ففي يوم طاب أصيله، ورق نسيمه، خرج للتنزه هو وأبو القاسم الهوزني في الموضع المعروف بمرج الفضة، وكان مرجا بهيجا، كثير الأشجار، يجتمع فيه الرجال والنساء للفرجة والتمتع بشاطئ نهر الوادي الكبير.
وبينما هو وصاحبه على الشاطئ؛ إذ هبت ريح لطيفة عقدت على سطح النهر حبكا، فقال لصاحبه: أجز:
صنع الريح من الماء زرد
فتلكأ الهوزني، فبادرت فتاة كانت بمقربة منهما، وقالت:
أي درع لقتال لو جمد!
فتعجب المعتمد، ونظر إليها، فإذا وجه يبهر العيون، وجسم يثير الفتنة النائمة. فقال لخادم كان وراءه: سل عن هذه الفتاة واعرف مكان أهلها، فإنها سلبت لبي، فجاء الخادم بعد يومين وأخبره أنها جارية رميك بن حجاج، فذهب المعتمد إلى أمه فكاشفها بغرامه بهذه الجارية، وأنها أصابت شغاف قلبه، وأنه لا يستطيع البعد عنها، وسألها أن تستعطف أباه وترجوه في أن يزوجه منها، فوعدته خيرا.
ثم اغتنمت في يوم فرصة ابتسامة اختلست طريقها بين شفتي المعتضد، فقالت: يا مولاي. إني نظرت اليوم من خلال نافذة القصر، فرأيت المعتمد بين قواد الجيش وعليه مهابة وجلال ملأ جوانب نفسي زهوا وإعجابا. إن كل لمحة من لمحاته يا مولاي، تقول إنه ملك، وقد وقف الرؤساء أمامه خاشعين وهو يشير بأصبعه هنا وهناك، في حسن سمت، وجلالة موقف. - إنه ابني يا طاهرة، وفيه دم ملوك بني المنذر، وإن أخوف ما أخافه عليه تلك النزعة الجائعة إلى اللهو والعبث. - إنه في ميعة شبابه يا مولاي، ولو نظر كل شيخ نظرة إلى الوراء لأغضى عن هفوات الشباب. - لكن لا يا طاهرة، إن التمادي في الشهوات نكبة الملوك، وكارثة العروش. - لعله لو تزوج بمن يحب كف وارعوى. - هو كالعصفور المرح لا يثبت على غصن، له نقرة في كل ثمرة، فإذا فرغ من نقر الثمار، ملأ الجو غناء وشدوا. - لا يا مولاي، إنه يريد أن يفرغ إلى شئون الملك بالزواج، وقد أحب جارية أديبة مهذبة عاقلة، لرميك بن حجاج، وألح في أن أطلب إليك أن تزوجه منها. - قد يصبر المرء على مر الدواء إذا كان فيه شفاؤه، فليتزوجها لو كان في ذلك أن يقصر باطله، وترعوي نوازعه.
دعي في اليوم الثاني رميك بن حجاج إلى القصر، ونزل عن جاريته للمعتمد فأعتقها وتزوج منها، وكان لها الأثر الكبير في حياته وسياسته، وسماها (اعتمادا) ليشتق اسمها من اسمه، وهو يقول في تطريز اسمها، وقد أرسل إليها برسالة وهو بعيد عنها:
أغائبة الشخص عن ناظري
وحاضرة في صميم الفؤاد
Página desconocida