ومنحها جوني رقصة من قبيل المجاملة حين عزفت المويسقى قطعة «روزي أو جرادي الجميلة» وعرفت كاتي حينما شعرت بذراعيه تلتفان حولها، وانساقت بلا وعي إلى مجاراته في الإيقاع، أنه الرجل الذي تنشده، إنها لا تطلب شيئا أكثر من أن تنظر إليه وتستمع له بقية حياتها، وهنالك قررت أن هذه الفضائل جديرة بأن تجعلها أسيرة له طول حياتها.
وربما كان قرارها هذا هو خطأها الأكبر؛ لأنها كانت خليقة بأن تنتظر حتى يصادفها الرجل الذي يحس نحوها بهذا الشعور، وعندئذ لم يكن أطفالها جديرين بأن يجوعوا أو أن تحملها الظروف على مسح الأرض لتعولهم، ولظلت ذكراه باقية في مخيلتها عاطرة مشرقة، ولكنها اختارت جوني نولان، ولم ترد سواه، وعملت جاهدة على أن تظفر به.
وبدأت خطتها يوم الإثنين التالي، حين انطلقت صفارة الانصراف فجرت خارج المصنع، ووصلت إلى المنعطف قبل هيلدي، وقالت مترنمة: أهلا، جوني نولان.
وأجابها: أهلا، كاتي العزيزة.
وحاولت بعد ذلك أن تتبادل معه الكلمات القليلة كل يوم، ووجد جوني نفسه ينتظر عند المنعطف من أجل هذه الكلمات القليلة .
وذات يوم شعرت كاتي بالتوعك الذي يصيب المرأة كل شهر، فأخبرت رئيستها أنها معتلة الصحة بسبب هذا العذر، وخرجت قبل موعد الانصراف بخمس عشرة دقيقة، وكان جوني ينتظر عند المنعطف مع أصدقائه، وراحوا يصفرون لحن «آني روني» تمضية للوقت، وأمال جوني قبعته على إحدى عينيه ووضع يده في جيوبه، وتحرك حركة من رقصات الفالس على جانب الطريق، وتوقف المارة معجبين، وصاح الشرطي الذي كان يسير في نوبته قائلا: إنك تضيع وقتك أيها الفتى الشاذ، وإن مكانك على المسرح.
ورأى كاتي مقبلة فتوقف عن الرقص وابتسم لها، وبدت كاتي رائعة في حلة رمادية محكمة التفصيل، موشاة بشريط أسود أتت بها من المصنع، وكان الشريط المطرز في دوائر ولوالب متشابكة كل التشابك، وصممت رسوماته بحيث تلفت الأنظار، قد التف إلى نصفها الأعلى الجميل الذي ساعد في إبرازه صفان من الثنيات شبكا في غطاء المشد الذي ترتديه، وارتدت مع الحلة قبعة في لون الكرز جذبتها فوق إحدى عينيها، وحذاء عاليا ذا أزرار نعله ملفوف، ولمعت عيناها البنيتان واحمر خداها من الاضطراب والخجل، حين فكرت كيف تبدو متأنقة لتسعى وراء رفيق كهذا، وناداها جوني وابتعد عن الفتية الآخرين، ولم يتذكر جوني وكاتي ماذا قال كل منهما للآخر في ذلك اليوم المشهود، وفي أثناء حديثهما الذي كان يدور بلا غاية ولا هدف - وإن كان ينم عن أشياء كثيرة وتتخلله فترات صمت ممتعة، واختلاجات عاطفية مثيرة مكنونة - تبين لهما على نحو أن كلا منهما يحب الآخر حبا جارفا.
وانطلقت صفارة المصنع فاندفعت أسراب الفتيات خارجات من مصنع كاسل بريد، وأقبلت هيلدي في حلة بنية غبراء، وقبعة سوداء مثل قبعات البحارة ثبتتها بدبوس شيطاني المنظر كسيخ الشواء في تصفيفة شعرها المسواة بشريط في لون النحاس، وهي التصفيفة المأثورة عن مدام بومبادور، وابتسمت ابتسامة آسرة حين رأت جوني، ولكن الابتسامة انقلبت إلى انقباضة ألم وخوف وكراهية حين رأت كاتي معه، واندفعت نحوهما وهي تنتزع الدبوس الطويل من قبعتها وصرخت: إنه رفيقي يا كاتي روملي، ولا يمكنك أن تسرقيه مني!
وقال جوني في صوته العذب المتزن: هيلدي! هيلدي!
وقالت كاتي وهي تهز رأسها: أظن أن هذا بلد حر.
Página desconocida