Mujeres Famosas en el Mundo Islámico
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
Géneros
تولى ابن أبي عامر منصبه الجديد وأظهر امتنانه وشكره لأميرته وولية نعمته بهدية ذات قيمة سارت بذكرها الركبان، كانت هديته نموذجا صغيرا لإحدى قصور الأندلس الجميلة مصنوعا من الفضة ومنقوشا بغاية الدقة والإحكام، وقد كان يوم نقلها من بيته إلى القصر الملكي يوما مشهودا اجتمعت فيه آلاف الجماهير لمشاهدة هذه التحفة اليتيمة،
9
وقد سرت الأميرة من هذه الهدية الثمينة التي كلفت ابن أبي عامر مبالغ طائلة وكان لها أثر بليغ في نفسها، من ذلك الحين بدأ يقدم لها الهدية تلو الهدية مراعيا في ذلك أن تكون هديته الثانية أثمن وأرفع قدرا من الأولى، كل هذه أمور زادت سرور الأميرة وضاعفت من شكرها وامتنانها له، إلا أن تكرار هذه الهدايا على وجه من الإسراف لا يطابق حالة أبي عامر، فك ألسنة الجمهور من عقال السكون وأخذوا يتساءلون ويتهامسون في المجامع عن مصدر تلك الأموال الباهظة التي أنفقت في سبيل مجاملة الأميرة، فكانوا يقولون في أنفسهم: إن هي إلا من مال الأمة ومتوفرات بيت المال، وإلا فمن أين له كل هذه الأموال؟ وقد اتسعت دائرة تلك الإشاعات وتماوجت حتى اتصلت بمسامع الخليفة نفسه فأرسل يطلب ابن أبي عامر إلى بيت الزهراء.
أرسل الخليفة بطلب أبي عامر إلى بيت الزهراء لتقديم الحساب عن أموال الحكومة المودعة تحت تصرفه.
هذه صدمة لم تكن في الحسبان ارتعدت لها فرائص أبي عامر؛ لأن الخزائن كان بها عجز ظاهر لا يعوضه إلا مال وفير، ففكر في الأمر وقدح زناد الفكر فلم يجد أمامه سوى الالتجاء إلى صديقه العزيز ابن خضير، وقد التجأ إليه وطلب منه يد المعونة فكان عند حسن ظنه به؛ لأن ابن خضير أعانه على أمره وأقرضه المال الناقص، وبذا أتم ابن أبي عامر شئونه وأكمل حسابه ويمم نحو بيت الزهراء آمنا مطمئنا، وهناك أمام مولاه قدم حسابا دقيقا برهن به على أمانته وأظهر إخلاصه وقطع ألسنة المخرصين والعداة؛ كانت دفاتره مرتبة منسقة وخزائن الدولة ملأى بالأموال ودار الضرب تتوهج بسبائك الذهب والفضة، فخجل الخليفة من نفسه ولم يسعه إلا تقديم عبارات الشكر والإعجاب بناظر ماليته القدير، ودفعا للشبهة وسوء الظن عهد إليه بوظيفة جديدة هي وظيفة التفتيش العام.
وفي اليوم الثاني لهذه الحادثة أعاد ابن أبي عامر ما اقترضه إلى صديقه الحميم، وكان عمله هذا معجزة ألجمت ألسنة أعدائه وأوقعتهم في مهاوي الدهشة والحيرة، إن حسن الطالع ما زال يناصره ويشد أزره وينجده أكثر من ذي قبل، فها هو قد أظهر إخلاصه لخليفته وخرج من تهمته نقي اليد عالي الرأس، وازدادت مكانته في نفس الأميرة، وعلت كلمته في طول البلاد وعرضها حتى أصبح أوسع رجال الدولة نفوذا وأعلاهم كلمة.
إن انتصاره على أعدائه بتلك الكيفية زاد من محاباة الأميرة له فتمكنت من تقريبه إلى الخليفة أكثر من ذي قبل، وأخذت تنشر محاسنه بين الناس جهارا ولا ترى بأسا من المضي معه في تيار الهوى، فصار ما بينهما حديث القوم في سمرهم ومجالس أنسهم ولهوهم،
10
حتى أصبح يخشى من وصول ذلك إلى مسامع الخليفة؛ ولذلك ارتأى المصحفي بعد موافقة الأميرة أن يذهب ابن أبي عامر إلى إشبيلية
11
Página desconocida