El sonido de las profundidades: lecturas y estudios en filosofía y psicología

Cadil Mustafa d. 1450 AH
208

El sonido de las profundidades: lecturas y estudios en filosofía y psicología

صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس

Géneros

من عجيب المفارقات وساخر المصادفات أن المذهب النسبي بصفة عامة يستند إلى كشوف علم الأنثروبولوجيا الحديث، بينما يمثل قيام هذا العلم نفسه وإمكان تأسيسه أصلا، أول شاهد ضد النسبية؛ فلو صح أن الفجوة الثقافية بين الجماعات هائلة ومستحيلة العبور لما أمكن قيام الأنثروبولوجيا من الأصل، وما كان هناك معنى لأن نحاول إنشاء مثل هذا العلم. إذا كانت الجماعات المختلفة تعيش داخل أنساق رمزية مختلفة ومنفصلة ومسيجة لتعذر علينا الخروج من نسقنا الخاص والدخول في نسق مغاير بهدف الفهم والبحث المقارن و... «المقايسة». (6-1) اللامقايسة

يفيد مبدأ «اللامقايسة»

incommensurabiliy ، الذي قال به كون وفييرابند، بامتناع المقارنة، أو المفاضلة، بين نظريتين متتاليتين في تاريخ العلم، أو بين مجالين مختلفين من مجالات الخطاب (متضمنة الأطر التصورية المختلفة للثقافات المختلفة كما تتجسد في لغاتها وممارساتها ... إلخ) لامتناع عرضها على محكات مشتركة وتحكيم مقاييس موحدة في شأنها والموازنة بينها بموازين موضوعية عامة. وبحسب مبدأ «اللامقايسة» فإن العبارات الخاصة بمجال معين من مجالات الخطاب لا تعود لها معنى حين تقحم في مجال آخر. وقد استخدم كل من كون وفييرابند مفهوم «اللامقايسة» لكي يقوض التصور الوضعي عن تقدم العلم كعملية خطية من التراكم المعرفي، ويثبت أن تقدم العلم ليس متصلا صاعدا وإنما يمثل انفصالات وقطائع.

يرتبط مفهوم «اللامقايسة» عند «كون» ارتباطا وثيقا بمفهوم «النموذج الشارح» (البارادايم)، فالعبارات التي تندرج داخل نموذج ما لا يعود لها معنى حين تدرج في نموذج مختلف، ولا يعود من الممكن تأويلها تأويلا مترابطا داخل نموذج منافس. وفي المجال الذي يعنينا هنا - أي التأمل الأنثروبولوجي - سوف نوحد بين البارادايم وبين السياق الثقافي؛ ذلك السياق الذي يمثل الموضع الذي يتم فيه التشييد الاجتماعي للمعنى.

ذهب «كون» إلى أن «النماذج الإرشادية (الشارحة)

paradigms » تخبر العلماء أي ضروب من الكيانات تقطن العالم، وأي ضروب من السلوك تتخذها هذه الكيانات، وفي الوقت نفسه توعز النماذج للعلماء بالأسئلة التي يمكن أن يطرحوها على الطبيعة وبالتقنيات التي يمكن أن يستخدموها بحثا عن إجابات هذه الأسئلة. تنطوي النماذج على «جشطلت» (صورة كلية)

Gestalt

أو إدراك معين للعالم مرتبط بتلك اللغة التي تصفه، ومطمور فيها بشكل لا محالة منه وضرورة يتعذر اجتنابها. ومن ثم فإن التحول من نموذج إلى آخر لا يمكن أن يتم بالاشتقاق، وإنما يتم بعملية «ثورة علمية»

scientific revolution . ومع تغير البارادايم يتغير العالم نفسه. وبعد قيام الثورات العلمية يرى العلماء أشياء جديدة ومختلفة عندما يستخدمون نفس الأدوات وينظرون إلى نفس الأشياء التي كانوا ينظرون إليها فيما سبق.

التحول إذن بين النماذج غير مسير بالمنطق، والنتيجة التي يسفر عنها هذا التحول هي تعديل في الطريقة التي تربط الجهاز النظري لدى البشر بالطبيعة، وإعادة تعريف هذه الرابطة بحيث يصبح إدراكهم للواقع إدراكا مختلفا. يفضي تغير النموذج الإرشادي إلى تغير المخطط التصوري؛ ذلك أن الأمر ينطوي على تغير في المعايير العقلانية التي تحكم تطور العمل العلمي، وعلى تعديل في تلك القيم والاعتقادات التي تقوم عليها هذه المعايير. ليس ثمة ضمان موضوعي يقدم مقارنة بين النماذج، والانتقال بين النماذج، ما دامت هناك «لا مقايسة» بين مصطلحاتها ومفاهيمها. لا يمكن أن يتم إلا بنوع من «الردة» أو «التحول العقائدي الحاسم»

Página desconocida