مرت شهور على زواج المعتمد وهو سعيد بحبه، يزيد في كل يوم بالرميكية هياما، ويفنى في نظراتها غراما، فلندعه في نشوته ولننتقل لنرى المعتضد في قصره، والقواد والرؤساء وقوف في خدمته، وقد قدم لزيارته العالم الحسيب أبو حفص عمر الهوزني، فسلم على المعتضد وجلس، ثم قال: جئت أليك أبا عمرو، لأسدي إليك نصحا لم أستطع كتمانه، وكلما سوفت فيه، اعتقدت أنني خائن لله ولك وللمسلمين.
إن أعداءنا الإسبان لا يتركون فرصة لقص البلاد من أطرافها إلا اهتبلوها، وهم لا ينامون عن غزو البلاد والإيقاع بملوكها، وإثارة بعضهم على بعض ليلة أو بعض نهار، وقد رأيت أن ملوك المسلمين فارت بينهم الأحقاد وخدعهم الأعداء، فأصبح بعضهم عدوا لبعض، ثم إنهم انصرفوا إلى اللهو والخمر والنساء، وتركوا الإسبانيين يفتكون بهم أميرا أميرا، حتى إن بعضهم اليوم يدفعون لهم إتاوات كل سنة، ويتزلفون إليهم.
صرح الشر فلا يستقل
إن نهلتهم جاءكم بعد عل
انهضوا فالداء رزء أجل
واكسروا سيفا عليكم يسل
فقال المعتضد: وما شأنك أنت وهذا يا شيخ؟! عجبي منكم أيها الفقهاء!! تريدون أن تدسوا أنفكم في كل شيء ...
تركنا لكم دين الله تعملون به ما تشاءون، فاتركوا له دنيانا. - إن دين الله أثبت أركانا وأقوى دعائم من أن يعمل المرء فيه ما يشاء، أما الدنيا فليست لك وحدك وإنما هي للمسلمين عامة، وقد قال سيدك وسيدي أبو بكر الصديق: إذا رأيتم في اعوجاجا فقوموه بسيوفكم، ونحن لا نقومك بسيوفنا ولكن بالنصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين. - وهل أنا معوج؟ - لقد زاد اعوجاجك وصلب، حتى يئسنا من تقويمك. - خذوا هذا الشيخ عني، وإلا قتلته بسيفي. - اقتلني إن شئت. فقد اشترى الله مني نفسي ومالي بالجنة.
وحينئذ وثب عليه المعتضد وهو كالأسد الثائر، فحز رأسه، وقال لخدمه: احملوه إلى الجحيم.
فحمله الخدم، والألم على الشيخ يكاد يخرجهم عن حد الطاعة لسيدهم. ثم جاء ابنه أبو القاسم الهوزني، والحزن الشديد يمتزج في صدره بالغضب الشديد وقد جمدت عيناه، وارتعدت شفتاه، ورفع خدمه الشيخ على الأعناق، وأبو القاسم خلفه يحدث نفسه ويتمتم.
Página desconocida