138

Series of Faith and Disbelief - Introduction

سلسلة الإيمان والكفر - المقدم

Géneros

وجوب معاملة الناس بظاهرهم لا بما في قلوبهم
عن أسامة بن زيد ﵄ قال: (بعثنا رسول الله ﵌ في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة -يعني: هجمنا في الصباح على هذه القبيلة من جهينة- فأدركت رجلًا من الكفار، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته! مع أنه قال: لا إله إلا الله؛ فوقع في نفسي من ذلك! فذكرته للنبي ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟! قال: قلت: يا رسول الله! إنما قالها خوفًا من السلاح! قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ!) قال: فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلمًا حتى يقتله ذو البطين يعني: أسامة ﵁، قيل: لأنه كان له بطن عظيم، فقال رجل: ألم يقل الله: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال:٣٩]؟ فقال سعد: قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة.
هذا الحديث يجب أن يوضع نصب عين كل من لا يقتنع بأن يحاسب الناس على ما يظهرون، شأن العبيد مع العبيد فبعض الناس يريد أن يحاسب الناس على ما في قلوبهم لا يكتفي بما يظهرونه، ويظل يتتبع ويتحرى حتى ظهرت هذه البدعة الضالة: التوقف والتبين! يقول لك: يتبين، ولسان حالهم يقول: أريد أن أعاملك على أساس ما في قلبك لا على أساس ما تظهره؛ ويتعنت ويتعسف في بذل الجهد في إنقاص عدد أمة محمد ﷺ، هذه هي المهمة التي يعيش من أجلها: كيف يخرج الناس من الإسلام؟! كيف يحكم عليهم بالكفر؟! فمعاملة العبد لعبد لا تنبني إلا على ما يظهر هذا الإنسان، أما الذي يعامل الناس على ما في قلوبهم فهو الله سبحانه؛ لأنه وحده الذي يطلع على ذلك، معلوم قول النبي ﵊ في مناسبة أخرى: (إني لم أؤمر أن أنقب عما في قلوب الناس أو أن أشق بطونهم) أو كما قال ﵌.
وفي بعض الآثار كما في الموطأ عن عيسى بن مريم ﵇ قال: (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ﷿ فتقسو قلوبكم، وإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب ولكن انظروا فيها كأنكم عبيد، إنما الناس رجلان: مبتلىً، ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية).
فالإنسان الذي يعامل الناس على ما في قلوبهم تجد أنه ينازع الله في ربوبيته.
أما في حالة أسامة هذه فإن الظاهر أن هذا الرجل لما لاذ بالشجرة أو اختبأ، وقال: لا إله إلا الله، ولنفرض جدلًا أنه قال هذه الكلمة لكي تعصم دمه في الحال، فلا ينبغي حينها أبدًا أن يلتمس مثل هذه المعاذير.
إن قلة الفقه بهذه القضايا هي التي أوجدت مثل هذه الأمور التي نسمع بها من بعض إخواننا في أفغانستان؛ لعدم وجود الفقه والبصيرة والعلم الشرعي، كان بعض الإخوة إذا لاقوا الجنود من حكومة أفغانستان الشيوعية تجد جرأة على إراقة الدماء، فيقولون: لا إله إلا الله ومع ذلك يقتلونهم، هذا انحراف عن هدي النبي ﵌؛ لماذا؟ يقول: هو ما قال ذلك إلا بعد ما قدرت عليه وكدت أن أقتله؛ هذا نفس ما حدث مع أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما، ومع ذلك زجره النبي ﵌.
قد يطرأ
السؤال
لماذا لم يؤاخذ النبي ﵊ أسامة بقتله ذلك الرجل الذي قال: لا إله إلا الله؟
الجواب
لم يؤاخذه لوجود الشبهة في هذا الأمر، وأنه ظن أنه إنما قالها تعوذًا؛ فلو قال إنسان هذه الكلمة حتى لو كان الظاهر أنه يتعوذ بها فإنها تحميه، وفي قصة بني جذيمة حينما عرض عليهم خالد الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فقالوا: صبأنا، صبأنا.
فصبأنا من حيث اللغة تعني تغيير الدين، أما هو فقد فهمها بخلاف ذلك؛ لأن فيها نوعًا من عدم الصراحة في إثبات أنهم مسلمون أو غير مسلمين، وكان ينبغي أن يتحرى خالد ﵁ لكنه عرضهم على السيف وقتلهم؛ فحينما بلغ ذلك النبي ﵊ رفع يديه إلى السماء وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، وأرسل دية هؤلاء القوم حتى ميلغة الكلب)؛ أي: حتى الإناء الذي يلغ فيه الكلب دفع النبي ﵊ تعويضًا عنه.
الشاهد أن الإنسان ينبغي أن يحترز في مثل هذه الأشياء، وألا يجترئ على إراقة الدماء، وللأسف نسمع الكثير من الناس يسمون قتل المسلمين جهادًا في سبيل الله، هذه مصيبة من المصائب، وهي تنم عن الجهل الفاحش والجرأة على اقتحام حرمات الله ﵎.
يظن الإنسان أنه إذا خاض في قتال الفتنة أنها ما هي إلا لحظات ثم يقفز ويطرح حيث يشاء، ويظن أن ذلك شهادة، ولا يدري لعله قد يلج نار جهنم بإراقة هذه الدماء أو إذا قُتِل في مثل هذه الفتن، فينبغي أن تسمى الأشياء بأسمائها، فالجهاد: هو قتال المشركين لإعلاء كلمة الله، هذا عند الإطلاق صحيح، وتوجد صور أخرى من الجهاد؛ كجهاد النفس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوع من الجهاد، طلب العلم جهاد، السعي في طلب الرزق جهاد، الخروج على الحاكم إذا جاز الخروج عليه هذا نوع من الجهاد.
لقد شوه الجهاد الآن حتى صار إذا ذكرت كلمة: (جهاد)، تنصرف إلى أحد هذه الأنواع، وإن كان تعريف الجهاد في أي كتاب من كتب الفقه ينصرف عند الإطلاق إلى قتال المشركين لإعلاء كلمة الله ﵎.
الشاهد من حديث أسامة ﵁ أنه قال: (بعثنا رسول الله ﵌ في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلًا، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟! قال: قلت: يا رسول الله! إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟! فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ!)، يقول: تمنيت أني قبل هذه اللحظة ما كنت مسلمًا، وأن هذه بداية إسلامي؛ لأن الإسلام يجب ما قبله، وبالتالي تكون صفحته بيضاء، ثم قال رجل أثناء رواية سعد ﵁ للحديث، وذلك حينما دعي إلى الخوض في فتنة القتال بين المسلمين، قال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلمًا حتى يقتله ذو البطين- يعني: أسامة - فقال رجل يعاتب سعدًا ﵁ على عدم خوضه في هذا القتال فقال: ألم يقل الله: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال:٣٩]؟ فقال سعد: لقد قاتلنا، يعني: قاتلنا لما كانت الراية واضحة لإعلاء كلمة الله وفي سبيل الله.
لقد قاتلنا حتى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة! وفي رواية أخرى لـ مسلم في صحيحه: أن رسول الله ﷺ قال: (أقتلته؟ قال -أي: أسامة -: نعم، قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟! قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟! كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟! كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!).

12 / 3