وثبت المدعي العام عينيه عليها فترة طويلة، ثم سألها بعض الأسئلة العامة: اسمها، عمرها، حالتها الاجتماعية، عملها، عنوانها. وأجابت زوجة «روداء» في صوت ثابت، ثم أضافت سؤالا من عندياتها حين فرغ الكاتب من كتابة آخر إجاباتها - وهو سؤال لم يرد عليه أحد لأنه في نفس اللحظة دق جرس الهاتف وسمع صوت أجش لامرأة تقول في صمت الحجرة المجاورة: «أجل، كيف حالك؟ إنني مسرور لذلك! لقد أرسلت إلى «كاندوتشا» أسألها هذا الصباح ... الفستان؟ ... الفستان جميل، أجل، إن قصته حلوة ... ماذا ... كلا، كلا، إنه لم يتلوث ... أقول إنه لم يتلوث! ... أجل، ولكن دون تأخير ... أجل، أجل، أجل ... تعالوا دون تأخير ... مع السلامة ... تصبحون على خير مع السلامة.»
وفي هذه الأثناء كان المدعي العام يرد على سؤال «نينيا فيدينا» في رنة عادية من السخرية القاسية: «لا تقلقي، إننا هنا لذلك الغرض، كيما نقول للناس من أمثالك، ممن لا يعرفون، أسباب القبض عليهم.»
ثم أردف قائلا بصوت مختلف، وعيناه الضفدعيتان تبرزان من محجريهما: «ولكنك لا بد أن تخبريني أولا ماذا كنت تفعلين في منزل «إيوسبيو كاناليس» هذا الصباح.» - لقد ذهبت - لقد ذهبت لأقابل الجنرال في مهمة ما. - هل لي أن أسألك ما هي تلك المهمة؟ - مسألة بسيطة ليس إلا يا سيدي! مهمة اضطلعت بها ... كي ... اسمع يا سيدي، سوف أقول لك كل شيء: لقد ذهبت كي أخبره أنهم سيقبضون عليه بتهمة قتل ذلك الكولونيل (لقد نسيت اسمه) الذي لقي مصرعه في رواق الرب. - ثم تسمحين لنفسك بعد هذا أن تسأليني عن سبب وجودك في السجن؟ هل يبدو لك ذلك شيئا هينا، شيئا هينا أيتها العاهرة؟ هل يبدو لك ذلك شيئا هينا، شيئا هينا؟
وكان غضب المدعي العام يزداد مع كل مرة يقول فيها «هينا». - على مهلك يا سيدي، دعني أشرح لك، على مهلك يا سيدي، إن الأمر ليس كما تعتقد. انتظر، اسمع، بحق السماء! حين وصلت إلى منزل الجنرال، لم يكن الجنرال هناك، إنني لم أره، إنني لم أر أحدا هناك، كانوا قد رحلوا جميعا، وكان المنزل خاليا، ما عدا الخادمة التي كانت تجري هنا وهناك. - وهل يبدو لك ذلك شيئا هينا؟ شيئا هينا، وأي ساعة كنت هناك؟ - كانت ساعة كنيسة «لا مرسيد» تدق السادسة صباحا يا سيدي. - إن ذاكرتك قوية! وكيف عرفت أنه سيقبض على الجنرال؟ - أنا؟ - أجل أنت. - سمعت ذلك من زوجي. - وما اسم زوجك؟ - خينارو روداس. - وممن سمع هو بذلك الأمر؟ كيف عرف؟ من أخبره؟ - أحد أصدقائه يا سيدي، يدعى لوسيو فاسكيز، أحد أعضاء الشرطة السرية. هو أخبر زوجي، وزوجي ...
وقاطعها المدعي العام صائحا: وأنت أخبرت الجنرال؟
وهزت «نينيا فيدينا» رأسها كيما تقول: ليس صحيحا، لا. - وإلى أين ذهب الجنرال؟ - ولكن، بحق السماء، كيف لي أن أعرف وأنا لم أر الجنرال مطلقا؟ ألا تفهم، إنني لم أره مطلقا، لم أره مطلقا! ولماذا أكذب؟ خاصة وأن هذا السيد يكتب كل كلمة أقولها.
وأشارت إلى الكاتب، الذي حملق فيها بوجهه الشاحب المليء بالنمش، الذي بدا كورقة نشاف بيضاء عليها بقع حبر كثيرة. - ليس لك شأن بما يكتب. أجيبي عن سؤالي! أين ذهب الجنرال؟
وساد صمت طويل. ثم انفجر صوت المدعي العام بنبرة أحد: أين ذهب الجنرال؟ - لا أعرف. كيف لي أن أجيب عن هذا؟ لا أعرف، إنني لم أره على الإطلاق - لم أتحدث إليه. - إنك تخطئين إذ تنكرين ذلك؛ لأن السلطات تعرف كل شيء، بما في ذلك أنك قد تكلمت مع الجنرال. - إنك تجعلني أضحك! - اسمعي، ليس في الأمر ما يضحك. إن السلطات تعرف كل شيء، كل شيء، كل شيء. وكان يجعل المنضدة تهتز عند كل «كل شيء». «إذا كنت لم تر الجنرال، كيف إذن حصلت على هذا الخطاب؟ أظن أنه قفز إلى قميصك من نفسه؟» - إن هذا هو الخطاب الذي عثرت عليه في المنزل. لقد «التقطتها» من على الأرض قبل أن أخرج. ولكن لا فائدة من قول أي شيء ما دمت لا تصدقني وتعتبرني كاذبة.
ودمدم الكاتب قائلا: «التقطتها»! إنها لا تعرف حتى كيف تتحدث بلغة سليمة. يجب أن تقولي «التقطته». - اسمعي، لا تكذبي يا سيدتي واعترفي بالحقيقة؛ لأن الكذب سوف يجر عليك عقابا ستذكرينني به طوال حياتك. - ولكني قلت الحقيقة، وإذا كنت لا تصدقني فإني لا أستطيع أن أجعلك تفهمني بضربك بالعصا كالأطفال! - سوف يكلفك هذا غاليا، سوف ترين! وشيء آخر: ما شأنك أنت بالجنرال على أية حال؟ ما علاقتك به؟ هل أنت أخته أم ماذا؟ ماذا أخذت منه؟ - أنا ... من الجنرال ... لا شيء. إنني حتى لم أره سوى مرتين في حياتي. ولكن ما حدث هو أن ابنته قد وعدتني أن تكون إشبينة طفلي يوم تعميده. - ليس هذا سببا. - إنها إشبينة ابني يا سيدي!
فقال الكاتب من الخلف: كلها أكاذيب! - وإذا كنت قد اضطربت وفقدت أعصابي وهرعت إلى منزل الجنرال فذلك لأن لوسيو أخبر زوجي أن ثمة رجلا يعتزم اختطاف ابنة الجنرال. - كفاك أكاذيب. أفضل لك أن تفرغي كل ما في صدرك وتقولي لي أين يختفي الجنرال؛ لأنني أعلم أنك تعرفين، وأنك الشخص الوحيد الذي يعرف، وأنك سوف تقولين لنا هنا والآن، تقولين لنا. كفاك بكاء وتكلمي، إنني مصغ إليك.
Página desconocida