El sonido de las profundidades: lecturas y estudios en filosofía y psicología
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Géneros
والمجتمع الذي لا تحترم فيه هذه الحريات ليس مجتمعا حرا مهما يكن شكل حكومته. وما هو بمجتمع حر تمام الحرية ذلك الذي لا تتوافر فيه هذه الحريات على نحو مطلق وبدون تحفظ؛ فليس ثمة حرية تستحق اسم الحرية غير حرية سعينا وراء صالحنا الخاص بطريقتنا الخاصة، ما دمنا لا نحاول حرمان الآخرين من صالحهم ولا نحاول إحباط جهودهم للحصول عليه. إنما كل فرد هو القيم الحق على صحته سواء الجسدية أو العقلية أو الروحية، والبشر يربحون إذا تركوا للآخر أن يعيش وفقا لما يراه خيرا له أكثر مما يربحون بإكراهه على أن يعيش وفقا لما يراه الآخرون خيرا. (3-3) في حرية الفكر والمناقشة
الفكر حر بطبيعته وماهيته.
الحرية ليست شيئا يعرض للفكر بل هي شيء يكونه.
الفكر حر بحكم التعريف.
والفكر غير الحر ليس فكرا، بل هو، ك «المربع المستدير»، تناقض ذاتي.
بصفة عامة، ليس لنا أن نخشى في البلاد الدستورية من أن تقوم الحكومة، سواء كانت مسئولة مسئولية كاملة أمام الشعب أم لا، بمحاولة السيطرة على التعبير عن الآراء، إلا إذا كانت الحكومة في هذا الفعل تجعل نفسها الأداة المنفذة لتعصب الجمهور. ولنفترض إذن أن الحكومة في هوية تامة مع الشعب، وأنها لا تفكر على الإطلاق في ممارسة أي سلطة قاهرة ما لم يكن ذلك متفقا مع ما ترى أنه صوت الشعب، فهل من حق الشعب أن يمارس مثل هذا القهر، سواء بنفسه أو بواسطة حكومته؟ كلا، فالسلطة (القاهرة) نفسها غير مشروعة، ولا تجوز لأفضل الحكومات أكثر مما تجوز لأسوئها. إنها ذميمة، وربما هي أشد ذما لو مورست وفقا لإرادة الرأي العام مما لو مورست ضد إرادته. فإذا انعقد إجماع البشر على رأي، وخالفه في هذا الرأي فرد واحد، لما كان حق البشرية في إخراس هذا الفرد بأكبر من حقه هو في إخراس البشرية إذا توافرت له السلطة التي تمكنه من ذلك. فلو أن الرأي ملك شخصي لا قيمة له إلا عند صاحبه، وأن منعه من التمتع بهذا الملك هو مجرد ضرر شخصي ، لكان للعدد هنا ثقل ما، وكان هناك بعض الفرق فيما إذا كان الضرر قد حاق بعدد ضئيل من الأشخاص أم عدد كبير، ولكن الشر المميز الذي يكمن في إخراس التعبير عن الرأي هو أنه يعني أننا نسرق الجنس البشري كله؛ نسرق الأجيال القادمة والجيل الحاضر معا، نسرق الذين يخالفون الرأي أكثر من الذين يوافقونه؛ ذلك لأن هذا الرأي إذا كان صوابا فقد حرمنا هذه الأجيال من فرصة استبدال الحق بالباطل، وإذا كان خطأ فقد حرمناهم أيضا من نفع عظيم، وهو الإدراك الأكثر وضوحا والانطباع الأكثر حيوية للحق والذي ينجم عن اصطدامه بالخطأ.
4
من الضروري أن نبحث هذين الفرضين كلا على حدة، فلكل منهما فرع متميز يقابله من البرهان. إن من المحال علينا أن نتيقن أن الرأي الذي نحاول خنقه هو رأي باطل، وحتى لو فرضنا أننا على يقين من بطلانه فإن خنقه سيظل ضربا من الشر.
أولا: إن الرأي الذي تحاول السلطة قمعه قد يكون صوابا. وإن أولئك الذين يرغبون في قمعه لينكرون صوابه بطبيعة الحال، إلا أنهم غير معصومين، وليس لديهم سلطة حسم المسألة نيابة عن الجنس البشري وإقصاء أي شخص آخر عن سبيل الحكم. إن كل محاولة لإسكات المناقشة تتضمن زعما بالعصمة من الخطأ، وبوسعنا أن ندين هذه المحاولة بناء على هذه الحجة العامة، وبالأكثر لأنها عامة.
ولسوء الحظ وخيبة الأمل في الحس السليم لبني البشر، فإن حقيقة قابليتهم للوقوع في الخطأ لا يقيمون لها وزنا في أحكامهم العملية قريبا مما يقيمونه لها في أحكامهم النظرية. فرغم أن كل إنسان يعرف جيدا أنه عرضة للخطأ، فإن قليلا من الناس من يرون ضرورة أخذ أي احتياطات ضد إمكان وقوعهم في الخطأ، أو يفترضون أن أي رأي يشعرون أنهم على يقين شديد به ربما يكون واحدا من الأمثلة على خطأ اعترافهم بأنهم عرضة للخطأ. إن الأمراء أصحاب الحكم المطلق، أو غيرهم ممن اعتادوا أن يذعن لهم الآخرون إذعانا لا حد له، يشعرون عادة بهذه الثقة التامة في آرائهم في جميع الأمور تقريبا. أما من أسعده الحظ وكان وضعه يتيح له أن يسمع آراءه تناقش أحيانا ولا يجعله دائما فوق التقويم إن هو أخطأ، فإنه لا يضع هذه الثقة المطلقة إلا في آرائه التي يشاركه فيها جميع من حوله، أو يشاركه فيها أولئك الذين اعتاد احترامهم؛ ذلك أن الإنسان بقدر افتقاره إلى الثقة في حكمه المفرد فإنه يستند عادة إلى معصومية «العالم» بصفة عامة، و«العالم» بالنسبة لكل فرد يعني ذلك الجزء من العالم الذي يتصل به اتصالا مباشرا: حزبه، طائفته، كنيسته، طبقته الاجتماعية ... إلخ. قد يوصف الإنسان، على سبيل المقارنة، بأنه على درجة من التحرر وسعة الأفق إذا اتسع معنى الوسط الذي يعيش فيه فشمل أي نطاق عريض مثل بلده أو عصره. غير أن إيمانه بهذه السلطة الجمعية لا يهزه على الإطلاق علمه بأن عصورا أخرى وطوائف أخرى وكنائس وطبقات وأحزابا أخرى اعتنقت وما تزال أفكارا عكس أفكاره بالضبط، فهو يحيل إلى عالمه الخاص مسئولية كونه في العالم الحق بإزاء العوالم المخالفة التي يعيش فيها بقية الناس، ولا يقلق خاطره قط أن المصادفة وحدها هي التي حددت أي هذه العوالم العديدة هو العالم الذي يستند إليه، وأن نفس الأسباب التي جعلته قسيسا في لندن كان من الممكن أن تجعله بوذيا أو كونفوشيوسيا في بكين. غير أن من الواضح بذاته وضوحا يغنيه عن أي بينة أن العصور والأجيال ليست أكثر معصومية من الأفراد، فما من جيل إلا اعتنق الكثير من الآراء التي بدت في نظر الأجيال التالية، لا خطأ فحسب بل خلفا لا معقولا. ومن المؤكد أن كثيرا من الآراء الشائعة اليوم سوف ترفضها الأجيال المقبلة، مثلما أن الكثير من الآراء التي كانت سائدة ذات يوم هي الآن مرفوضة لدى الجيل الحاضر.
Página desconocida