298

يشهد على انه صلى الله عليه وآله وسلم منذ بداية عمره إلى أن لاقى ربه مؤمنا موحدا وذلك امر لا شك فيه ، ولا شبهة تعتريه ، وقد اجمع على ذلك أهل السير والتاريخ ، وحتى أن الاحبار والرهبان كانوا معترفين بانه نبي هذه الامة ، وخاتم النبيين ، وكان يسمع تلك الشهادات منهم في فترات خاصة في « مكة » و « يثرب » و « بصرى » و « الشام » (1) وغيرها ، فكيف والحال هذه يمكن ان يكون غافلا عن الكتاب الذي ينزل إليه أو يكون مجانبا للإيمان بوجوده سبحانه ، وتوحيده ، والتاريخ المسلم الصحيح يؤكد على عدم صدق ذلك الاستظهار من الآية الحاضرة.

فلابد إذن من الإمعان في مفاد الآية كما لابد في تفسيرها من الاستعانة بالآيات الواردة في ذلك المساق.

بعث النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم لهداية قومه أولا ، وهداية جميع الناس ثانيا ، بالآيات والبينات ، ونخص بالذكر منها : القرآن الكريم ( معجزته الكبرى الخالدة ) الذي بفصاحته أخرس فرسان الفصاحة ، وقادة الخطابة ، وببلاغته قهر ارباب البلاغة وملوك البيان ، وخلب عقولهم ، وقد دعاهم إلى التحدي والمقابلة ، فلم يكن الجواب منهم إلا اثارة الشكوك والتهم حوله ، وحول ما جاء به ، وعدم المعارضة بمثل القرآن قط.

فتارة قالوا : بانه يعلمه بشر ، واخرى بأنه إفك افتراه ، واعانه عليه قوم آخرون وثالثة : بأنه أساطير الاولين ، قد اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا ، قال سبحانه ردا على هذه التهم التي أشرنا إليها : « قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين * ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين » (2).

وقال سبحانه « وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه

Página 303