنين، وإذا بها ترى في مكانها القديم المعهود، فتاة في نحو العاشرة - نفس سنها هي يوم كانت تجلس في ذلك الموضع - ثم تفجع برؤية الشجرة المكافحة، وقد قطع السكان جذعها حين كبر وحجب عن غسيلهم الشمس!
ولكن الشجرة لم تمت، بل نبتت من جذورها القديمة أغصان جديدة، في اتجاه جديد، لقد تحاشت مواضع حبال الغسيل، وشقت لها طريقا إلى سماء حرة.
Página desconocida