Poeta Andalusí y un Premio Mundial

Abbas Mahmud al-Aqqad d. 1383 AH
52

Poeta Andalusí y un Premio Mundial

شاعر أندلسي وجائزة عالمية

Géneros

ولقد كان من القدر المتاح لهذا الشاعر الوديع أن ينشأ في بلاده، وهي مرجل من مراجل الشر والبغضاء وميدان من ميادين الحروب الأهلية كأعنف ما تضطرم بها ميادين الأمم في عصر من العصور، وسميت فتنتها بالحرب الأهلية لأنها أعنف من الثورة وأشد اختلاطا من عداء ينفجر بين ظالم جائر ومظلوم غاضب؛ إذ كان مثار النزاع بين المتنازعين كأنه برج بابل من المبادئ والعقائد والأغراض، والشكايات والمقاصد التي يعلنها دعاتها والمقاصد التي يكتمونها أو يجهلونها ولا يدرون بواطنها وخفاياها، ففي كل طرف من الأطراف المتلاقية والمتعادية ملكيون وجمهوريون وزعماء من علية الأرستقراطية، وزعماء آخرون من أوساط الناس وعامتهم وجهلائهم وأراذلهم في العقول والأخلاق، وبين هؤلاء وهؤلاء متدينون ومنكرون، وبين المتدينين أناس من أنصار الكنيسة، وأناس آخرون من ألد الأعداء للقساوسة والرهبان ... وبين المنكرين مؤمنون بالمثل العليا وآخرون لا يؤمنون بغير ضرورات المادة ومعيشة الحيوان.

ويسأل كل طرف من هذه الأطراف: ما المصير؟ وما المخرج؟ وأين القرار؟ وكيف يكون القرار؟ فلا يسمع لسؤاله جواب، ولا يستطيع الواقف بينهم موقف الحيدة أن يجرد هذه القضايا المشتبكة من أخلاطها وشوائبها أو يخلص منها إلى ناحية يجزم برجحانها على العلات.

وتلك حيرة عاتية شقي بها المتمرسون بعلاج المشكلات من دهاة السياسة في القوم، ومن قادة الاجتماع الذين ألفوا ضراوة الأحداث، وعرفوا كيف يصابرونها إن لم يعرفوا كيف يقودونها ويسلسون زمامها؛ فأحرى بهذه الحيرة الجهنمية أن تشقي فنانا وديعا لا عهد له بمراسها، ولا طاقة له بالنظر فيها بله الصبر على مضانكها والأمل في تدبيرها.

وكل ما ثبت له عن يقين بين هذه الدعوات والشكوك أن الحرية جديرة بالانتصار، وأنه مطالب بالتشيع لها والسعي في سبيلها، ولكن أين هي الحرية؟ ومن هم الأحرار من قبل اليمين أو من قبل اليسار؟ إنه يرى بعينيه أن الحرية ضائعة، وأن العبودية واقعة كلما انتصر هذا الفريق أو ذاك الفريق؛ فالذين يطلبون الحرية لحماية النظام الاجتماعي باسم الأرستقراطية يدعون الشرف بغير حق من المعرفة ولا من الخلق ولا من الدراية العملية بسياسة الأمة وتدبير مرافقها، وغاية دعواهم أنهم بقية رثة من تراث قديم تخلفت قشوره، وذهب لبابه، وفقد فضائل أهله، ولم يكسب فضائل غيره. والذين يطلبون الحرية باسم الديمقراطية خنقوا الحرية، وجعلوا ديمقراطيتهم نقيضا للإنسانية، فلم يعرفوا للإنسان حقا في الحياة غير حق الماشية، بل حق البهيمة الضارية التي انفردت بين الضواري بافتراس نظائرها في نوعها واستحقت أن تسمى باسم آكلي البشر، أو باسم «الكانيبال» كما سماها في مقام التفرقة بينها وبين دعوة الأحرار الآدميين. •••

ولم يخذله إلهام الشاعر مع إخلاصه الإنساني في النفاذ ببصيرته إلى مقطع الحق من قضية الأرستقراطية وقضية الديمقراطية في المستقبل الذي يتطلع إليه طلاب الإصلاح من كل مذهب؛ فإنه وضع القضيتين في موضعهما الصحيح، وخرج بهما من ذلك الوضع المغلوط الذي جمد عليه أصحاب المصطلحات الاجتماعية والسياسية في أمته وفي كل أمة معاصرة بقيت فيها بقية من النزاع بين القضيتين.

فما زال الأكثرون من علماء الاجتماع والسياسة يقيمون القضيتين على خصومة دائمة بين المبادئ تكون في المستقبل كما كانت في الماضي، ولا تستقر إحداهما إلا إذا زالت الأخرى من الوجود وبطلت مبادئها في العقول وفي أطوار الحياة.

أما الأرستقراطية التي فهمها خيمنيز فهي كاسمها في اللغة حكومة الأحسن، ومناط الحسن فيها صفات الإنسان لا صفات آبائه وأجداده الحقة أو المدعاة. فأحسن الناس هو أصلحهم خلقا وأصدقهم ذمة، وأوفرهم عقلا، وأقدرهم عملا، وأوسعهم علما بما ينفع الناس مجتمعين ومتفرقين، ومن الواجب على الأمم أن تعمم هذه الصفات ليشترك فيها الناس، ويبلغوا فيها غاية ما يبلغه أبناء الأمة من المساواة، ويختصوا الحاكم بالاختيار لأنه يتصف بأفضل صفاتهم، لا لأنه يحتكر أحسن الصفات لنفسه ولفئة من أقربائه ونظرائه في النسب والجاه.

والديمقراطية إذن حالة انتقال، ولا يصح بحال أن تكون أملا تنتهي إليه الآمال؛ فإن الديمقراطية واحتكار الحكم نقيضان لا يجتمعان، وإذا أصبحت صفات الحكم غدا ملكا مشاعا يعم أبناء الشعب جميعا؛ فليس هناك أرستقراطية ولا ديمقراطية، وليس هناك شعب حاكم وشعب محكوم.

وإذا كانت الديمقراطية اليوم انتصارا للشعب على من يسخرونه وينكرون حقوقه، فهي حالة تنتهي عند نهاية الفارق بين الحاكمين والمحكومين في المزايا والكفايات؛ إذ ليس للحاكم يومئذ من دعوى يدعيها غير صلاحه للنيابة عن شركائه في جملة مزاياهم وكفاياتهم، وقد تتفاوت هذه المزايا والكفايات بين فرد وفرد وبين ألوف وألوف من الأفراد، ولكنه تفاوت متداول بينهم جميعا لا حكر فيه لطائفة محدودة ولا استئثار فيه لفريق دون فريق.

وعلى هذ الفهم الصحيح للديمقراطية والارستقراطية في المستقبل يتغير وضع القضيتين في ماضيهما، وتصبح الديمقراطية في حالة الانتقال قنطرة يعبرها الشعب كله إلى الأرستقراطية المرجوة التي تنتشر فيها أحسن الصفات، ويختار فيها للحكم أوفق أبناء الشعب لولاية الحكومة وأوفرهم نصيبا من الصفات الحسنى بتزكية المحكومين.

Página desconocida