فحملته بين ذراعيها في رفق وحنان، وكشفت عن وجهه غطاء من الحرير الرقيق، وقالت: إنه جميل وسيم يا مولاي ... إن فيه كثيرا منك، وكثيرا مني.
فنظر الأمير إلى وجهه، وقال: نعم يا جارية. هذا أنفك بعينه لا يكاد يخطئ الشبه من ينظر إليهما ... أنف إسباني ورب الكعبة.
فتكلفت طاهرة الغضب في دلال وفتنة، وقالت: ألا يزال الأمير يعيرني بأبي؟! والله إن إصهارك منه لأكبر دليل على شرف محتده ونبل منزله.
نعم، إن أبي كان مولى إسبانيا من موالي المنصور بن أبي عامر، ولكن نسبه يرجع إلى أسرة عريقة من ملوك الشمال، ثم زاده الإسلام شرفا على شرف، وأضاف إلى مجده التليد مجدا طريفا. - أنا أعرف ذلك يا طاهرة، وإنما هي مزحة أردت أن أثير بها غضبك. أرجو أن يكون هذا الغلام سعيدا، كما أرجو السعادة لأخويه: إسماعيل وجابر، فإنني يا طاهرة دائم القلق على ذريتي، وعلى ذلك الملك الذي أثلناه بعزم يدك الجبال، ولاقينا في توطيده وتوسيع رقعته ما يشيب نواصي الأطفال.
إنك قوي الخيال يا مولاي، تجري وراءه فيصور لك التصاوير المزعجة، ويقض مضجعك كأنه حلم مزعج حتى إذا صحوت منه لم تجده شيئا. - لا يا ابنة مجاهد. إن المنجمين يكادون يجمعون على أن زوال ملكنا يكون على أيدي قوم يطرءون على الجزيرة من غير سكانها، وأغلب الظن أن يكون هؤلاء هم البرازلة، الذين طرأوا على الأندلس في عهد المنصور بن أبي عامر؛ لذلك صممت - إن تنفس لي العمر، وامتد الأجل - أن اكتسح غرب الجزيرة، وألا أبقي من ملوكه ملكا على عرش. - زادك الله يا مولاي قوة وتمكينا، وأمتع بحياتك.
عند ذلك تهيأ الأمير للقيام، وقبل زوجه قبلة في جبينها، ثم مشى نحو الباب وهبط من السلم والعبيد حوله، والحراس أمامه وخلفه، حتى إذا وصل إلى البهو، قام الناس جميعا في هيبة وخوف وإجلال، وتقدم إليه رجال الدولة، ورؤساء الجند، وعظماء المدينة، بالتهنئة والدعوات بتمام الإقبال وسعادة المولود. ثم تقدم الشعراء فأنشد كل منهم ما كان أسرع في إعداده، وكان فارس حلبتهم في هذا اليوم أحمد الأنصاري الشاعر، الذي أنشد قصيدة سينية كانت غاية في الإبداع. منها:
أصاخت الخيل آذانا لصرخته
واهتز كل هزبر عندما عطسا
وآثر الدرع مذ شدت لفائفه
وأبغض المهد لما أبصر الفرسا
Página desconocida