فتساءل الشاب: عم تتحدثين؟
ولكن التابع بادره قائلا: إن كنت تحبها حقا فهي لك! - لي؟! - النظرة والحب والتنفيذ تحدث في دربنا في ساعة واحدة! - أفندم؟
وقبل أن يجيبه تراءت المعلمة في أول الدرب. سارت بعجلة إلى داخل القهوة وهي تومئ إلى الراقصة فتبعتها في الحال. تبادل الصديقان نظرة طويلة، ثم قال التابع: الظاهر أنك وقعت! - ليس الأمر كما تتصور! إنها فتاة جذابة وفي عينيها نظرة بريئة! - بريئة! - بكل معنى الكلمة. - ألك ثقة في فراستك؟ - قلبي لا يخطئ. - هنيئا لك موهبتك، ولكن ألا ترغب في شيء من الترفيه قبل أن تخوض جهاد الغد؟ - يبدو أنك لم تعد تهتم بالسياسة! - خلنا فيما نحن فيه، ألا ترغب في شيء من الترفيه؟ - ألم يعد يهزك حدث إلغاء الدستور؟ - انظر إلى دربنا العجيب، تأمله لتتذكره فيما بعد، فيه تسعد النفس بجميع محرمات العالم الآخر؛ مثل الحب والحرية والاحترام!
ومال فوق أذنه وراح يهمس له وكأنما ينفث في أساريره الذهول، وهتف الشاب: فوق العقل! .. ولكن ماذا تفعل هنا؟ - أقيم هنا كما قلت لك. - ولكن ... - ألا ترى في عيني نظرة بريئة؟
ضحك الشاب وقال: إنه مكان عبور لا مكان إقامة! - لكل قاعدة استثناء كما قيل لنا في المدرسة! - من يتصور أنك ابن أبيك الرجل الطيب؟!
فبصق بازدراء وقال: اللعنة على الجميع!
وحل صمت فاتخذا منه هدنة للتفكير، ثم قال التابع بنبرة خلت من المزاح أو السخرية لأول مرة: إني أكره العالم الذي جئت منه؛ هجرته بلا أسف عليه، وإذا ذكرته فإنما أذكر عنف أبي وغباءه، وسجن المدرسة الرهيب، وهراوات الشرطة، وما إن اهتديت إلى هذا المكان حتى أدركت أنني ولجت أبواب الجنة! - الجنة! .. أي جنة؟! - هنا يتقرر مصيرك بقوة رأسك، ويتحدد مركزك المالي بجرأتك، وتقرر سعادتك بطاقة حيويتك، لا زيف على الإطلاق، اعتبرني الآن رئيس وزراء يعترض طريقه رجل خطير، فإذا تغلبت عليه يوما ما توجت ملكا!
فضحك الشاب قائلا: عاش الملك! - ما الأمل الذي تشقى من أجله؟ وظيفة حقيرة في حكومة حقيرة! ثم إنك عبد مضطهد، الاضطهاد يطبق عليك في بيتك، ويطاردك في الخارج، وكل عام أو عامين يتصدى لك دكتاتور كالكلب الأرمنت يلتهم لحمك ويهشم عظامك ... - أترى أن الحل أن أحمل متاعي وأقدم إلى هنا؟
فقال التابع معاودا سخريته: ذاك مطمح فوق قدرتك! - ولكن ... - ولكن؟ - ولكن رب زيارة من آن لآخر تنفع ولا تضر! - في هذا ما يكفي في الوقت الحاضر!
وغادرت المعلمة القهوة. هرع التابع إليها فقالت له: إني ذاهبة مرة أخرى، سأوفق بإذن الله، انتبه، وإذا مر قبل أن أرجع فتصرف بحكمة، إياك والتهور، وإلا هدمت الدرب فوق رءوسنا!
Página desconocida