حاولت جاهدة الهرب منه، لكنه حاصرني من كل الاتجاهات. لم يطرق بابي ولم يستأذن، لم يسأل ولم يسمع جوابا، بل اقتحم قلبي اقتحاما، مجيبا كل الإجابات، على كل الأسئلة.
الفصل الأول
كواحة في صحراء
هيروكي
درست علوم الاقتصاد في جامعة طوكيو، منذ صغري وأنا أهوى العمليات الحسابية، الإدارة، والتخطيط. لذا حينما أنهيت دراستي لم يكن صعبا علي أي اتجاه سأختار، فمن الواضح أني سأتابع عملي في المجال البحثي، فبعد حصولي على شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية، قمت بافتتاح مركز بحوث خاص بي، ومع الأيام أصبح هذا المركز أحد أكبر المراكز البحثية في مجال العلوم الاقتصادية على مستوى العالم، وما زلت أحاول الإشراف قدر الإمكان على كل تفاصيل البحوث المقامة في مركزي البحثي.
حيث إنه مع زيادة التخصص، أصبح لدينا في المركز العديد من الأقسام، ومنها ما هو بعيد كل البعد عن اختصاصي الخاص. لذا في بعض الأحيان أحتاج إلى مدربين خاصين في مجالات معينة ليقوموا بتدريب الباحثين والطلاب والمشرفين، وأولهم أنا البروفيسور هيروكي.
لم أشعر يوما أني اكتفيت من التعلم والقراءة والبحث، كما لم أشعر يوما أني سأكتفي أو سأصل لمرحلة الإشباع، ساعدني على ذلك، شغفي المبالغ فيه، وتفرغي التام له. فأنا الآن في الخمسين من عمري وما زلت عازبا من غير شريكة أو ولد؛ لذا كان وقتي ملكا لي، واستطعت الإبحار في مجال عملي وتحقيق أغلب ما خططت له في حياتي.
أنا هنا أقطن مع عائلة من نوع آخر، فأغلب الطلاب والباحثين يقضون أيام الأسبوع ويبيتون في المبنى التابع للمركز، فلهم شقق صغيرة هنا، يسافر أغلبهم في عطلة نهاية الأسبوع ليعودوا إلى منازلهم وعائلاتهم. أما أنا فيقع منزلي الخاص في الشارع المجاور للمركز. اعتدت أن أمضي ليلتي الجمعة والسبت أطالع الكتب في مكتبة المركز، بينما يخلد من بقي في المركز للنوم. كل شيء هادئ هنا، لا صوت ولا إزعاج ولا تدخل ولا أسئلة. فأنا أجلس وحدي، أنتقي الكتب التي أريدها بهدوء وعندما أشعر بالتعب أغفو معظم الأحيان في المكتبة. لكن الأمور لم تعد كما كانت سابقا، فقد أصبح هناك شخص آخر يشاركني مكتبتي التي كانت هادئة، إنها الدكتورة ساي شوجا.
عندما قرأت السيرة الذاتية للدكتورة ساي من بين العديد من المتقدمين لفت انتباهي طريقة كتابتها لها، لدي طريقة خاصة باختيار الموظفين والباحثين في مركزي، فأنا لا أعتمد فقط على ما يتم كتابته من مهارات وتاريخ طويل من الخبرة، هناك شيء أراه بين السطور، لكن في حالتها لم يكن هناك سطور أصلا، هي بضع كلمات كما لو أنها تعرف بها عن نفسها في موقع تواصل اجتماعي مع قليل من الأمور المهنية.
ما حدث هو أنه قد أبدى بعض الباحثين والطلاب في قسم الاقتصاد السلوكي حاجتهم لخبراء وعلماء نفس، فلم أكتف بمختصي المجال النفسي والاجتماعي، بل قمت بوضع إعلان لأطباء نفسيين أيضا، فأنا أحب التكامل بين العلوم وضم بعضها مع بعضها الآخر. قمت بانتقاء ثلاثة ملفات من بين مائة ملف قام أصحابهم بالتقدم لتلك الوظيفة، كان ملف الدكتورة ساي أحدهم. حين أتت الدكتورة ساي إلى المقابلة كدت أن أطردها من المكتب لولا الآداب العامة للظرف الذي نحن فيه. بدأت المقابلة بطريقة غريبة وانتهت بطريقة أغرب، وكنت على وشك رفضها إلا أنني ترويت قليلا. خلال العشرين عاما الماضية، قمت بإجراء أكثر من ألف مقابلة مع موظفين، باحثين، دكاترة، وطلاب، لم أر في حياتي أحدا منهم أتى إلى المقابلة بملابس رياضية وحذاء رياضي! لكن تلك الطبيبة فعلت! لا أحكم على الأشخاص من خلال مظهرهم، لكن ليس إلى هذا الحد! ألا تستطيع أن ترتدي ملابس عادية، أمن الضروري أن تختبر عدم انحيازي للشكل إلى هذا الحد!
Página desconocida