Mujeres Famosas en el Mundo Islámico
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
Géneros
لا يعرف الناس شيئا عن هشام ولا يذكرون إلا اسمه، ولكنهم ما زالوا يقدسونه في نفوسهم؛ لأنه ابن الحكم وحفيد عبد الرحمن وسليل الأسرة الأموية، إذن ليس في الإمكان إظهار التمرد جهارا بيانا، فما هو الطريق المؤدي إلى تحويل مجرى الحوادث؟ هل يقبل المنصور على نفسه الانكسار والخضوع بعد أن وصل بكده وبسعيه أوج العز والإقبال؟ أيخفض الآن جناحيه بعد أن كان يبسطهما لحماية سواه؟ كان لا يحني رأسه ولا يرضى بالمذلة يوما ما، كان سلطان الماضي وهو الآن أمير الحاضر، فيجب على المستقبل أيضا أن يطيعه، كيف يرضى المنصور ذلك البطل الذي رفع لنفسه لواء فخر دائم الخفقان في طول البلاد الإسلامية من أقصاها لأقصاها أن يذهب ضحية حيلة سياسية أتمتها صبيحة؟ كيف يستطيع صبرا على الانحدار بعد تقدم دام عشرين عاما؟ كان عليه أن يواجه الخليفة بمفرده، إن هشاما لينحني أمام وزيره إذا تقابلا على حدة دون أن تكون معه والدته تعضده وتظاهره، كان المنصور يعلم موضع الضعف من مولاه الخليفة، ويعلم أنه لا يستطيع أن يقابله ببرود وأن يشدد عليه النكير إلا إذا كانت معه الأميرة، أما إذا لم تكن هي بجانبه فكل عزم ينقلب إلى ضعف وكل شجاعة تنقلب إلى جبن وانهزام، وكانت صبيحة تعلم هذا الأمر وترى أن ابنها لا يستطيع الثبات أمام نظرات وزيره الحادة، ولا يتمكن من الدفاع عندما يسل عليه لسان طلاقته وسلاح بيانه؛ ولذا كانت تخشى عاقبة تلاقيهما على انفراد وتخاف أن ينهدم بناء سياستها رأسا على عقب في لحظة واحدة، إنما المنصور سعى واجتهد حتى توصل بمعونة رجال القصر أنفسهم إلى مقابلة مولاه مقابلة سرية دون أن يعلم به أحد، كانت الأميرة صبيحة ملكة ذات سياسة وتدبير حنكتها الظروف والأيام وزادتها التجارب خبرة في الحياة، وإنما لم تكن سعيدة الحظ مثل المنصور؛ ولذا كتب عليها الاندحار والفشل في نهاية الأمر.
عندما مثل المنصور بين يدي الخليفة لم يعبأ لما نال مولاه من الدهشة والاضطراب، بل ابتدأ الكلام بما يريده من القول بسلاسة وطلاقة اشتهر بها حتى أثر على الخليفة وضيق دونه المذاهب، فنسي أنه الخليفة وأنه صاحب النهي والأمر وأن في يده قوة غير محدودة، ونسي تعليمات والدته ووصاياها أمام نظرات المنصور وأمام سحر بيانه وطلاقته، ولم يتردد في الاعتراف بعجزه
1
عن الحكم وتدبير الملك، وأنه سيتنازل له عن كل سيطرة وسلطان ولا يتداخل في شئون البلاد، وأنه يرضى بنقل الخزينة خارج قصره إذا شاء وزيره المنصور، لم يكتف المنصور بهذا الإقرار بل انتهز هذه الفرصة واستدعى بعض وكلاء الدولة وأشهدهم على هذا الاعتراف بعهد موقع عليه من الخليفة ومدون فيه ما تعهد به لوزيره شفويا،
2
وقد أمضى عليه الوكلاء لإثبات شهادتهم.
حدث هذا الأمر في العام السابع والثمانين بعد الثلاثمائة من الهجرة، وبهذه الحادثة نال المنصور أكثر مما كان يتمناه ويحلم به بسهولة لا تخطر على بال.
أعلن العهد بعد ذلك وعلم الناس بخبره فأصبح من العبث التمرد والعصيان في سبيل سلطان عاجز عن الحكم، يعترف بلسانه أنه ضعيف فاتر العزيمة، يكل أمور الدولة ومهام السلطنة إلى وزير صادق هو المنصور، لم يكتف بهذا الانتصار، بل أراد أن يظهر للناس أن خليفتهم وقع على العهد باختياره وإرادته وأنه لا يوجد ثمت خلاف أو نفور بينهما، فاستصوب أن يخرج إليهم بجانب الخليفة راكبا فرسه في موكب عظيم لهذا الغرض وقد تم له ما أراد، ما الذي يستطيع أن يعمله الإنسان لأسير لا يشكو من أسره، يعيش باختياره تحت النير، لحاكم يعترف بعجزه عن الحكم، لسلطان لا يتأثر من التنازل عن نفوذه واقتداره لغيره، لخليفة لا يرى بأسا من الخروج إلى شعبه غداة اعترافه المخجل، اللهم لا شيء سوى الأسف والتألم، ولقد كان من حسن حظ المسلمين أن وجد في عصر حاكم عديم الحس مثل هشام وزير مقتدر مثل المنصور ليستبد بأمور الدولة، فلو بقي زمام الحكم في يد الخليفة لما تردد من فتح أبواب قلاعه لأمراء الفرنجة، وإن التاريخ لا ينسى قوله للعصاة وهو في محبسه بعد وفاة المنصور: «أنقذوني وأنا أعدكم حتى بالعرش.»
3
فهل هناك
Página desconocida