La espada y el fuego en Sudán

Salatin Basha d. 1351 AH
175

La espada y el fuego en Sudán

السيف والنار في السودان

Géneros

لننتقل فترة من التعميم إلى التخصيص، ونتساءل عن حقيقة الموقف الحالي في السودان، فنقول إن النفوذ المصري في الشرق السوداني يسير سيرا بطيئا جدا لاسترداد ما كان له من أراض في الجهات المجاورة لسواكن وطوكر. أما في الجنوب الشرقي فقد استولى الإيطاليون على كسلا، وأجبروا المهديين على إقامة خط دفاع قوي في الشاطئ الغربي من نهر عطبرة.

نسير مسافة إلى الجنوب فلا نجد في الوقت الحالي رغبة بين الأحباش في تغيير ما بينهم وبين الدراويش من علاقات قديمة. أما في المناطق الجبلية التابعة لفازغلو والنيل الأزرق، فقد جاهر السكان بعدائهم للخليفة ورغبتهم في الابتعاد عن طاعته.

نتجه جنوبا مسافة طويلة أخرى إلى منابع النيل، فنجد حركة جديدة للنفوذ الإنجليزي، وليس ذلك غريبا؛ ففي تلك الجهات استطاع أستيك وجرنت وبيكي تخليد أسمائهم واسم أمتهم الإنجليزية بما قاموا به من اكتشافات مجيدة، كما أنهم اكتسبوا حب الأهالي بما بذلوه من مجهود ضد الرقيق وتجارته. ولا شك أن هذه الجهات ستتصل قبل مرور وقت طويل بشاطئ النيل بواسطة سكة حديدية لا تساعد على فتح الجهات التي تجتازها فحسب، بل ستساعد على إيجاد مخرج لتجارة الخط الاستوائي الجنوبي وما جاوره من الجهات؛ وإذن للنفوذ الإنجليزي أثر ظاهر هنا. بعد ذلك نذكر ولاية الكنغو الحرة التي تمكنت في السنوات القلائل الأخيرة - بفضل ما بذلته من مجهود عظيم - من ضم مقدار كبير من الأراضي إلى نفوذها.

كان النفوذ الجديد لولاية الكنغو الحرة عظيما، فلم يقتصر على مسيو مواوبانجي، بل تعداه إلى مناطق كثيرة من مديرية بحر الغزال وفي خط الاستواء، حتى إن تلك الولاية تمكنت من التقدم إلى المكان المجاور لنفوذ الدراويش في الرجاف الكائنة على وادي النيل.

فيما وراء ذلك النفوذ نجد على مقربة من أوبانجي العليا مساعي الفرنسيين وأحلامهم؛ حيث يسعون السعي المتواصل في سبيل تحقيق آمالهم في تلك الناحية كما حققوها في جهات مختلفة من القارة الأفريقية. إذا ذهبنا بعيدا إلى الشمال الغربي، وجدنا نفوذ الخليفة في المناظر القائمة هناك معددا بعدد القبائل المختلفة التي سيصبح أفرادها، قريبا أو بعد زمن طويل، خاضعين بمحض إرادتهم للنفوذ الأوروبي الممتد إلى داخل أفريقيا من الناحيتين الغربية والشمالية.

أما في النهاية الشمالية، فستقيم القوة المصرية التي بدأ الخليفة عبد الله يدرك خطرها ويثق أنها، القوة المصرية، ستكون أول من يتقدم للتدخل في شئون إمبراطوريته المضطربة المزعزعة الأركان.

من ذلك البيان الموجز نطلع على الموقف الحالي - من الناحية الدفاعية الهجومية - للمهدي في السودان؛ فإنه كامل العدة ومتين الشهرة في داخل أملاكه ومناطق نفوذه، ولكنه مهدد من جميع الجوانب الخارجية، وهو إزاء ذلك التهديد لا يملك ما يدفع به غارة المحتاجين؛ لأن الشعب الذي يحكمه لا يخلص له بطبيعة الحال وقت الخطر، والسبب في ذلك معروف لدى القارئ؛ وهو الرغبة في التخلص من جور عبد الله بأية وسيلة، وعندي قليل من الشك في أن إمبراطورية الخليفة ستحطم ويتقلص ظلها قبل هجوم قوى أية دولة متمدينة. إذن ما الذي يجب عمله؟

هل تصبح مصر مرة أخرى الحاكمة الفعلية الحقيقية للبلاد التي كانت مصر سيدتها الشرعية ومالكتها قبل حكم المهديين؟

هل تدرك وتفهم جيدا كل مملكة من الممالك المتمدينة - السائرة مجردة عن الهوى إلى شواطئ النيل الصالحة للملاحة - أن الواجب يقضي عليها بعدم محاولة قطع أو مقاومة مصدر حياة مصر النائية بتحويل منافع الماء الراوية إلى الأراضي التي تحصل عليها كل منهن؟

هل تسعى الممالك المتمدينة سعيا شريفا في كل ما يعملنه، وتفكر كل على حدة في أن الفضيلة تقتضي التجرد عن الهوى وعدم تعريض مصالح مصر للخطر؟ هل ترضى كل مملكة رضاء المخلص الشريف بعدم التقدم لسفك الدماء، وإنفاق الأموال في سبيل غير مشروعة كل ما فيها مكسب لا يجيء إلا من اعتداء غير مشروع؟

Página desconocida