سلسلة القصص - المنجد
سلسلة القصص - المنجد
Géneros
أبو طالب وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: هذه القصة التي سنتحدث عنها هذه الليلة -أيها الإخوة- هي قصة وفاة عم النبي ﷺ، وفيها من العبر والعظات ما ينبغي أن يتوقف عنده المؤمنون، ويتمعن فيه أهل البصيرة، وقد روى هذه القصة الإمام البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى وغيرهما، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، أنه أخبره: أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله ﷺ، فوجد عنده أبا جهل بن هشام -وأبو جهل كان يكنى في الجاهلية بـ أبي الحكم، فلما كفر لقبه المسلمون بـ أبي جهل، ولا زالت هكذا كنيته إلى قيام الساعة- وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله ﷺ لـ أبي طالب: وهو في سياق الموت: (يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أشهد) وفي رواية: (أحاج لك بها عند الله).
فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب! أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فلم يزل رسول الله ﷺ يعرضها عليه -أي: يعرض عليه لا إله إلا الله- ويعودان الكافران بتلك المقالة، وهي: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ أتترك ملة أبيك؟ فلم يزل رسول الله ﷺ يعرضها عليه، وهما يعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، آخر شيء قبل أن يموت، والكلمات النهائية الأخيرة: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله ﷺ: (أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) فأنزل الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة:١١٣] وأنزل في رسول الله ﷺ: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص:٥٦].
أبو طالب اسمه عبد مناف، وهو اسم من أسماء أهل الجاهلية، وقد اشتهر بكنيته، وكان شقيق عبد الله والد النبي ﷺ، ولذلك أوصى بالنبي ﷺ عبد المطلب عند موته أبا طالب، فكفله إلى أن كبر، واستمر على نصرة النبي ﵊ بعد أن بُعث إلى أن مات أبو طالب، وكان موته بعد خروج المسلمين من حصار الشعب، وكان ذلك في آخر السنة العاشرة من البعثة.
وكان يذب عن النبي ﷺ، وكان يرد على كل من يؤذيه، وهو مقيمٌ مع ذلك على دين قومه على الشرك، وقد جاء في أثر ابن مسعود: [وأما رسول الله ﷺ فمنعه الله بعمه] وكان أبو طالب قد قطع على نفسه العهد بحماية النبي ﵊، وهو الذي قال:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا
وكان أبو طالب يعلم حقًا ويقينًا بأن دين النبي ﷺ دين حق، ويدل على هذا قوله في شعره:
ولقد علمت بأن دين محمدٍ من خير أديان البرية دينًا
لولا الملامة أو حذار مسبةٍ لوجدتني سمحًا بذاك مبينًا
كان يعلم أن دين النبي ﵊ خير أديان البرية، ولكن الذي كان يمنعه من اتباعه الملامة وحذار المسبة، أي: لوم قومه له وسبهم إياه.
3 / 2