La espada y el fuego en Sudán
السيف والنار في السودان
Géneros
وأمرني بأن أكتب لهم مثل ذلك ، وبالرغم من وثوقي بأنهم لا يجيبون هذه الدعوة كتبت إليهم بألا يجيبوها وبألا يحضروا.
وأرسلت المراسلات مع نفس الرسول الذي قدم من قبل عثمان دجنة، وأعطى الخليفة لعثمان التعليمات بأن يبعث تلك الرسائل بنفس الطريقة التي سبق له أن بعث بها فيما مضى.
وكان الخليفة في هذا اليوم منشرح الصدر مسرورا، وكان سروره بسبب قدوم جميع أفراد قبيلته التعايشة إلى أم درمان؛ لأنه كان قد طلب إليهم ذلك ومهد لهم كل السبل التي تسهل عليهم القدوم. إلا أنهم ظنوا أنفسهم أسياد الحرث والنسل واستولوا على كل شيء مروا به من ماشية بجميع أنواعها، ونهبوا متاع الرجال وحلي النساء في طريقهم، مع أن الخليفة - كما قدمت - كان أمر بتشييد مخازن للمؤن في طول طريقهم لتسد حاجتهم، وكانت المراكب والبواخر قد أعدت لنقلهم إلى أم درمان.
ولما وصلوا إلى الضفة اليمنى لأم درمان أمرهم الخليفة بالانتظار بعد أن قسمهم إلى قسمين وبعد أن أمر بأن يلبس الرجال والنساء أزياء جديدة من بيت المال، ثم أخذ يستقبلهم جماعات جماعات في أم درمان، واستغرقت مدة نقلهم من الضفة اليمنى إلى أم درمان يومين أو ثلاثة أيام؛ حتى يلفت الأنظار ويعلم الجميع أن أسيادهم قدموا إلى المدينة، وأخلي لهم الجزء الواقع بين المسجد والحصن ليكون مقرا لهم، وأعطي السكان الذين تركوا ديارهم أرضا بدلا منها، كما أصدر أمره لبيت المال بأن يمد يد المساعدة لتشييد مساكن جديدة لهم.
ولكي يسهل على أفراد قبيلته سبل المعيشة - وكانت أسعار الغلال قد أخذت في الصعود - أصدر أمره بمصادرة جميع الغلال المخزونة وبيعها بأرخص الأثمان لرجال التعايشة، وقسم الأموال التي جمعت بين أصحاب الغلال الذين عادوا فاشتروا غلالا بأضعاف أضعاف ما باعوا، ويمكنني أن أقول إن ثمن عشرة أرادب بيعت للتعايشة صارت بعد ذلك تساوي ثمن إردبين لما أراد أصحاب الغلال شراء بدل منها.
ولما نفد ما كان مخزونا في أم درمان أرسل الخليفة رسله إلى الجزيرة ليصادروا كل ما يجدونه هناك، ولكن تلك الأعمال التي عملها في سبيل راحة أفراد قبيلته وما ارتكبه هؤلاء من سلب ونهب، سببت كراهية أتباعه فيه.
والآن قد انتشرت المجاعة في جميع أنحاء السودان؛ حيث لم يسقط مطر.
ولما وقعت المجاعة وانتشرت في بربر قبل غيرها من نواحي السودان، نقصت المحصولات لدرجة أنها أصبحت لا تسد حاجة السكان، ورحل أغلب هؤلاء إلى أم درمان التي كانت مزدحمة أشد ازدحام؛ فاشتد الخطب وارتفعت أثمان المحاصيل حتى بلغ ثمن الإردب من الحنطة 40 ريالا، ثم ارتفع بعد ذلك إلى 60 ريالا، فمات الفقراء جوعا، وكانت الأشهر الأخيرة من عام 1889 أشهر شقاء وبؤس وتعاسة، فتكت المجاعة فيها بالناس فتكا ذريعا، وانحطت حالة القوم الصحية حتى أصبحت أجسامهم هياكل عظمية تحوي العظام وعليها الجلود البشرية فقط.
وصار الناس يأكلون كل شيء؛ فأكلوا جلود الحيوانات القديمة، ولم يتركوا حتى الجلود المصنوعة منها سررهم؛ فقد كانوا يقطعونها ويغلونها في الماء ثم يأكلونها ويشربون الماء، وانتشرت السرقات وعمت الفوضى، فكان كل من في قدرته ارتكاب السرقات فعل.
وإني أذكر حادثة وقعت أمامي؛ فقد رأيت رجلا اختطف من غيره قطعة شحم والتهمها بكل شراهة، فهجم عليه صاحبها محاولا إخراجها من فمه فأحاط عنقه بيديه وخنقه، ولكن اللص لم يخرج فريسته من فمه وأخيرا وقع مغمى عليه.
Página desconocida