فلما رأى الطلبة أبا بكر تسابقوا إليه متصايحين: إلينا أبا بكر! إلينا يا صاحب الحمار! فقد اشتد جدالنا في بعض أبيات من قصيدة المتنبي، وعندك القول الفصل، وأنت جهيزة التي تقطع قول كل خطيب. - إن المتنبي يا أبنائي، رجل معروف المكانة، ولكن له هفوات في اللغة، وانحرافا عن الأسلوب السليم. فصاح الجمع: كيف يا أبا بكر؟ - لقد زل في بيته المشهور:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بد
لأن الصداقة مشتقة من الصدق في المودة، والحر لا يصدق في مودة عدوه، والصداقة ضد العداوة، ولا موقع لها في هذا الموضع. فابتدره أحد الطلبة قائلا: وماذا كان يقول يا أخا الحمار؟!
كان يقول:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من مداجاته بد
فصفق الطلاب، وعلا صياحهم في إعجاب وسخرية. فأشار إليهم بذراعيه؛ ليسكتهم. ثم قال؛ أما القصيدة الجديدة فمطلعها هو: «كفى بك داء أن ترى الموت شافيا» لا يصح أن يخاطب به ملك وإن كان كافورا، وفي قوله:
ولكن بالفسطاط بحرا أزرته
حياتي ونصحي والهوى والقوافيا
Página desconocida