La espada y el fuego en Sudán

Salatin Basha d. 1351 AH
143

La espada y el fuego en Sudán

السيف والنار في السودان

Géneros

كان من المقرر أن كل من يسمح الخليفة بمقابلته إياه يتجرد من سلاحه - الذي كان يحمله السوداني دائما - ثم يفتشه أحد رجال الحرس قبل دخوله إلى غرف الاستقبال الرسمية، فكان ذلك العمل من جانب الخليفة دليلا على سوء ظنه في رعيته، فإذا أضفنا إلى ذلك كراهية الشعب له، استطعنا بسهولة إدراك ما كان يتحدث به الناس عن ظلم الخليفة وتعسفه وعن مخاوفه الشديدة.

على الرغم من هذه الشدة النادرة وتلك القسوة المؤلمة لم يوفق الخليفة في اكتساب جانب أية قبيلة، حتى إن أفراد قبيلته الخاصة فروا منه، وهذه بطبيعة الحال نتيجة منطقية معقولة.

عندما وصل أفراد قبيلة عبد الله إلى أم درمان بعد إلقاء مقاليد الخلافة إليه، مضوا في الاعتداء على أصحاب الأرض؛ فأخذوا غلالهم واغتصبوا نساءهم ونكلوا بأولادهم، فاشتد الكرب اشتدادا اضطر الخليفة لإصدار أوامره بعدم خروج تعايشي من أم درمان إلا بإذن خاص. ولكن أوامره تجوهلت، ثم دب دبيب العصيان في قلوب السكان حتى انتشرت فكرة التمرد انتشارا لم يكن معروفا من قبل.

أما فيما يختص بأخلاق أولئك العرب فحميدة في ذاتها، ولكنهم في الوقت نفسه ميالون إلى الكبرياء والإعجاب بأنفسهم فحسب، وذلك راجع إلى صلتهم وقرابتهم بالخليفة، فكانوا يدعون دائما أنهم أسياد البلاد وأصحاب الشأن الأعلى فيها لا لشيء سوى صلتهم بالخليفة.

وقد انتهى بهم ذلك التعسف إلى وضع أياديهم على خيرات الأرض وغلالها وماشيتها وخيولها، فكان هذا الاستئثار مدعاة الحسد في القبائل الغربية السودانية؛ حيث الأفراد الذين لم ينظروا إلى التعايشي ورجاله نظرة ودية.

كل ذلك الاضطراب سبب من أهم الأسباب في حذر الخليفة وخوفه مما يجري حوله، ولكني لا أعتقد أنه على علم دقيق بمقدار كراهة الشعب إياه وحقده عليه. وعلى أية حال، فقد كان هم الخليفة متجها إلى إرضاء أمراء القبائل بإرسال الهدايا المالية والعبيد سرا إليهم في أوقات الليل من الأيام المختلفة، أما الأمراء فلم يكونوا يترددون في قبول الهدايا المذكورة، وهم على ثقة من أنها جمعت ظلما وعدوانا. وقد يكون من دواعي الإشفاق على الخليفة أنه لم يكن متمتعا بولاء الأمراء الحقيقي، رغم ما يبعثه إليهم من الهدايا.

من أعجب ما يروى عن الخليفة عبد الله أنه لم يفارق أم درمان إلى الضواحي مرة واحدة في أكثر من عشر سنين؛ لأنه كان يخشى ترك تلك العاصمة التي استجمع فيها كل ما لديه من قوة وذخيرة، ووضع تحت رقابته فيها جميع الذين خاف شرهم، بعد أن اضطرهم إلى القيام بالصلوات الخمس يوميا في حضوره وسماع خطبه الدينية.

صرح الخليفة بأن أم درمان هي مدينة المهدي المقدسة. وقد يكون غريبا على القراء أن يسمعوا عن أم درمان قبل عام 1890 بأنها كانت مدينة صغيرة ضئيلة الشأن، يسكنها بعض قطاع الطرق، وكل ما لها من شأن أنها واقعة تجاه الخرطوم؛ غريب عليهم أن يسمعوا ذلك في الوقت الذي علت فيه كلمة هذه الجهة وأصبحت أضخم وأعظم شأنا من الخرطوم، وقد سبقه إليها المهدي، فبعد أن كانت الأرض حقيرة غير منتظمة مدت إليها الأشجار الوارفة الظلال، وأسس الجامع الكبير وبيوت الخليفة عبد الله والخليفتين محمد شريف وعلي واد هلو. أما عبد الله فقد وضع يده على جميع الأراضي الواقعة جنوبي المسجد. وأما القسم الشمالي فاقتسمه الخليفتان محمد شريف وعلي واد هلو.

مما يذكر عن المهدي في حياته أنه صرح علنا في المسجد الكبير بأن أم درمان محلة وقتية؛ لأن رؤيا النبي التي ظهرت له في إحدى الليالي أمرته بنقل الخلافة إلى الشام بعد التغلب على مصر وبلاد العرب، ولكن موته المبكر قد شتت جميع مشاريعه وقضى على آماله وآمال أتباعه.

بعد أن نقلت العاصمة إلى أم درمان تم تنظيمها وتخطيطها، وقد بلغ طولها السطحي من الشمال إلى الجنوب ما يقرب من ستة أميال إنجليزية، وقد أصبحت نهاية الحد الجنوبي مقابل الطرف الغربي للخرطوم.

Página desconocida