313

فغريزة العمل والسعي تتخذ شيئا فشيئا صفة الحرص والطمع ، وغريزة حب السعادة والبقاء تتخذ صورة الانانية ، وحب الجاه والمنصب ، ويتجلى نور التوحيد والإيمان في لباس الوثنية وعبادة الأصنام.

في هذه الحالة يعمل سفراء الله إلى البشرية : ( الانبياء والرسل ) على توفير ظروف الرشد والنمو الصحيح لتلك الغرائز وتلك القوى والطاقات في ضوء الوحي ، والبرامج الصحيحة المستلهمة من ذلك المنبع الالهي الهادي ، ويقومون بالتالي بتعديل انحرافات الغرائز ، والوقوف دون تجاوزها حدودها المعقولة المطلوبة.

ولقد قال اميرالمؤمنين في ما مر من كلامه : إن الله أخذ في مبدأ الخلق ميثاقا يدعى « ميثاق الفطرة ».

فما هو ترى المقصود من ميثاق الفطرة هذا؟

إن المقصود من هذا الميثاق هو : أن الله تعالى بخلقه وايداعه الغرائز المفيدة في الكيان الإنساني ، وبمزج الفطرة البشرية بعشرات الأخلاق الطيبة والسجايا الصالحة يكون قد أخذ من الإنسان ميثاقا فطريا بأن يتبع خصال الخير ، ويأخذ بالغرائز الطيبة الصالحة.

فاذا كان منح جهاز البصر ( العين ) للإنسان هو نوع من اخذ الميثاق من الإنسان بان يتجنب المزالق ، ولا يقع في البئر ، فكذلك ايداع حس التدين ، وغريزة الانجذاب إلى الله ، وحب العدل ، في كيانه هو الآخر نوع من اخذ الميثاق منه بأن يظل مؤمنا بالله ، موحدا إياه ، عادلا ، منصفا محبا للخير والحق.

وإن وظيفة الأنبياء هي أن يحملوا الناس على العمل بمقتضي ميثاق الفطرة ، وبالتالي فان مهمتهم الأساسية الحقيقية هو تمزيق اغشية الجهل وتبديد سحب الغفلة التي قدترين على جوهرة الفطرة المطعمة بنور الايمان ، فتمنعها من الاشراق على وجود الإنسان ، وتحرم الإنسان من هدايتها.

ومن هنا قالوا : إن اساس الشرائع الالهية يتالف من الامور الفطرية ، التي فطر الإنسان عليها.

Página 318