131

El Señor Presidente

السيد الرئيس

Géneros

وبرغم المعاناة التي تبدت في دموعه، كانت عيناه الغائرتان تشعان بشعور دافق من الرحمة الإنسانية، وكان بوسع المرء أن يقرأ فيهما أن صاحبهما رجل نبيل وكريم. وكان المحامي يتعثر خلفه دون أن يرفع عينيه عن الأرض - وربما أيضا لم يكن يراها - يبلل العرق جبهته، وإحدى يديه على صدره ربما ليمنع قلبه من أن ينفجر. وحين خرج إلى الفناء ورأى نفسه محاطا بالجنود، حك عينيه بظهر يديه كأنما هو لا يصدق ما يراه. كان يرتدي حلة ناحلة صغيرة عليه بحيث لا تصل أكمام السترة إلا إلى مرفقيه، ولا يصل البنطال إلا إلى ركبتيه، ملابس قديمة مجعدة قذرة مهلهلة، ككل الملابس التي يرتديها السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، بعد أن يعطوا ملابسهم الأصلية إلى أصدقائهم الذين يخلفونهم وراءهم مقبورين في زنزانات السجن التحتية، أو إلى حراس السجن مقابل بعض الخدمات الخاصة. كانت فتحة قميصه لا يقيمها سوى زر واحد من العظم. ولم يكن يرتدي ربطة عنق ولا حذاء. بيد أن وجود رفاقه في الكارثة معه، أنصاف عرايا مثله، أنعش شجاعته. وبعد أن فرغوا من قراءة حكم الإعدام، رفع رأسه ونظر في حزن إلى صف حراب السونكي، وقال شيئا غير مسموع. وحاول الرجل الهرم الذي كان بجواره الكلام هو الآخر، ولكن الضباط أسكتوه بتهديده بسيوفهم. كانت أيدي الضابط ترتعش من جراء الخمر التي شربوها، وبدت سيوفهم كالشعلات الزرقاء للكحول المحترق في ضوء الفجر الشاحب. وفي تلك الأثناء، ارتج صوت مصطدما بصداه المتردد من الجدران وهو ينطق عبارة: «من أجل الأمة»! وتبع ذلك واحد، اثنان، ثلاث، أربع، خمس، ست، سبع، ثمان، تسع دورات من الرصاص. وكنت أعدها على أصابعي، دون أن أشعر بما أفعل، ولذلك فقد تولد لدي منذ ذلك الوقت انطباع غريب بأن عندي إصبعا زائدة. وأغلق الضحايا عيونهم وثنوا أجسادهم كأنما ليتحسسوا طريقهم بعيدا عن مرمى الموت. وارتفع نقاب من الدخان فاصلا بيننا وبين هذه الحفنة من الرجال الذين جاهدوا عبثا أن يمسك الواحد منهم بالآخر إذ هم يسقطون بدلا من أن يهووا وحدهم إلى الفراغ. وارتجت طلقات الرحمة كانفجار الصواريخ الرطبة التي يتأخر مفعولها وتنفجر على نحو رديء. وكان من حسن حظ زوجك أن قتلته أول دورة من الرصاص. وكان يسمع عاليا، في السماء الزرقاء البعيدة المنال، صوت الأجراس والأطيار والأنهار، خافتا لا يكاد يبين. وقد قيل لي إن المدعي العسكري العام قد اضطلع بدفن الجث ...»

وقلبت الصفحة في لهفة، «الجث ...»، بيد أن بقية الكلمة لم يكن لها وجود، ولا أي صفحات أخرى؛ فقد انقطع الخطاب فجأة، ولم يكن هناك من بقية له وأعادت قراءة الخطاب، ولكن عبثا، وبحثت داخل المظروف، وقلبت الفراش، وبحثت في الوسائد، وعلى الأرض، وعلى المائدة، وقلبت كل شيء رأسا على عقب في لهفتها لأن تعرف أين دفن زوجها. وفي الفناء، كان الببغاء يهذر: «بغبغان ملوكي من البرتغال، ملابسه خضراء وليس معه مليم! آه، ها هو المحامي يأتي، مرحى أيها البغبغان الملوكي ! قال لي الكذوب! إني لا أبكي ولكني لا أنسى!» •••

تركت خادمة المدعي العسكري العام أرملة «كرفخال» واقفة على عتبة الباب والتفتت إلى امرأتين تتحدثان بأعلى صوتيهما في ردهة المدخل.

كانت إحداهما تقول: اسمعي، اسمعيني فحسب، اذهبي وقولي له إنني لن أنتظره أكثر من ذلك. إنني لست من الهنود، عليه اللعنة، حتى يتركني «وقفاي يقمر عيشا» على هذا المقعد الحجري! إنه يذكرني بوجهه القبيح! قولي له إنني قد جئت أرى ما إذا كان سيرد لي أخيرا العشرة آلاف بيزو التي اختلسها مني لقاء امرأة من سجن «كأسا نويفا» ظهر أنها لا نفع منها لدي؛ لأنه في اليوم الذي أحضرتها فيه إلى منزلي وقعت فريسة نوبة صرع. ثم، اسمعي، قولي له إنها آخر مرة سأزعجه فيها؛ لأن ما سأفعله الآن هو الذهاب للشكوى إلى السيد الرئيس.

وقالت لها المرأة الأخرى: لا تعكري دمك يا سيدة «تشون»، اطرحي عنك هذا الوجه الغاضب البا ... ئس.

وحاولت الخادمة الكلام إلى المرأة الأخرى: ... آنستي ... ولكن الآنسة قاطعتها قائلة: اخرسي أنت. - قولي له ما قلت لك، ولا تقبلي منه الزعم بأنني لم أعطه فسحة من الوقت: قولي له إن السيدة «تشون» قد جاءت لتراه مع إحدى الفتيات، وحين علمتا أنه ليس هنا، ذهبتا قائلتين إنه سوف يرى من أي معدن هما.

ولم تدرك أرملة «كرفخال» شيئا مما يجري حولها، إذ كانت مستغرقة في أفكارها. كانت تبدو في ثيابها السوداء، لا يظهر منها إلا وجهها، مثل الجثة المسجاة في نعش ذي نافذة. وربتت الخادمة على كتفها - وبدت أصابع المرأة العجوز كأنما هي مغطاة بخيوط العنكبوت - ودعتها إلى الدخول ... ودخلتا المنزل. ولم يكن بوسع الأرملة التحدث بوضوح، بل كانت تهمهم كامرئ، قد تعب من طول القراءة بصوت مسموع. - أجل يا سيدتي اتركي خطابك معي. وحين يحضر - ولن يطول ذلك كثيرا إذ إنه كان يجب أن يكون هنا الآن بالفعل - سوف أعطيه له وأقول له ما تريدين - بحق الله.

وفي اللحظة التي كانت أرملة «كرفخال» تغادر فيها المكان، ظهر شخص يرتدي حلة قطنية بلون القهوة، يتبعه جندي قد علق بندقيته «الرمنغتون» فوق كتفه وخنجرا في زناره، ونطاقا مليئا بخراطيش الرصاص حول عجيزته.

وقال ذلك الشخص للخادمة: من فضلك، هل المدعي العسكري العام موجود؟ - كلا، إنه ليس هنا. - وأين أستطيع أن أنتظره؟ - اجلس هنا، والجندي أيضا.

وجلس السجين وحارسه في صمت على المقعد الحجري الذي أشارت إليه الخادمة لهما من غير رقة.

Página desconocida