فجاءه صوت ناعم يقول: ألا زلت تكلم نفسك كالمجانين؟
وتراءت أمامه في فستانها البيتي الفضفاض تنضح صحة وشبابا. هتف بخوف: أنت؟! - دون غيرها وبجميع ذكرياتها ... - ذكريات أليمة، لم يبرأ قلبي بعد من عذاباتها. - يا للعجب! - وبسببها عافت نفسي الزواج فبقيت أعزب حتى النهاية. - ولكنك لم تفعل إلا أن عشقتني. - رغم أنك كنت بمنزلة الأم، امرأة أبي. - في مذهب العشق يجوز كل شيء. - ما زالت الجريمة تنغص علي صفوي. - أتسميها جريمة؟ - أنت التي أغريتني! - كلانا أغرى صاحبه. - إنها ذكرى الجحيم في حياتي. - وهي أسعد ذكرياتي. - يا لك من ... - امرأة طيبة، كما أنك إنسان طيب. - أهذا يمثل الرأي هناك؟ - كيف لم يبلغك؟ .. عيد ميلاد سعيد.
وتوارت عن ناظريه. تبلبل فكره. رغم ذلك داخله إحساس دافئ بالارتياح، انجابت هموم ثقيلة، وقال لنفسه: من يدري؛ فلعلي بالغت أيضا في محاسبة النفس عن غرق ذلك الشاب المجهول ...
سمع تنهدة عميقة. رأى الشاب يقف عاريا يحملق في وجهه ويقول: تقول إنك بالغت؟
فقال بأمل: بت أعتقد ذلك. - يا لك من فاجر!
ترامقا طويلا حتى انقبض قلبه، وقال الشاب: تركتني أغرق يا نذل! - لا ذنب علي، أنت وحدك المسئول. - غلبني الموج وخانتني قواي فاستغثت بك. - لم أكن أحسن السباحة ... - بل كنت تحسنها بالقدر الكافي لإنقاذي .. ولكنك هربت يا قاتل ... - لا تقل ذلك، القانون نفسه في ذلك العهد ... - القانون! إن الغرقى في ذمة المتفرجين! - حسبت أن ذلك الموقف قد تصور لك في صورة جديدة ... - ولم يتصور في صورة جديدة؟ - هكذا انقلبت الأحكام في عالمكم! - لقد انقلبت في رأسك بحكم الخوف، وإني نادم على مخاطبتك ...
وغادره على حال من القلق فقد معها توازنه، اضطرب صدره وجاش بالمتناقضات وقال: أي الأفعال خير وأيها شر؟ وكيف يهتدي ضميري في هذه الغابة المتلاطمة بالغرائب؟! آه لو كان أبي حيا!
وإذا بالصوت الذي طال انقطاعه يقول: أشكر لك حسن ظنك.
غض البصر تجنبا للمواجهة، وعقل الخجل لسانه فلم ينطق، وقال الأب بنبرة لم تخل من تهكم: أراك تستعد للاحتفال بعيد ميلادك!
ولما لم ينبس سأله: ماذا يمنعك من الكلام؟
Página desconocida