أعماه الغضب فانقض على الرجل ودفعه بكل قوته. لم يتأثر الرجل أقل تأثر ودفعه بكتفه دفعة بسيطة فانقذف الشاب إلى أقصى الحجرة متعثرا في طريقه بخوان، فسقطا سويا. نهض بسرعة لاعنا؛ ولكنه كف عن تجربة قوته. واندفعت الفتاة نحو النافذة المطلة على الطريق ففتحتها على مصراعيها، وراحت تصوت بأعلى صوتها مستغيثة. وإذا بأصوات ترتفع لاعنة في غضب، وإذا بالطوب ينهال على النافذة ويمرق بعضه إلى داخل الحجرة حتى تنحت الفتاة والفتى في ركن آمن وهما مذهولان.
تساءلت وهي ترتجف: ماذا جرى للناس؟ - يقذفوننا بالطوب بدلا من إغاثتنا!
والرجل الغليظ لم يسكت. تقدم خطوات فتناول الخوان المقلوب وجرى نحو النافذة فرمى به منها بأقصى قوته، ثم أغلق النافذة! صاح الشاب: ماذا فعلت؟
فعاد إلى موقفه وهو يقول: طيلة الوقت تبادلنا الضرب. - الضرب؟ - وانتصرت عليهم دائما!
فسألته الفتاة بحنق: كيف جعلت من شقتي ميدان قتال؟ - الحق عليهم، كلما ظهرت في نافذة بادروني بمعاكساتهم، اضطررت إلى قذفهم بالأطباق فقذفوني بالطوب ... - لقد جعلت من أهل الطريق أعداء لنا! - لا يهمك. - ألا ترى أنك تتصرف في الشقة كما لو كانت ملكك الخاص؟ - الحق عليهم كما قلت لك. - إنك تبدد الأشياء الثمينة وتعرضنا للخراب. - أهذا جزاء من يدافع عن شقتك؟ - يا سيدي تشكر، ما نريد منك إلا أن تذهب بسلام!
هز منكبيه العريضين ثم ذهب إلى الردهة المفضية إلى الباب الخارجي. لكنه لم يلبث أن عاد فرفع الحلة في هدوء ومضى بها إلى الداخل. همست الفتاة: النجدة!
انتقل الشاب إلى التليفون فرفع السماعة، جعل ينقر عليه. ثم أعادها غاضبا وهو يقول: حرارته مفقودة! - رباه! - لعله عبث به، ومن يدري؛ فلعله عبث بالراديو والتلفزيون أيضا ... - كارثة حلت بشقتنا الجديدة، ولكن لا بد من عمل شيء. - فلنذهب سويا إلى نقطة الشرطة. - قد ينتقم من الشقة في غيابنا! - لا بد مما ليس منه بد.
مضيا معا نحو الباب الخارجي ولكنهما رجعا وهو يقول: أغلق الباب بالمفتاح!
ومضى يفتش عن المفتاح حيث وضعه على ترابيزة صغيرة فلم يجده .. تمتم: ليس الوحش غبيا كما تصورت. - لقد سجننا! - حتام نمضي في السجن تحت رحمته؟ - ذلك لا يمكن أن يقع ولا في الخيال!
وإذا بدفقة مروعة من أصوات خشنة مختلفة المصادر تنقذف من ناحية المطبخ؛ وقع أقدام، ارتطام بجدران، سقوط أوعية، تحطيم آنية، صيحات وعيد. وقبل أن يفيق الزوجان من الصدمة الجديدة اندفع الرجل الغليظ مشتبكا مع آخر في مثل حجمه إلى الحجرة وهما يتصارعان. تصارعا بعنف ووحشية، وكل منهما يحاول قهر الآخر؛ فمرة هذا تحت الآخر، ومرة العكس. حتى تمكن الرجل الغليظ من غرس الآخر تحته دون أن يدع له فرصة للإفلات أو الحركة، ثم هتف بصوت جذلان: فيفا فلا!
Página desconocida