ونظر جوني إلى الطفلة نظرة عابرة، وركع بجوار سرير كاتي وهو لا يزال يمسك بثمرتي الأفوكادو ، وأخذ ينتحب مفضيا إليها بمخاوفه وقلقه، وبكت كاتي معه، أو كانت تريده معها أثناء الليل، ولكنها ودت الآن لو أنها استطاعت أن تضع طفلتها خفية، وأن تذهب إلى مكان بعيد ثم تعود حين ينتهي كل شيء، وتنبئه بأن الأمور كلها سارت على ما يرام، ولكنها كانت تعاني الألم كأنها ألقيت حية في زيت ملتهب يغلي، ولا يدركها الموت حتى يخلصها من آلامها، لقد كان يلح عليها الألم؛ رباه! أليس ذلك حسبي؟ لم كتب عليه الشقاء أيضا! إنه لم يخلق للشقاء ولكنها هي التي خلقت له، وكانت قد وضعت طفلتها منذ ساعتين فحسب، ونال منها الضعف فلم تعد تستطيع أن ترفع رأسها عن الوسادة، وبالرغم من ذلك أخذت تواسيه وتخفف آلامه، وتسأله ألا يستسلم للقلق وأنها سوف تعنى به وترعاه.
وبدأت حال جوني تتحسن، وأخبرها أن الأمر هين على أي حال، وأنه قد عرف أن كثيرا من الأزواج مروا بتلك المحنة، وقال: وإني لأمر بتلك المحنة أيضا، فأنا الآن رجل.
وأخذ يتحدث عن الطفلة ممعنا في الصخب، ووافقت على اقتراحه بتسمية الطفلة فرانسي، تيمنا بالفتاة فرانسي ميلاني التي لم تتزوج أخاه آندي قط، وظنا أن هذه التسمية خليقة بأن تساعد على التئام قلبها الجريح، لو أنها أصبحت أم الطفلة في العماد؛ لأن الطفلة سوف تحمل الاسم الذي كانت ستحمله هي، لو أن آندي قد عاش؛ فرانسي نولان.
وعالج ثمرتي الأفوكادو بالزيت المحلى والخل المملح، وأحضر الكامخ لكاتي وخاب أملها حين ذاقت طعمه غير المستساغ، لكن جوني قال إنها لا بد أن تعتاده كما اعتادت الزيتون، وأكلت كاتي الكامخ مراعاة لخاطره وتأثرا بلفتته، إذ رأته يفكر فيها، وحثت إيفي على أن تذوق شيئا منه ففعلت، ثم قالت إنها لا تلبث أن تصيب بعض الطماطم.
وبينما كان جوني يشرب القهوة في المطبخ، جاء صبي من المدرسة يحمل رسالة من المدير، يقول فيها إن جوني فصل من العمل بسبب الإهمال، وعليه أن يذهب إلى المدرسة ليأخذ ما يستحقه من مال، وختمت الرسالة بإنباء جوني ألا يطلب أية توصية، وشحب لون جوني وهو يقرأ الرسالة، وناول الصبي خمسة سنتات نظير حملها إليه، وتوصيل رسالة منه يقول فيها: إنه سوف يحضر إلى المدرسة، ومزق جوني الورقة ولم يذكر عنها شيئا لكاتي.
وقابل جوني المدير، وحاول أن يشرح له الأمر، ولكن المدير أنبأه بأنه إذا علم أنه يوشك على إنجاب طفل، أصبح من واجبه أن يكون أكثر حرصا على وظيفته، وأخبره بعد روية مشفقا عليه بأنه لن يدفع شيئا نظير الخسارة التي سببتها المواسير المنفجرة، وأن مجلس التعليم سوف يتحمل ذلك، وشكره جوني ودفع له المدير من جيبه الخاص ما يستحقه من مال، بعد أن وقع جوني مستندا بتحويل مرتبه المقبل إلى المدير، وفعل المدير على كل حال ما وسعه بحسب تقديره للظروف.
وأعطى جوني القابلة أجرها كما أعطى صاحب البيت إيجار الشهر المقبل، وشعر بشيء من الفزع حين أدرك أنه أصبح أبا لطفلة، وأن كاتي سوف تظل مدة طويلة ضعيفة لا تستطيع أن تفعل الكثير، وأنهما طردا من الوظيفة، وطمأن نفسه أخيرا حين فكر في أن الإيجار قد سدد، وأن أمامهما ثلاثين يوما يقضيانها في أمن من العوز، وما من شك في أنه سوف تأتيهما الأيام في هذه الأثناء بشيء جديد.
ومضى جوني عصر ذلك اليوم إلى ماري روملي ليخبرها بمولد الطفلة، وتوقف عند مصنع المطاط، وسأل عن رئيس سيسي، وطلب من الرجل أن ينبئها بنبأ الطفلة، ويسألها إن كانت ستزورهما بعد فراغها من العمل، وقال الرئيس إنه سيفعل، وغمز بعينيه لجوني ولكزه في ضلوعه قائلا: إن هذا لخير أصابك يا ماك.
وابتسم جوني وناوله عشرة سنتات، وقال له: اشتر سيجارا من نوع جيد ودخنه حبا وكرامة.
ووعد الرئيس قائلا: سأفعل، يا ماك.
Página desconocida